"حتشبسوت".. ملكة فرعونية تحدت التقاليد لتؤسس دولة قوية
بعض المؤرخين يرجحون أن تحتمس الثالث شن حملة تشويه ضد الملكة حتشبسوت زوجة أبيه، وحاول دمج فترة حكمها معه حتى ينسب له إنجازاتها
عُرفت بين ملوك وملكات مصر بـ"الشخصية القوية" التي استطاعت تحدي المألوف بالوصول إلى حكم العرش خلال الأسرة الـ18 من الدولة الحديثة.
"حتشبسوت" تلك الملكة الفرعونية حققت إنجازات كبرى في عهدها، وهو الأمر الذي مهد الطريق لغيرها من الملكات مثل كليوباترا ونفرتيتي وتاوسرت لسير المشوار نفسه.
وتظل فترة حكم "حتشبسوت" هي الأكثر سطوعا في تاريخ مصر القديمة، لأهمية الفترة وطبيعة الظروف السياسية والاقتصادية وقتها، فما هي قصة هذه الملكة الفرعونية؟
أسطورة الحكم
تميزت "حتشبسوت" بدرجة عالية من الذكاء، الذي مكنها لنسج قصة أسطورية لتأمين وصولها للعرش وإضفاء الشرعية على حكمها.
كانت الابنة الكبرى للملك تحتمس الأول ووالدتها الملكة أحمس نفرتاري، وعقب وفاة والدها، الذي أسس دولة قوية لنجاح حملاته التوسعية في سوريا والنوبة، تولت حتشبسوت الحكم مع أخيها غير الشقيق "تحتمس الثاني"، والذي أصبح زوجها فيما بعد وأنجبت منه ابنتهما "نفرتي".
صعوبة تولي حتشبسوت الحكم ظهرت عقب وفاة تحتمس الثاني عام 1479 قبل الميلاد، خاصة في ظل وجود ابنه "تحتمس الثالث" من زوجة أخرى، وبحكم التقاليد يعد الحاكم الشرعي بعد وفاة والده.
وتدريجيا تمكنت الملكة الفرعونية من الانفراد بالعرش وحدها، في البداية أعلنت الوصاية على عرش ابن زوجها "تحتمس الثالث" لصغر سنه، ولم تكتف بهذا الإعلان فقط، بل صنعت قصة الولادة الربانية لتحكم بها مصر طوال حياتها خلال الفترة من 1473 وحتى 1458 قبل الميلاد.
ونشرت حتشبسوت بدعم كبار الدولة وقتها أسطورة انتمائها للمواليد الإلهية، نتاج اتحاد والدتها مع الإله آمون والدها الذي أمرها بتولي الحكم، وأصرت على اعتماد القصة بتسجيلها داخل المجمع الجنائزي بمعبدها في الدير البحري بالأقصر جنوب مصر، عبر رسم نقوش تظهر لحظة تتويج الإله آمون ابنته حتشبسوت العرش.
دولة قوية
منحتها الظروف الهادئة -التي تمتعت بها مصر خلال هذه الفترة- فرصة جيدة لإقامة إمبراطورية قوية مليئة بالإنجازات، وعلى عكس باقي الملوك ركزت حتشبسوت في الشأن الداخلي، وخصصت دور الجيش للرحلات التجارية لبلاد بونت شمال شرق أفريقيا، تلك الرحلات الاستكشافية المدونة على معابدها، والتي كانت نقلة نوعية للعلاقات الخارجية مع مناطق جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا.
ونجح الجنود في إنهاء البعثة والعودة بالعاج والذهب وأشجار المر الحية وأعداد من الحيوانات، مثل الفهود والقرود والزرافات، لتسجل حتشبسوت انتصارا جديدا في التاريخ باسمها، حسب ما ذكره كتاب "حتشبسوت.. من ملكة إلى فرعون مصر" للمؤلف تيريسا بيدمان.
أدركت حتشبسوت أهمية إعادة تفعيل المشروعات المهملة في عهود سابقة، بإعادة العمل في مناجم النحاس بشمال سيناء، وتنظيف قناة رابط بين دلتا النيل والبحر الأحمر، والتي تأسست في الدولة الوسطى، لتعيد تسيير أسطول مصر البحري ذهابا وإيابا في فترة قصيرة لا تتجاوز عامين.
ولم تغفل الملكة عن النهضة المعمارية، وأطلقت برنامج بناء ضخما بمعاونة المهندس "سنموت"، الذي شيد المعبد الجنائزي بالدير البحري بمزارات مخصصة للإلهة المصرية القديمة، مثل أنوبيس وحتحور، وجدران متشابهة في الأبعاد الهندسية وعدد من التماثيل لها، والتي أظهرتها في هيئة ملك فرعوني.
وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن التميز المعماري للمباني الذي شيدها سنموت كان وراءها قصة حب جمعته مع حتشبسوت، لكنها لم تستطع الإفصاح عنها لتفاوت المناصب بينهما وخوفا على عرشها.
غموض النهاية
ملابسات حياة حتشبسوت وظروف توليها للحكم أسهمت في نسج الحكايات حول سبب وفاتها، خاصة أنها توفيت في سن الـ50 عاما، إضافة إلى تولي خصمها "تحتمس الثالث" العرش من بعدها.
ومع مجيء تحتمس الثالث إلى الحكم طُمست بعض الإنجازات التي قامت بها حتشبسوت من تماثيل ونقوش على جدران المعابد التي اتخذتها الملكة وسيلة لتسجيل رحلاتها ومشروعاتها، ورجح بعض المؤرخين أن تحتمس الثالث شن حملة تشويه ضد زوجة أبيه، وحاول دمج فترة حكمها معه حتى يُنسب له إنجازاتها.
وبداخل المقبرة 20 بوادي الملوك بالبر الغربي بالأقصر، عثر على مومياء حتشبسوت في أوائل القرن الـ20، ولم تحدد هوية المومياء إلا في يونيو/حزيران 2007 بواسطة فريق من علماء المصريات.
وكشف الفريق بقيادة عالم الآثار المصري زاهي حواس علامات إصابة بالتهاب المفاصل وإصابة بالتهاب الأسنان، وتفشي سرطان العظام على مومياء حتشبسوت، وبعد فحص الحمض النووي تم التأكد من انتماء المومياء إلى أعظم ملكات مصر.