"الشبح المصري" اللواء معتز الشرقاوي.. أوقات الضحك والجد في حرب أكتوبر
اللواء معتز الشرقاوي من أبطال حرب أكتوبر يروي لـ"بوابة العين الإخبارية" أصعب وأطرف المواقف التي عاشها خلال معارك الاستنزاف والعبور
قال الإسرائيليون: "إن الهلع والخوف الذي أصاب بعض جنودنا يؤكد أننا كنا نحارب شبح"، فمن فم أعدائه اكتسب شهرته كبطل من أبطال حرب أكتوبر ومعلم لفنون القتال وأشرس ضابط صاعقة مصري عرفته الحروب.
اللواء معتز الشرقاوي الشهير بـ"الشبح" الذي تمكن من أسر 37 جندياً إسرائيلياً في عملية واحدة، وهو من قتل الجنرال يشايهو جافيتش قائد المنطقة الجنوبية في سيناء.
أكد في حوار خاص لـ"بوابة العين" أن الحروب في الوقت الحالي أخطر من حرب أكتوبر، ولكنه رأى أن مصر قادرة على تجاوز جميع أزماتها، وتحدث من القلب عن ذكريات الضحك واللعب والجد في فترة حرب الاستنزاف.
كيف استعد الجيش المصري لحرب أكتوبر في فترة ما بعد 1967؟
الجيش المصري لم ينهزم، ولكنه مر بفترة صحوة في حرب 1967، وخاض حرباً شرسة في معارك كثيرة بين الحربين أثبت فيها أن عقيدة الانتصار هي روح الجيش، ونحن نجحنا في قوات الصاعقة في هزيمة العدو في منطقة بورفؤاد وكانت هذه المعركة قبلة الحياة للجيش المصري.
ما نوع معارككم ضد الجيش الإسرائيلي عقب 1967؟
في مايو/أيار 1967 انضممت إلى قوات الصاعقة بعد تخرجي مباشرة، واستقبلني الرائد سيد الشرقاوي قائد الكتيبة 43 صاعقة، وكان قائد سريتي النقيب سمير زيتون الذي بترت ذراعه خلال التدريب، وأصر علي البقاء في صفوف القوات على الجبهة، وشارك في عملية استطلاع عام 1967 خلف خطوط العدو لفترة 3 أشهر متواصلة، وشارك في حرب أكتوبر من خلال قوات الصاعقة بيده المبتورة.
يوم 5 يونيو/حزيران 1967 سمعنا أن الحرب بدأت لكننا لم نرَ طائرات العدو أو دباباته، لأن إسرائيل كانت قد قطعت عنا خطوط الاتصال، وانسحب الجيش يوم 9 يونيو/حزيران، وانتظرنا الرائد حسن المنشاوي غرب القناة يوم 12 يونيو/حزيران 1967، وعبرنا القناة بالعربات إلى بورسعيد، وكانت حالتنا المعنوية عادية جداً، لأننا لم نحارب ولم نعرف حقيقة ما يحدث، وكانت أولى مهام لنا هي دفع دوريات بالملابس المدنية على مراكب الصيد في بورسعيد، لجمع الشاردين المتجمعين شرق بحيرة البردويل عبر الطريق الساحلي.
وأنا شاركت في ٩ عمليات خلال حرب الاستنزاف؛ أبرزها عمليتان، الأولى في يوليو/تموز ٦٩ للإغارة على النقطة القوية في لسان بورتوفيق، وكانت نتيجة العملية أسر أول جندي إسرائيلي.
العملية الثانية في ديسمبر/كانون الأول ٦٩، لتنفيذ كمين وتجهيزه على عمق ٩.٥ ك في سيناء، وعلى إثرها قتل قائد جبهة سيناء الإسرائيلي جافيتش.
هذه هي العملية التي أطلقتم عليها الاسم الكودي (هالة- سامية)؟
كانت هذه كلمة السر المتفق عليها، حيث إن الطريق كان له اتجاهان ومن المتوقع مرور الهدف من أي اتجاه، فقمنا باختيار أسماء "سامية وهالة" للدلالة على اتجاه الهدف المقبل.
وكانت سامية وهالة هي أسماء خطيبات حمدي الشوربجي وزميلنا رؤوف أبوسعدة، وفي حالة إذا كانت كلمة السر (بطة هالة) أو (بطة سامية) فهذا معناه أن الهدف القادم هو مدرعات تأتي من اتجاه هالة أو سامية.
بورفؤاد المنطقة الوحيدة التي لم تستطع إسرائيل احتلالها في سيناء بفضل عمليات الصاعقة، فكيف حافظتم عليها؟
تلقى قائد الكتيبة اتصالاً تليفونياً من شخصية مهمة، وكانت التعليمات واضحة: "يا سيد يا شرقاوي بورفؤاد ما تقعش في يد اليهود"؛ لأن اليهود كانوا استولوا على كل واجهة القنال ما عدا بورفؤاد، وكان الرد "تأكد يا فندم إن لو بورفؤاد سقطت هيكون على جثثنا كلنا".
رفعنا درجة الاستعداد القصوى وبدأنا دراسة الموقف والبحث عن خرائط لمعرفة طرق اقتراب العدو المحتملة لبورفؤاد، وقابلنا مهندساً من هيئة قناة السويس هو الجندي المجهول في هذه المعركة، قابل المهندس قائد الكتيبة وأخبره بوجود طريق شرق القناة وموازٍ لها وممتد من القنطرة جنوباً إلى بورفؤاد شمالًا، وأن هذا الطريق غير موجود على الخرائط، لكن مهندسي هيئة قناه السويس يستخدمونه في تحركاتهم العادية، فهرع سيد الشرقاوي قائد الكتيبة مصطحباً المهندس معه حتى وصلوا إلى هذا الطريق وساروا عليه حتى بعد رأس العش.
وعبرت السرايا القناة بالمعديات من بورسعيد إلى بورفؤاد، وتمركزت فصيلة في نقطة رأس العش؛ لأن الطريق الضيق لا يحتمل أكثر من فصيلة للدفاع عنه.
ولا أستطيع أن أصف تأثير تلك المعركة على معنويات الجيش المصري كله، فتخيل أن فصيلة صاعقة تقوم بوقف تلك القوة الإسرائيلية المدرعة وتكبدها خسائر كبيرة وصلت إلى 8 دبابات و11 عربة مجنزرة، وأعادت هذه المعركة الروح والحياة إلى الجيش المصري ولم تستطع القوات الإسرائيلية التقدم لشبر واحد بعدها وتوقفت إلى حرب 73.
وفي حرب 73 ماذا فعلت الكتيبة 43 صاعقة؟
كبدت الكتيبة 43 صاعقة العدو خسائر فادحة، وكان يتواجد بالنقطة 150 فرد مظلات إسرائيلي على أعلى مستوى و6 دبابات، بالإضافة إلى مواد تموينية تكفي 6 أشهر متواصلة ومحطات تحليه مياه البحر، فلم يكن الجنود الإسرائيليون بالنقطة يحتاجون للخروج من مواقعهم والقتال، بل كانوا يقاتلون من وراء الجدران، حتى سقطت النقطة الإسرائيلية يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن يأس الجنود من المقاومة المستمرة.
وفي يوم التسليم رفض قائد النقطة التسليم لقوات الصاعقة المصرية خوفاً من هؤلاء الرجال الأشداء الذين قاتلوا ثمانية أيام متواصلة، وطلبوا التسليم في حماية الصليب الأحمر.
هل كنتم تتوقعون النصر في الحرب؟
طبعاً، حرب أكتوبر كانت حصيلة كل الحروب التي سبقتها وكانت أيضاً حصيلة تدريب غير عادي وإعادة تنظيم واحتكاك بالعدو أدى إلى تحفيز وتحضير تلقائي للحرب على أسس نظرية وعملية وميدانية، كما كانت شحناً معنوياً ودينياً وإيماناً عميقاً بالنصر، نتيجة ما حققه الجيش المصري خلال حرب الاستنزاف.
ما المواقف التي لا يمكن أن تنساها عن حرب أكتوبر؟
قامت الدبابات الإسرائيلية بالمرور على جنود الصاعقة دون أن تضرب عليهم، ونظراً لنعومة رمال الجبل فإن الجنود الذين مرت عليهم الدبابات لم يستشهدوا، إنما تم دفنهم فقط في الرمال، وكانت تلك إحدى عجائب الحرب التي عاصرتها.
وكان هناك أيضا مواقف طريقة تبين لمسات إنسانية ومرحة بين القادة والجنود.
منها أننا كنا ننظم دورات لكرة القدم داخل المعسكرات، ومرة حضر قائد الكتيبة ووجدنا نلعب الكرة، وكانت هناك تعليمات لتحديد موقع كمين للعدو. فانتظر حتى انتهينا ثم استدعاني وقمنا باختيار المكان بالتحديد. ونجحت من خلال هذا الكمين في اغتيال يشايهو جافيتش قائد المنطقة الجنوبية في سيناء.
وفي مرة أخرى، قال لنا قائد السرية الخاصة بإحدى العمليات اسمه سيد إمبابي قبل العملية إن كلمة الانسحاب "ستك تخاف من الجوافة"، طبعاً كانت بمثابة نكتة حقيقية.
وكان عندي شاويش في الكتيبة اسمه شكري حبيب مقلع مسيحي من الصعيد، فوجئت به يصلي خلفي جميع الصلوات وعندما سألته قال نحن شركاء في كل شيء.
وماذا عن أصعب المواقف؟
يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 1973 خرجت مع رؤوف أبوسعدة في دورية بهدف الإغارة على قوة للعدو، وشاءت الظروف أن ينبطح رؤوف على لغم وينفجر فيه اللغم محولاً صديقي وزميلي إلى أشلاء على الفور، فقمت بتجميعه في بطانيه وقمنا بدفنه في مقابر الشيخ عبده العسكري، فقد شاء الله أن ينجو من تحت جنزير الدبابات ومن تهدم عمارة ثمانية أدوار ومن الغرق بفعل قنابل البلي، ليستشهد بجواري في السويس.
التقيت الرئيس جمال عبد الناصر ثلاث مرات.. ما المناسبة؟
التقيته مرتين في زيارة رسمية في منزله وزيارة أخرى ودية، وأول مرة قابلته كانت بعد اغتيال يشايهو جافيتش، حيث استقبلني عبد الناصر في مكتبه مع زملائي وكان اللقاء حافلاً، فتح الرئيس ذراعيه وسلم عليَّ بالأحضان لدرجة أنني بكيت من شدة الحماسة، وطلب مني أن أحكي عن تنفيذ العملية، وبدأت أقص عليه الخطوات وكان مهتماً جداً وبعدها أثنى عليَّ وكتب جواب شكر بخط يده مقدمته إلى ابني العزيز جداً معتز الشرقاوي.
وكيف ترى نوعية الحروب في الوقت الحالي؟
الآن نواجه حروباً أكثر خطورة من حرب أكتوبر وهي حروب الجيل الرابع والخامس تقودها أجهزة استخباراتية وتنفذها جماعات وتنظيمات مثل الإخوان الإرهابية، وعندما تحدثت مع المشير حسين طنطاوي (وزير الدفاع الأسبق) وهو أستاذي ومعلمي وقائدي، قال إن الرئيس عبد الفتاح السيسي رجل حكيم وبحكم عمله في مختلف القطاعات داخل الجيش أصبح على علم بمشاكل مصر الحقيقية ويسعى جاهداً لحلها.
aXA6IDE4LjIyNy41Mi4yNDgg
جزيرة ام اند امز