مسجد "قايتباي".. شاهد على فن العمارة المملوكية في مصر
المعماريون في عصر المماليك تفننوا في تفاصيل المعمار الداخلي للمساجد؛ لذا تميزت أروقة مسجد قايتباي بكثرتها وتعدد أعمدتها.
تميز العصر المملوكي في مصر ببراعة التشييد في الأحياء والمساجد، ما أدى لتطور فن عمارة المساجد بإنشاء المساجد الجامعة في قلب مختلف المدن المصرية، والتي كانت بمثابة مركز للحياة الدينية والاجتماعية والسياسية وقتها، وظلت شاهدة على الإبداع المعماري للمماليك على مدار العقود الماضية.
ومن بين هذه المساجد، كان مسجد "قايتباي" بالفيوم جنوب غرب القاهرة، واحدا من المساجد الجامعة التي تؤرخ لبراعة المماليك في فنون العمارة.
نشأة المسجد
يعود تاريخ تأسيس مسجد قايتباي إلى القرن الخامس (901 -904 هـ /1495- 1498)، حيث أنشأ على يد خواندا أصلباي زوجة السلطان قايتباي في عصر السلطان الناصر محمد بن قايتباي.
ونظرا لأن مساحة المدن خارج القاهرة كانت أصغر، اضطر خواند أصلباي إلى تشييد المسجد بمساحة أقل في أقصى الطرف الشمالي الغربي بالفيوم قرب بحر يوسف، على قنطرة خود أصلباي، المعروف حاليا باسم "باب الوداع"، لذا يطلق بعض المؤرخين اسم "مسجد الوداع" عليه.
وتميز معمار المسجد بمنبره الذي تم تصنيعه بطريقة تسمح بالفك والتركيب لأجزاء منه، إضافة لزخرفته بأخشاب مطعمة ومنقوشة عليها بعض الآيات القرآنية، واحتوائه على تحف تراثية مثل كرسي المقرئ والباب الرئيسي له.
وأصبح مسجد قايتباي مركزا رئيسيا لإدارة شؤون المدينة واتخاذ القرارات الحاسمة مثل قرارات الحرب، كونه مسجدا جامعا مشيدا بـ3 مداخل، ويحتوي كل مدخل على المقرنصات ونوافذ بإطار خشبي خارجي تعلوها إضاءات بسيطة.
وفي منتصف الواجهة الجنوبية الشرقية، كان موقع محراب المسجد الجامع بمقدار 20 سم، وبين الواجهتين الجنوبية الغربية والشرقية كان المدخل الرئيسي للمسجد يعلوه صنجات مطعمة بالأحجار النفيسة والأرابيسك.
طراز معماري
على طراز المساجد الجامعة في العصر المملوكي، شُيد حصن المسجد في الوسط محاطا بأربعة إيوانات وكان أكبرها إيوان القبلة، وبعد أعمال الترميم الأخيرة في المسجد أصبح الصحن مستطيل الشكل محاطا برواق القبلة ورواق آخر ذي 4 عقود موازية لجدار القبلة.
وتفنن المعماريون في عصر المماليك في تفاصيل المعمار الداخلي للمساجد، لذا تميزت أروقة مسجد قايتباي بكثرتها وتعدد أعمدتها بالقرب من القبلة والصحن مبلطة بالحجر الجيري.
وتزين رواق القبلة بالحجر الجيري المكون من 3 بلاطات، الأولى والثانية من جهة الصحن مكونة من 6 عقود، والثالثة موازية للقبلة مكونة من 5 عقود. بينما تأسس سقف الجامع من الخشب مزخرفا بنصوص كتابية بأشكال نصف دائرية.
إعادة ترميم المسجد
وفي عام 1887 تعرضت جدران المسجد للتصدع، وانهار الجزء الشمالي الغربي للمسجد عام 1862، ومنذ ذلك التاريخ لم يخضع المسجد لأي أعمال ترميم، وحافظت لجنة حفظ الآثار العربية القديمة على الأجزاء الـ3 المتبقية للمسجد حتى انتهاء مهام عملها.
وفي نهاية العام الماضي، خضعت أساسيات المسجد والأعمدة الحاملة للعقود للترميمات من قبل وزاراتي الآثار والأوقاف المصرية. وخلال أعمال الترميم تم إصلاح جميع الأرضيات وحقن الحوائط بمواد عازلة للرطوبة وإصلاح التصدع بالجدران، بجانب ترميم النقوش وإعادة إحياء ألوان الأبواب والنوافذ والمنبر والمحراب.
ونجحت الآثار المصرية في يونيو/حزيران الماضي، في إعادة افتتاح المسجد للزيارة وإحياء تحفة معمارية من جديدة توثق لتاريخ الدولة المملوكية في مصر.