"ملاك الرحمة".. طبيبة غامضة تثير حيرة مواقع التواصل بمصر
حقيقة حساب ماريان ماجد التي عرفت في مصر باسم ملاك الرحمة.
مبادرة خيرية لتقديم مساعدات واستشارات طبية للمرضى، كانت هي البداية التي عرف من خلالها اسم "ماريان ماجد"، وبعد وقوع حادث تفجير الكنيسة البطرسية الملاصقة لمبنى الكاتدرائية المصرية، في 11 ديسمبر/كانون أول العام الماضي، ظهرت صفحة شخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تحمل اسم "ماريان ماجد" باللغة الإنجليزية، بدأت هذه الشخصية التي زعمت أنها تعمل طبيبة بأحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة، في كتابة مبادرتها ونشرها عبر الموقع، بهدف تقديم مساعدات طبية لجرحى ومصابي التفجير.
وطوال الفترة من 11 ديسمبر/كانون الأول إلى 9 فبراير/شباط، عرفت الطبيبة ماريان ماجد بين رواد موقع فيس بوك من المصريين، بالشخصية الخيرة والمثالية، وذكرتها الصحف المصرية بالإشادة والإثناء على دورها الإنساني والإيجابي في نشر مبادرات إيجابية، وتقديم يد العون لجرحي التفجير تحديداً، وللكثير من المرضى من الأطفال والسيدات من خلال تقديم النصيحة الطبية.
ليتفاجأ الجميع بخبر وفاة ماريان، الخميس الماضي، عقب إجرائها لعملية جراحية، حسب ما نشرته عبر فيس بوك قبلها بيوم واحد، وبقدر تعاطف عدد كبير من المصريين مع قصتها بعد معرفة خبر الوفاة، إلا أن هذا الخبر كان نقطة تحول وجهت أنظار البعض إلى حقيقة شخصية "ملاك الرحمة" كما أطلق عليها البعض، بأنها شخصية وهمية، تبنت حملات خيرية، واستمرت في التواصل عبر الفضاء الإلكتروني.
خبر الوفاة.. بداية الحقيقة
وكان جرجس فكري، صحفي مصري، هو أول من بحث في حقيقة هذه القصة، ليسرد بداية معرفته بـ ماريان، قائلاً "منذ شهرين انتشر منشور من صفحة تحمل اسم ماريان ماجد، نشرت من خلالها مبادرة إنسانية مقدمة لجرحى تفجير الكنيسة البطرسية"، فكانت اللفتة الإنسانية التي لمحها من المبادرة، دفعت الكثيرين للقيام بمبادرات مشابهة لمساعدة المرضى، ما دفع الصحفي للتواصل والحديث معها بشكل أكبر لمتابعة خطوات مبادراتها الإنسانية في المجتمع.
ويكمل فكري في حديثه مع بوابة "العين" الإخبارية، "إن طبيعة التواصل مع هذه الشخصية كانت مقتصرة على فيس بوك، رافضة التواصل عبر الهاتف والمقابلات التليفزيونية، وخلال تواصلي معها، أخبرتني أنها تعمل طبيبة بأحد المستشفيات الكبرى بالقاهرة، وطوال الفترة الماضية لم يتكشف لي أي سبب يشكك في وجود هذه الشخصية بالواقع"، مشيراً إلى أن خبر وفاتها، أثار شكوك حولها، خاصة أنها ذكرت في كتابات سابقة أنها مريضة بـورم بالكبد، وتعاني من دوالي بالمريء، وأن طبيعة الصور التي نشرتها سابقاً لا تشير إلى شخص مريض نهائياً، بحسب تعبيره.
شخصية وهمية.. دلائل متعددة
وأثير الجدل حول الشخصية وحقيقة وجودها، بعد اكتشاف البعض من رواد الموقع، أن الصور الخاص بحساب هذه الفتاة، هي صور مزيفة ومسروقة من حساب مستخدم آخر عبر موقعي أنستقرام، وفيس بوك، فضلاً عن الحساب الخاص بها أغلق بعد إعلان خبر وفاتها بعد أقل من 3 ساعات، كما لم يذكر أي شخص كانت تجمعه درجة صداقة عالية بها أي تفاصيل خاصة بموعد العزاء أو توقيت إقامة مراسم الجنازة.
ومن هنا بدأ الصحفي جرجس فكري، في التواصل مع المستشفى التي زعمت ماريان ماجد أنها تعمل بها، وبعد البحث أكدت المستشفى عدم وجود طبيبة بهذا الاسم، وعدم استقبالهم لأي مريضة بالاسم نسفه طوال الشهور الماضية، ليتقن مجدي والبعض من أن قصة هذه الفتاة كانت في الأساس قصة وهمية، اعتمد الشخص على انتحال شخصية وهمية، باسم مستعار، ووظيفة غير حقيقية، والتواصل فقط عبر فيس بوك، حتى لا ينكشف أمره.
واتفق الدكتور بيتر مجدي، طبيب، مع رواية فكري، بأن الشخصية وهمية والحساب مزيف، وكان مجدي تواصل مع ماريان ماجد، منذ 6 أشهر، فبعد معرفته بالمبادرات التي كانت تقوم بها عبر صفحتها الشخصية، قام بالتواصل معها مباشرة، رغبة منه في إقامة مبادرات مشتركة تقدم استشارات طبية لغير القادرين.
ويضيف مجدي لـ بوابة "العين" بأن إصراراها للتواصل فقط عبر فيس بوك، وتشابه صورها مع حساب آخر، وغلق حسابها الشخصي، والحسابات الشخصية الخاصة بأصدقائها وأقربها، تشير إلى أن القصة وهمية، وأن شخصاً ما انتحل صفة وشخصية غير حقيقية.
والغريب في الأمر والذي أكده فكري، أن الشخصية "ماريان ماجد" قدمت استشارات طبية عديدة للكثير من المرضى، وحتى أن الكثير من الأسر والأمهات وثقن فيها، بالتواصل إلكترونياً معها، والحصول على نصائح طبية بدون مقابل، وفي الوقت نفسه لم يذكر أي شخص ممن تواصلوا معها، أنهم تعرض لنصب أو سرقة من قبل هذا الحساب.
فيس بوك.. حب الظهور وتقاليع جديدة
وفي الفترة الأخيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ليست مجرد منصة للتواصل فقط، بل تحولت طريق البحث عن الشهرة، وحول تحليل علم النفس لهذه الواقعة، فسر رشاد عبد اللطيف، أستاذ التنظيم المجتمعي بجامعة حلوان، انتحال شخص لشخصية وصفة وهمية، بدون وجود دافع للنصب أو السرقة، فهو دليل على حب الظهور تحت اسم مستعار، واصفاً هذه الحالة في علم النفسي الاجتماعي بـ التمركز حول الذات" من أجل التأثير على الآخرين، ومحاولة إيجاد دور فعلي بارز واهتمام من قبل المجتمع، وأن يصبح محور اهتمام الكثيرين.
وفي تصريحات لـ بوابة العين، اعتبر أستاذ التنظيم المجتمعي، أن تكرار هذه الوقائع لا تعني ظاهرة ولكنها تقاليع يقبل عليها البعض في الكثير من الأوقات، وتنتهي مع مرور الوقت بخروج تقاليع جديدة، مشيراً إلى أن فيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هي مصدر لخروج مثل هذه التقاليع، خاصة لعدم وجود قيم وقواعد ثابتة، فالأمر متاح للجميع لنشر أي صور أو إنشاء أي حساب.
وأوضح عبد اللطيف أن اختيار الشخص للوسيلة والأداة وهي "فيس بوك" للتواصل مع الآخرين، بهدف البعد عن الواقع والكشف عن شخصيته، واختباره للوقت المرتبط بحادث الكنيسة البطرسية، من أجل جذب المصريين بشكل أكبر، مستغلاً وقت تأثر البعض وتعاطفه مع الحادثة، ليحقق شهرة أكثر من أي توقيت آخر، فضلاً عن استغلاله لفترة في حدود الـ شهرين والتراجع بعدها والانسحاب تماماً، خوفاً من الرقابة المشددة التي بدأتها الحكومة في الفترة الماضية، وتعقب البعض لخطواته، مؤشرات عديدة تؤكد على ذكاء هذا الشخص المزور.