لم يخب البرلمان التركي توقعات المحللين السياسيين والعسكريين المتابعين للشؤون التركية الّذين كانوا يؤكدون حتمية تصويت البرلمان لصالح التدخل العسكري المباشر للجيش التركي في ليبيا
لم يخب البرلمان التركي توقعات المحللين السياسيين والعسكريين المتابعين للشؤون التركية الّذين كانوا يؤكدون حتمية تصويت البرلمان لصالح التدخل العسكري المباشر للجيش التركي في ليبيا، وهو الأمر الّذي حصل قبل أيام، فقد وافق البرلمان الّذي يهمين عليه الحزب الّذي يقوده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إرسال جنودٍ أتراك إلى ليبيا بأغلبية ساحقة من نوّابه.
لن تكون مصر بخير بعد وصول هؤلاء إلى ليبيا وكذلك الدول المجاورة لها، لذلك الفرصة الأخيرة أمام القاهرة تكمن بإرسال جنودها بشكلٍ فوري إلى الحدود مع ليبيا ودخولها قبل وصول الجيش التركي إلى طرابلس ومناطق أخرى.
وهذه الموافقة تعني نشر قواتٍ وعناصر وخبراء ومستشارين من الجيش التركي في الأراضي الليبية لا سيما أن فايز السرّاج رئيس حكومة "الوفاق الوطني" الليبية المنتهية صلاحيتها كان قد طلب دعمّاً عسكرياً برّياً وبحرياً وجوياً من أردوغان بعد عقد مذكّرتي تفاهمٍ معه قبل أكثر من شهر وكانت الأولى حول ترسيم الحدود البحرية والثانية أمنية تسمح للسرّاج طلب النجدة من الجيش التركي وهو الأمر الّذي حصل بالفعل، فقد لبّى الجيش التركي نداءه ومضت أولى قوافله إلى ليبيا بعد موافقة البرلمان على إرسال جنودٍ أتراك إلى بلاد السرّاج.
ولن يتوقف الدعم العسكري التركي لحكومة السرّاج المدعومة كذلك إلى جانب أنقرة من الدوحة، على إرسالِ قواتٍ برّية وعناصر وخبراء ومستشارين من الجيش التركي، بل سيقدّم أردوغان أيضاً دعماً عسكرياً بحرياً وجوياً للمليشيات المسلّحة والإرهابية التي تقودها حكومة السرّاج، وذلك لصدّ الهجوم الّذي يشنّه الجيش الوطني الليبي بعدما أعلن قائده المشير خليفة حفتر معركة تحرير العاصمة طرابلس من المليشيات الإرهابية الموالية لحكومة "الوفاق الوطني".
ويسعى أردوغان بعد حصوله على موافقة برلمان بلاده على إرسال قواتٍ برّية إلى ليبيا، لشرعنة وجود القوات التركية في بلدٍ أجنبي خاصة أنه يقول إن اتفاقياته مع السرّاج "دخلت حيّز التنفيذ بشكلٍ كامل وأنها دوِّنت في سجلات الأمم المتحدة"، وهذا يعني أن الرئيس التركي سيقول بعد أيام إن تواجد جنوده في ليبيا أمر قانوني وتمَّ بمعرفة الأمم المتحدة لا سيما أنه يسعى لكسب دعمٍ عربي لذلك بعد زيارته مؤخراً إلى تونس ومحاولته جرّ الأخيرة مع الجزائر إلى المؤتمر الّذي سيعقده في برلين حول النزاع الليبي بمشاركة الدوحة بموافقة روسية لم يحصل عليها بعد.
ومن المقرر أن ترسل أنقرة كذلك شحنة أسلحة وعتاداً عسكرياً لحكومة السرّاج في ليبيا مع عناصر جيشها، ومن المفترض أن تشمل آليات ثقيلة وأسلحة دفاع ومنظومة دفاع جوي ومضادات للطائرات مع طائراتٍ بدون طيار. وهذه المعونات العسكرية بكل تأكيد ستؤثر على سير المعارك المستمرة بين مليشيات السرّاج الإرهابية من جهة وعناصر الجيش الليبي من جهة أخرى.
ورغم تحذيرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره التركي، أرسل الأخير عناصر جيشه إلى ليبيا، لا سيما أن تحذّيرات ترامب تلك تشبه إلى حدٍّ كبير تلك التي وجهها لأردوغان بعد غزو جيشه الأراضي السورية قبل أقل من ثلاثة أشهر، فقد حقق أردوغان أهدافه في سوريا ويسعى الآن لتحقيق الأمر ذاته في ليبيا خاصة مع تناغم الموقف الأمريكي معه.
ووسط معارضة القاهرة لإرسال جنودٍ أتراك إلى ليبيا مع تشكيلها لجنة رفيعة المستوى مكونة من وزير الخارجية والدفاع والاستخبارات لتقييم الأوضاع في البلد المجاور لمصر، إلا أن الجنود الأتراك سيكونون على أبواب طرابلس بعد ساعات رغم أن هذه اللجنة تحاول منع دخول الجيش التركي إلى ليبيا بطرقٍ دبلوماسية من خلال تواصلها مع مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وعرب.
وباعتقادي، لن يُغامر أردوغان بحياة عناصر جيشه، فهو اعتاد أن يقاتل الآخرين بدلاً منهم، وهناك بدائل ملائمة وغير مكلفة بحوزته وهم في المقدّمة سوريون على عدّة أنواع: سوريون جنسّتهم أنقرة بعشرات الآلاف ودرّبت الاستخبارات التركية الآلاف منهم لتوكيل مهام الجيش التركي إليهم خارج تركيا خاصة أنهم يحمّلون الجنسية التركية.
ويُضاف لهؤلاء مقاتلون سوريون من مجموعاتٍ إرهابية مختلفة يهيمن عليها التركمان ومستعدين للقتال في أي بلدٍ كان لأجل مقابل بسيط، وإلى جانب هاتين المجموعتين، هناك عناصر تنظيمات "داعش" و"القاعدة" و"النصرة". وهؤلاء جميعاً رهن إشارة أردوغان في سوريا وينتظرون من هناك أوامره لدخول بلاده ومن ثم التوجه منها إلى ليبيا.
وبالتالي الخيارات كثيرة أمام أنقرة وهي إرسال سوريين حصلوا على الجنسية التركية ودرّبتهم الاستخبارات التركية أو سوريين يقاتلون في سوريا وقد توجّه المئات منهم بالفعل إلى ليبيا وكذلك الجهاديون، وهؤلاء جميعاً يمكنهم أن يلعبوا دور الجيش التركي في ليبيا خاصة أن خبراء ومستشارين من الجيش التركي سيكونون برفقتهم وهناك من وصل منهم بالفعل في وقتٍ سابق.
ختاماً أمام القاهرة فرصة أخيرة لإنقاذ حدودها من تدفق الإرهابيين إلى أراضيها في وقتٍ لاحق، خاصة أن أردوغان سيقوم بإرسال خليط من سوريين "مستتركين" مع تركمانٍ سوريين وجهاديين إلى ليبيا مع مستشارين معدودين على أصابع اليد الواحدة من عناصره جيشه.
وبالتالي لن تكون مصر بخير بعد وصول هؤلاء إلى ليبيا وكذلك الدول المجاورة لها، لذلك الفرصة الأخيرة أمام القاهرة تكمن بإرسال جنودها بشكلٍ فوري إلى الحدود مع ليبيا ودخولها قبل وصول الجيش التركي إلى طرابلس ومناطق أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة