قبل 60 عاما نسج تنظيم الإخوان الإرهابي خيوطه على دويلة كانت أبعد ما تكون عن الأذهان ليختارها قاعدة له وتصبح أول دويلة يحكمها بالكامل.
لم تعلن قطر يوما أنها محكومة بفكر أو تنظيم الإخوان الإرهابي، ولكن مؤسساتها الحيوية ومناهجها وأموالها وقعت بالفعل منذ عقود في يد التنظيم الحاكم الحقيقي لقطر، حتى باتت أول دويلة إخوانية في العالم تسخر مواردها وثرواتها لمشروع التنظيم في تخريب الدول العربية والإسلامية التي لا تدين له بالولاء.
وتعود العلاقة تاريخيا على الأقل إلى عقد الستينيات في عهد الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، حين ضيق الخناق على تنظيم الإخوان الإرهابي بعد محاولاتهم قلب نظام الحكم والتعاون مع بريطانيا ضد القاهرة، ففر عدد منهم إلى قطر الناشئة، ذات المؤسسات الرخوة وقتها والتي يسهل التحكم فيها وتشكيلها.
ووفق كتاب "قطر إسرائيل الصغرى ورأس الأفعى" للصحفي المصري بلال الدوي، فإن قطر استقبلت أخطر 10 قيادات إخوانية بعضهم من رفاق مؤسس التنظيم حسن البنا، وهم من قاموا بأخونتها بالتغلغل في مؤسساتها الحيوية والمناصب المهمة المقربة من الحكم.
وعلى رأس هؤلاء يوسف القرضاوي الذي سيطر على جامعة قطر وأنشأ فيه كلية الشريعة، وعبد البديع صقر الذي بات المستشار الثقافي لحاكم قطر، وحسن المعايرجي الذي سيطر على وزارة التعليم وكان من معلمي أمير قطر السابق حمد بن خليفة، وأحمد العسال، وعبد الحليم أبو شقة الذي سيطر على الجمعيات الخيرية، وكمال ناجي وعز الدين إبراهيم وعبد المعز عبد الستار الذين أشرفوا على تأليف الكتب المدرسية القطرية، وصولا إلى سيطرة التنظيم على الجمعيات الشرعية والأوقاف.
أذرع السرطان
وبعد تمكن تنظيم الإخوان من قطر، بات يوجه ثرواتها، بالتنسيق مع دول أجنبية وفروعه في بقية العالم، لصنع تنظيمات إرهابية سرطانية جديدة، تحمل أسماء تبعدها عن شبهة العلاقة بالإخوان، ولكنها على الأرض تنفذ أجندتهم في إضعاف الدول العربية والإسلامية الغير محكومة من الإخوان، ولخدمة شبكة توزيع المصالح بين التنظيم وحكومات غربية في الدول المستهدفة.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها مد قطر الإخوانية يدها بالمال والدعم الإعلامي والسياسي لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن عبر توفير منبر إعلامي واسع الانتشار كقناة الجزيرة لإيصال رسائله، ومد يد العون لحركة طالبان بفتح مكتب لها في الدوحة لإعطائها "شرعية سياسية"، وهو ما تسبب في إطالة أمد أزمة أفغانستان وزيادة ضحاياها.
لم تجرؤ قطر على البوح بأنها تقدم تمويلا مباشرة لتنظيمات الشيطان الإرهابية، ولكن سارت على نهج تنظيم الإخوان في خلق جمعيات خيرية وحقوقية وتعليمية ودينية تتخذها ستارا لتوصيل هذا التمويل إلى الجهات المقصودة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما قام به المستشار بالديوان الأميري عبد الرحمن النعيمي، الذي بات يوصف بأنه الممول الأول للإرهاب في الدول العربية، بإنشائه منظمة "الكرامة" لحقوق الإنسان في سويسرا، لتكون بعيدة عن رقابة أجهزة المنطقة، وفتح فرع لها بالدوحة، وجميع أعضائها من تنظيم الإخوان، مثل رشيد مسلي وعباس العروة وخالد العجيمي وعبد اللطيف عربيات.
وبخت هذه المنظمة سمومها في العالم عبر إزكاء الحرب وسفك الدماء بسوريا بتقديم المدد لـ"جبهة النصرة"، فرع القاعدة في سوريا، و"شباب المجاهدين" في الصومال، وجماعتي "أنصار الدين" و"أزواد والجهاد" فى غرب أفريقيا، وحركة "الرشاد" في اليمن، التي يقودها عبد الوهاب الحميقانى، و"أنصار الشريعة" في ليبيا بهدف تسليمها إلى حكم تنظيم الإخوان بعد مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي، وتنظيم القاعدة في مالي بما يخدم المصالح الفرنسية التي تبرر وجودها العسكري في غرب أفريقيا بأنها تحارب الإرهاب.
كذلك مدت تنظيم الإخوان الإرهابي من بوابة قطر حبال العلاقات مع إيران، رغم الاختلاف المذهبي المعلن، للاستفادة من خبرة إيران في إنشاء المليشيات واختراق الدول، ومن الوسطاء في ذلك سالم حسن الكواري وعبد الله غانم الخوار، وهما كانا ضمن العاملين في الديوان القطري، ومسؤولَين عن العلاقات بين قطر وتنظيم القاعدة وإيران.
مصر الهدف الأكبر
كان لمصر النصيب الأكبر في المخططات التخريبية لتنظيم الإخوان وقطر، والتي لم تتوقف بداية من الستينيات وحتى اليوم، فإتمام السيطرة على المنطقة في مشروع التنظيم لن يكون إلا بحكم مصر، وكان من أكبر شواهدها ما وقع بعد أحداث 25 يناير 2011 تسببت في تنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك، الخصم اللدود لقطر، عن منصبه، وبات الإخوان يتأهبون للانقضاض على الحكم بدعم قطري سياسي ومادي وإعلامي واسع، معززا بالدعم الغربي.
ففي ذلك الوقت كانت قناة "الجزيرة" القطرية الصوت الإعلامي الأعلى الذي أخذ على عاتقه توجيه الرأي العام في مصر إلى دعم الإخوان، وبالتزامن كان الساسة القطريون يتحركون جيئة وذهابا بين الدوحة والقاهرة للتفاوض على توقيع عقود واتفاقيات تسهل لقطر، وتنظيم الإخوان الدولي من ورائها، السيطرة على قناة السويس شراء أو استئجارا عبر صفقات كان راعيا لها بقوة داخل مصر القيادي الإخواني خيرت الشاطر.
ووفق الكتاب فقد قدمت قطر إغراءات مالية طائلة بلغت 4 مليار دولار لتسهيل الحصول على تلك الصفقات، ومن ضمنها كذلك السعي لشراء سندات حكومية مصرية بـ 2 مليار دولار ونصف المليار، والاستثمار في الرحلات الجوية عبر شركة قطر للطيران وشراء عدد من محطات الكهرباء المصرية والبنوك المهمة.
كما تم الاتفاق بين أمير قطر حينها حمد بن خليفة بحضور زوجته الشيخة موزة ويوسف القرضاوي على الترويج للحضور الإخواني بمصر بكل الصور باسم دعم الاستثمار، ولكن الهدف الحقيقي كان التحكم في الاقتصاد المصري للسيطرة على الدولة المصرية التي كانت تمر بأشد أزماتها الأمنية والمادية وحالة ارتباك، وإن كانت استعادت توازنها بعد فترة قليلة تجلت في ثورة 30 يونيو التي أسقطت أحلام قطر في حكم مصر من أعلى علين.
العلاقة بإسرائيل
- برقيات أمريكية.. قطر فضّلت إسرائيل على مصر وخذلت السلطة الفلسطينية
- محطات "القطار القطري" للتطبيع المجاني مع إسرائيل
يفرد كتاب "قطر إسرائيل الصغرى ورأس الأفعى" مساحة للعلاقة بين الإمارة الإخوانية وإسرائيل، رغم ما يدعيه التنظيم الإخواني من أنه من أبرز أهدافه ومعاركه هو محاربة النفوذ الصهيوني في المنطقة والقضاء على إسرائيل.
وأقامت قطر مع إسرائيل علاقات بارزة منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقل، وكان من مفاتيحها العلاقة بين الشيخة موزة ووزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، إضافة للعلاقة بين أمير قطر السابق حمد بن خليفة والرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز، والذي كان حينها رئيسا لوزراء إسرائيل.
وأثمرت هذه العلاقات المشبوهة فتح مكتب التمثيل والتبادل التجاري الإسرائيلي الدوحة عام 1996 وتطورات العلاقة إلى الزيارات المتبادلة على مستوى الوزراء والقادة، حتى قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون إن قطر (ومن وراءها تنظيم الإخوان) تجعل نفسها في خدمة جميع المخططات الإسرائيلية.
وكان هذا بالتزامن مع الهجمات التي تشنها قناة الجزيرة على الحكام العرب، إما عبر اتهامهم بالضعف في مواجهة إسرائيل، أو بمهاجمة الدول التي وقعت اتفاقيات للتطبيع معها مثل مصر والأردن، وذلك بالرغم من أن البلدين وقعا اتفاقيات مع إسرائيل معلنة وبعد سلسلة حروب بينهم استدعت أخذ استراحة محارب، وعلاقاتهما مع إسرائيل واضحة معالمها وأهدافها، في حين أن قطر لم تعلن الأهداف الحقيقية لعلاقات مع إسرائيل ولا دوافعها لإقامتها.