جيهان السادات.. رحيل رفيقة سنوات "الحرب والسلام"
غيّبها الموت مخلفة رحلة حافلة بالأحداث والمواقف، ومسارا يتماهى في محطاته مع تاريخ مصر الحديث، لتكون "أم الأبطال" في جميع الأزمان.
واليوم الجمعة، توفيت جيهان السادات قرينة الرئيس المصري الراحل الأسبق محمد أنور السادات، عن عمر ناهز 88 عاما، بعد صراع مع المرض.
ونعتها الرئاسة المصرية ببالغ الحزن والأسى، مشيرة إلى أنها قدمت نموذجاً للمرأة المصرية في مساندة زوجها في ظل أصعب الظروف وأدقها، حتى قاد البلاد لتحقيق النصر التاريخي في حرب أكتوبر المجيدة الذي مثل علامةً فارقةً في تاريخ مصر الحديث، وأعاد لها العزة والكرامة.
وأوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي أن الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر قرارًا بمنح السيدة جيهان السادات وسام الكمال، مع إطلاق اسمها على محور الفردوس.
تكريم
نظرا لمكانتها الرفيعة ودورها، كرمها السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2017، على هامش افتتاح مقر مركز المؤتمرات والمعارض الدولية بالتجمع الخامس.
وحينها، ألقت كلمة تحدثت فيها عن ذكريات مرحلة نصر أكتوبر ومواقف الرئيس الراحل أنور السادات، وتناولت دور القوات المسلحة وقياداتها في نصر أكتوبر العظيم، وما تتحمله من مسؤولية في الوقت الحالي لتطهير مصر من خطر الإرهاب.
كما تم تكريمها من قبل المجلس القومي للمرأة بمنحها درع المجلس وشهادة تقدير لدورها في حرب 1973 بجانب درع حملة "التاء المربوطة وعلم مصر".
وكرمها أيضا الهلال الأحمر المصري عام 2017، تقديرا لجهودها على مدار عقود طويلة كأبرز رائدات العمل التطوعي في مصر، ودورها الداعم في رعاية ضحايا الحرب.
30 يونيو
مع أحداث ثورة 30 يونيو/حزيران 2013، عادت جيهان السادات إلى قلب المشهد المصري بقوة، حين وقفت بالصفوف الأمامية ونادت برحيل الإخوان من الحكم.
وقالت في أحد لقاءاتها التلفزيونية السابقة تعليقا على أحداث ثورة 30 يونيو: "مصر واجهت ونجت من المخططات التي كانت تحاك ضدها، وربنا أدانا (أعطانا) الرئيس عبدالفتاح السيسي علشان (من أجل) ينقذ مصر من حكم الإخوان".
وتابعت: "مصر في أثناء عهد الإخوان قبل 30 يونيو كانت تعاني من فوضى عارمة"، مؤكدة أنها شاركت مع المصريين هذه الثورة.
وطالبت "السادات"، المصريين بالتكاتف والتضحية من أجل مصر، متابعة: "نمر بمرحلة بناء مصر، وعلينا أن نتكاتف من أجل مستقبل أفضل".
وفي إحدى مقابلاتها، روت السادات أنها بكت أمام شاشة التلفزيون حين جرى بث الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر عام 2012، والذي شهد مشاركة قتلة السادات في الاحتفال، بحضور الرئيس المعزول محمد مرسي.
وقالت: "بكيت لأني فُجعت مما يحدث، فذكرى حرب أكتوبر يوم نصر للجيش المصري وشعبه، غير أن تحوله لاحتفال بقتلة السادات وكأنهم يكافئون على صنيعهم هو الأمر الذى أشعرني باليأس رغم أني كنت على يقين بأن الشعب المصري لن يرضى أو يصمت على ذلك الظلم، ولكني لم أعتقد أن يتم الأمر بهذه السرعة".
مسيرة "أم الأبطال"
تنتمي جيهان صفوت رؤوف، أو كما عرفت بجيهان السادات، المولودة في حيِّ الروضة بالقاهرة عام 1933، إلى عائلة من الطبقة المتوسطة العليا من صعيد مصر، لأب مصري يعمل طبيبا، وأم بريطانية، وكان ترتيبها الثالث بين أربعة أطفال في أسرتها.
حصلت على ليسانس الآداب جامعة القاهرة عام 1977، ثم الماجستير في الأدب المقارن، ونالت لاحقا درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1986، وكرست جهودها بعد ذلك للتدريس بجامعة القاهرة، وإلقاء المحاضرات في الجامعات العالمية.
كانت إقامة جيهان السادات بين مصر والولايات المتحدة حيث كانت أستاذة زائرة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة جنوب كارولينا، وجامعة رادفورد في الولايات المتحدة، وأستاذة الدراسات الدولية بجامعة ماريلاند منذ عام 1993، حتى استقرت إقامتها بشكل دائم في القاهرة.
ويسرد موقع الرئيس محمد أنور السادات الذي أنشأته مكتبة الإسكندرية منذ سنوات، لقاءها الأول مع الرئيس الراحل أنور السادات، قائلا إنها التقت السادات بمدينة السويس، في منزل قريب لها صيف عام 1948 وكانت في الخامسة عشرة من عمرها.
وارتبطت معه بعلاقة عاطفية وقررت الزواج منه في 29 مايو/ أيار 1949 بعد خطبة دامت بضعة شهور، وذلك عندما كان ضابطا صغيرا في الجيش قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية، وأنجبت منه ثلاث بنات وهن لبنى ونهى وجيهان، وولدا واحدا وهو جمال.
وشاركت زوجها الرئيس الراحل معظم الأيام والأحداث الهامة التي شهدتها مصر، بدءاً بليلة الثالث والعشرين من يوليو 1952 حين اندلعت الثورة، مروراً بالصراعات المندلعة داخل مجلس قيادة الثورة والمناصب المختلفة التي تولاها السادات أثناء رئاسة جمال عبد الناصر لمصر.
وبدأت جيهان السادات نشاطها العام بداية ستينيَّات القرن الماضي، إلا أن دورها بدأ يتبلور بعد تعيين السادات نائباً لرئيس الجمهوريَّة في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1969، ثم اختياره رئيساً بعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر/ أيلول 1970.
وكانت أول سيدة أولى في تاريخ مصر تخرج إلى دائرة العمل العام لتباشره بنفسها بين صفوف الشعب المصري، واستخدمت منصتها للتأثير في حياة الملايين داخل بلدها، لتكون نموذجًا يحتذى به للمرأة في كل مكان، وساعدت في تغيير صورة العالم للمرأة العربية خلال حقبة السبعينيات، من خلال قيامها بالعمل التطوعي، والمشاركة في الخدمات غير الحكومية، وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية.
وبدأ نجم جيهان السادات يسطع بشكل كبير بعد حرب أكتوبر 1973، حيث اصطحبت السيدات المتطوعات للخدمة بالمستشفيات إلى مكة المكرمة لصلاة شكر لله، ثم إلى منطقة القناة لتوجه الشكر إلى الجنود المرابطين هناك.
كما لعبت أدوارا هامة في العديد من المشروعات أبرزها مشروع تنظيم الأسرة، ودعم الدور السياسي للمرأة وتشجيع تعليمها وتعزيز قدرتها على الحصول على حقوقها في المجتمع المصري.
ومن الألقاب التي منحتها أسر شهداء حرب أكتوبر ومصابي العمليات الحربية لجيهان السادات، لقب "أم الأبطال"، نظرا لجهدها الكبير وما قدمته لرعايتهم وتعويضهم من خلال مشروعات أبرزها تأسيس جمعية الوفاء والأمل التي قدمت الخدمات الطبية وإعادة التأهيل والتدريب المهني للمحاربين القدامى من ذوي الإعاقة، ويتم دعم المركز من خلال تبرعات من جميع أنحاء العالم.
وعملت جيهان السادات على تعزيز مكانة المرأة داخل البرلمان، ورشحت نفسها "مستقلة" عام 1974 للحصول علي مقعد في المجلس الشعبي بالمنوفية الذي يضم ممثلي 300 قرية، وذلك بهدف إظهار دور المرأة السياسي وإفساح الطريق أمام النساء الريفيات للمساهمة في السياسة، وأعيد انتخابها عام 1978 وخدمت 3 سنوات كأول سيدة رئيس لمجلس شعبي في مصر.
ودوليا، مثلت مصر في المؤتمر الدولي السنوي للمرأة عام 1975 بالمكسيك. كما شاركت في المؤتمر الأول للمرأة العربية والأفريقية والذي حضرته بالقاهرة 200 سيدة من 30 دولة.
وجرى تكريمها في العديد من المحافل الدولية، كما حصلت على العديد من الجوائز الوطنية والدولية للخدمة العامة والجهود الإنسانية للنساء والأطفال.
وحصلت أيضا على نحو 20 درجة دكتوراه فخرية من جامعات وطنية ودولية في مختلف أنحاء العالم. وفي عام 1993 تلقت جائزة مجتمع المسيح الدولية للسلام، كما فازت عام 2001 بجائزة "بيرل باك" الدولية.
ومن أشهر مؤلفاتها كتاب "سيدة من مصر" وهو عبارة عن مذكراتها وتجاربها من خلال العمل السياسي كقرينة للرئيس السادات، وأيضا كتاب "أملي في السلام" الذي نشر عام 2009 ويمثل تحليلا ورؤية سياسية لما تشهده منطقة الشرق الأوسط وطرق التوصل إلى سلام منشود وحقيقي.
aXA6IDMuMTMzLjExNy4xMTMg جزيرة ام اند امز