تشير الدراسات والمتغيرات المحيطة الى أهمية الاتصال والإعلام فى رسم ملامح الصورة الذهنية للشعوب
مخطئ من يعتقد أن الحديث عن صورة مصر المشوهة فى الخارج هو نوعا من الرفاهية وأنها تقل أهمية فى سلم ترتيب الأولويات الوطنية بجانب مكافحة الفقر والبطالة والعشوائيات، حيث تشير الدراسات والمتغيرات المحيطة الى أهمية الاتصال والإعلام فى رسم ملامح الصورة الذهنية للشعوب والدول فى الوقت الذى بات فيه الإعلام والسياسة وجهان لعملة واحدة وأن هذه الصورة المقدمة للأخر عن الدول والشعوب تؤثر تأثيرا كبيرا فى معطيات الأمن القومى الإقليمى والدولى بل وكثيرا ما تتخذ كذريعة للتدخل الجائر فى شئون الدول الداخلية تصل الى حد التدخل بالقوة ولنا عبرة فيما حدث فى حالة احتلال بغداد بزعم مكافحة الارهاب وانتهاكات حقوق الانسان.
وقد وصل الأمر إلى الانزعاج من الصورة المغلوطة التى تقدم عن مصر فى الخارج إلى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى حول ضرورة العمل على تقديم الصورة الصحيحة لمصر فى الخارج، وهو ما أكد عليه فى أكثر من مناسبة بعد جولاته الدولية الأخيرة من أهمية إنتاج خطاب اتصالى وإعلامى مصرى وطنى يستطيع مخاطبة الأخر وتقديم الصورة الصحيحة للإنجاز والنموذج المصري.
ومؤخرا أطلقت المنظمة العربية للحوار والتعاون الدولى أول إستراتيجية اتصالية وإعلامية تعنى بتقديم صورة مصر الصحيحة خارجيا بعد أن ظهر فشل الإعلام المصرى فى تقديم نموذج لصورة مصر فى الخارج بالطريقة الصحيحة بالإضافة إلى عدم الارتقاء بثقافة الحوار مما جعل هذا الأداء الإعلامى يؤدى إلى تزايد نسبة الارتباك وتصدير صورة مغلوطة عن الانجاز والواقع المصري، فالإعلام المصرى لم يساعد فى ترتيب أولويات المواطن المصرى بطريقة تسمح بالاصطفاف حول مشروع بناء الدولة, بالإضافة إلى عدم قدرته على نقل صورة مصرية ايجابية فى الخارج، وانجرفت معظم وسائل الإعلام فى تقديم قضايا سطحية وهامشية بعيدا عن إبراز عناصر النموذج المصرى المتكامل فى دوائره المتعددة عربيا وافريقيا ودوليا، ومعظم ما قدم من تناول إعلامى فى هذا الاتجاه هو عبارة عن خطابات مرتبكة وقتية ترتبط برد متشنج إزاء أزمة طارئة أو حدث طائفى ما، بينما لا ينطوى على التزام حقيقى بتوجه استراتيجى متكامل فى تناوله لقضايا ومكونات الهوية الوطنية المصرية أو دعم مشروع الدولة المصرية.
وهنا تأتى أهمية تصحيح صورة مصر الخارجية والرد على كل الادعاءات الباطلة التى تلحق بمصر فى الخارج وتعزيز دور الاتصال المجتمعى والإعلام من أجل إحياء التأثير المصرى فى الخارج فى أفضل صورة من خلال استخدام أدوات القوة الناعمة لمصر: الإعلام- الثقافة-التعليم – المصريين بالخارج -الشباب – الاقتصاد.. وغيرها من بقية أدوات القوة الناعمة المصرية وتسويق الصورة الذهنية السياسية المصرية الأفضل أمام العالم.
وتعتمد هذه الإستراتيجية فى صناعة الصورة الذهنية المثلى لمصر فى الخارج على نقاط قوة تتمثل فى توافر اهتمام سياسى مصرى الآن لتدارك القصور فى مجال الإعلام الدولى واستقرار الوضع السياسى المصرى ووجود نجاحات محققة على الساحتين الداخلية والخارجية مع توافر بنيات إعلامية وثقافية وهيئات مصرية يمكن تفعيلها لخدمة مقاصد إستراتيجية ولكن تواجهها نقاط ضعف الاهتمام الإعلامى بصورة مصر بالخارج وغياب التنسيق بين مكونات المجتمع ووسائل الإعلام فى مجال صورة مصر وضعف التأهيل الإعلامى فى مجال الصورة الذهنية، وأمام تحديات كبيرة أهمها أوضاع السياسة الدولية وسيطرتها على صناعة الإعلام الدولى فى ظل هشاشة الإعلام المصرى فى التناول الخارجى وزيادة أعداد وسائل الإعلام المصرية الخاصة الهادفة للربح التى تسعى لتقديم صورة ذهنية سلبية مصرية وتكون مصدرا لوسائل الإعلام الغربية المتحيزة.
وتتولد فرص حقيقية فى إنجاح تبنى الدولة لإستراتيجية صورة مصر بالخارج من خلال تحركات واهتمام رئاسى نحو اتجاه إقرار سياسات فى مجال تصحيح صورة مصر وتنامى الدعوات فى الدوائر المؤسسية إلى الاهتمام بالإعلام االدولى والتنمية المجتمعية، وظهور جيل جديد من الإعلاميين يتقن استعمال التكنولوجيا الحديثة وظهور منظمات مدنية قوية مشهرة تعمل كجبهة مدنية مستقلة لها مصداقيتها العربية والدولية وتنطلق من مظلة وأرضية وطنية. ومسئولية إطلاق إستراتيجية بهذا الطرح ليست مسئولية الجماعة الإعلامية أو النخب المدنية بمفردها وإنما مسئولية مشتركة للجميع يتقدمهم صانع القرار السياسى فى الدولة من أجل رسم ملامح هذه الهوية بشكل علمى ومدروس ومعلن للجميع قابل للتطبيق كل فى مجال تخصصه.
إننا فى حاجة ماسة إلى إبراز المشروع المصرى الحالى فى وسائل الإعلام المصرية والعربية والدولية بطريقة مهنية وموضوعية تظهر النظام القيمى المصرى وهو ما قد يتطلب معه توظيف جميع آليات زيادة الانتماء للوطن والعمل على النهوض به وإبراز القواسم المشتركة التى من شأنها إحداث حراك مجتمعى متجانس مكمل لدعم ترسيخ صور ذهنية قومية ايجابية فى تقديم صورة مصر أمام العالم.
* نقلا عن الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة