بماذا أجاب السادات على من سأله: هل انتصرت في حرب أكتوبر؟
تحقيقات لجنة "أجرانات" حول نتائج الحرب والحياة السياسية والفنية والاجتماعية داخل إسرائيل وموقع العلم الإسرائيلي ينطقون بالجواب
عندما سئل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات "هل انتصرت في حرب أكتوبر"، قال انظروا إلى ما حدث في إسرائيل وسترون الإجابة.
كان رد السادات هو الأبلغ أمام محاولات مستمرة للانتقاص من الانتصار المصري والعربي في حرب أكتوبر 1973، خاصة أنها بالنسبة للولايات المتحدة والغرب لم تكن مجرد حرب بين العرب وإسرائيل، ولكن أيضا بين السلاح الروسي في يد المصريين والأمريكي في يد الإسرائيليين، وتحدد نتائجها السمعة والسعر في سوق السلاح العالمي.
"بوابة العين" الإخبارية بدورها ترصد ما أشار إليه السادات، وهو "ماذا حدث في إسرائيل"، بمواقف وشهادات إسرائيلية بعد انتهاء الحرب، كما تسعى إلى رصد التأثير الحقيقي لثغرة الدفرسوار التي يستخدمها البعض للانتقاص من حرب أكتوبر.
أهداف الحرب
مقياس النصر في أي حرب يعتمد على الأهداف من خوضها، وكم تحقق منها مقابل أهداف العدو.
وبالنسبة لأهداف إسرائيل المعلنة قبل الحرب فكانت تتلخص في منع المصريين من عبور قناة السويس، وحماية الوجود الإسرائيلي من الهجمات بخط بارليف، والبقاء في سيناء للأبد، وإرغام القاهرة على إعلان الاستسلام، أو أن تبقى في حالة اللاحرب واللاسلام.
ووضعت خطة احتياطية تنفذ حال قيام الحرب باسم "شوفاح يونيم" (برج الحمام) تضمنت أهدافا أوسع هي عبور الجيش الإسرائيلي قناة السويس إلى الضفة الغربية (عبور عكسي) لاحتلال السويس والإسماعيلية ومحاصرة الجيشين الثاني والثالث المصري.
ووفقا لمذكرات رئيس الأركان الإسرائيلي السابق دافيد إليعازر وإيلي ذاعيرا، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية وقت الحرب، فإن وزير الدفاع في ذلك الوقت موشي ديان طلب تطوير الهجوم في مايو/أيار 1973 إلى الوصول للقاهرة.
في المقابل، فإن الأهداف المصرية من خوض الحرب حددها الرئيس السادات وقيادة الجيش في قرار الحرب الذي وقعه الأول في 5 أكتوبر 1973 بكسر وقف إطلاق النار عبر إزالة الجمود العسكري (حالة اللاحرب واللاسلام)، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة، وتحرير الأرض على مراحل متتالية حسب تطور قدرات القوات المسلحة.
والهدف الثالث (تحرير الأرض على مراحل متتالية حسب قدرات القوات المسلحة) يرد على مزاعم بأن هدف الحرب كان تحرير سيناء بنظام الضربة القاضية (دفعة واحدة)، وهي المزاعم التي يغازل بها البعض مشاعر المصريين والعرب، ويقولون إن حرب أكتوبر فشلت في تحقيق أهدافها.
من حقق أهدافه كاملة؟
وفي حصاد نتائج الحرب فإن الجيش المصري:
- عبر قناة السويس
- حطم خط بارليف
- أنزل خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية بما فيها قتل وأسر قادة كبار من بينهم ألبرت ماندلر واضع خطة "شوفاح يونيم".
- توغل في سيناء لمسافات أجبرت إسرائيل على الجلوس على مائدة المفاوضات أمام الجانب المصري وهو في موقف قوة.
- استكمل استعادة بقية سيناء على مراحل بسلسلة مفاوضات وحروب سياسية ودبلوماسية معززة بالإنجاز العسكري، وتسلم سيناء على مراحل بدأت بالعبور 1973 وانتهت بإنزال آخر علم إسرائيلي في سيناء ورفع العلم المصري محله في طابا 19 مارس/آذار 1989 بعد معركة التحكيم الدولي الشهيرة.
وهذه النتائج التي حققت الأهداف الواردة في الخطة المصرية للحرب عصفت بكل الأهداف الإسرائيلية، ولم يتحقق منها للنهاية هدف واحد، وحتى حصار الجيش الثالث في ثغرة الدفرسوار خلال الحرب تم إنهاؤه رغم شدته، ولم ينجح الإسرائيليون في استكمال احتلال السويس أو الإسماعيلية، فضلا عن الوصول إلى القاهرة.
فحرب أكتوبر لم تكن فقط وقت عبور قناة السويس، ولكنها معارك حربية وسياسية ودبلوماسية وقانونية امتدت من أول يوليو/تموز 1967 (معركة رأس العش وهي أول معارك الرد المصري على إسرائيل بعد عدوان 1967) وحتى 19 مارس 1989.. بامتداد 22 عاما.
وحتى حينما اختارت مصر السلام لتأخذ استراحة المحارب وتتفرغ للتفاوض، قال السادات بثقة أمام الكنيست الإسرائيلي 1977: "لقد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين"، في حين كان قادة إسرائيل يجلسون أمامه يعلو وجوههم الحزن بعد أن وضعهم في مأزق مرتين، الأولى الحرب، والثانية اقتراح السلام من موقع القوة.
إسرائيل من الداخل بعد سنوات
وبخلاف التفاصيل العسكرية فإن شواهد ما حصل داخل إسرائيل أثناء وبعد الحرب مقارنة بما حدث في مصر (حسب ما أشار السادات في إجابته على سؤال هل انتصرت في الحرب) كفيل أيضا بتوضيح صورة المنتصر من المنهزم.
فلماذا وصف إسحق رابين، رئيس الوزراء في وقت لاحق، حرب أكتوبر بأنها "نكبة" لإسرائيل، مقابل الوصف المصري بأنها نصر لمصر؟
ولماذا شكلت إسرائيل لجنة "أجرنات" الشهيرة للتحقيق في نتائج الحرب؟ التي انتهت إلى إدانة قادتهم، وحملتهم المسؤولية عن خسارة الحرب، وعزلت معظمهم، بما يذكرنا بما فعلته مصر بإدانة وعزل كثير من قادتها عقب عدوان 1967؟
حسرة إسرائيلية مستمرة
إن نتائج الحروب تتضح أكثر بعد أن ينقشع غبار المعركة وتسكت المدافع، وبمرور وقت على وقوعها.
ففي ندوة عن حرب أكتوبر بالقدس في 16 سبتمبر/أيلول 1974 قال أهارونياريف، مدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق: "لا شك أن العرب خرجوا من الحرب منتصرين بينما نحن من ناحية الصورة والإحساس خرجنا ممزقين وضعفاء".
وبعد ذلك بسنوات في عام 2014 كتبت رئيسة حركة "ميرتس" اليساري الإسرائيلي زهافاج لؤون، مقالا نشره موقع "واللا" المقرب من الاستخبارات جاء فيه "إن حرب "يوم الغفران" -التسمية العبرية للحرب- كانت من أكثر حروب إسرائيل فظاعة، وبالتأكيد أكثرها إثارة للصدمة".
وقالت: "لقد كتبوا الكثير عن تلك الحرب، عن الفشل الاستخبارى، عن ضلال القيادة السياسية، وقصص الفظائع، ولكنه كما يبدو لا يكفي ذلك كله، وعلينا، اليوم، خاصة بعد حرب الصيف الأخير الدامية في غزة، إعادة الدروس، وما الذي يربط بين تلك الحرب وبين واقع حياتنا اليوم".
وجمعت مقالة نشرها المحلل السياسي لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية شالومييروشالمي مظاهر الحياة في إسرائيل عام 2013 بعد مرور 40 عاما على الحرب؛ ما يكشف "انكساراً" ظاهرا لم يتم جبره حتى الآن.
وأظهر هزيمة الأهداف الإسرائيلية خلال الحرب وتأثيرها على قادة إسرائيل، ضاربا على ذلك مثالا بأن موشيه ديان قبل الحرب كان يقول: "إذا كان عليّ الاختيار بين شرم الشيخ دون سلام، وبين سلام دون شرم الشيخ، فسأختار شرم الشيخ"، لكن ديان كان أول من وافق على عودة سيناء للمصريين، بما فيها شرم الشيخ، بعد الحرب.
وأرييل شارون، أحد قيادات الحرب حينها، كان شعاره ضرورة تحديد حدود إسرائيل بالقوة، ولكنه كان أول من انسحب إلى خطوط ما قبل 1967.
ونقل عن بنيامين نتنياهو في حوار له مع شباب عائدين من أمريكا قوله: "كنا واثقين من أن الحرب ستنتهي خلال بضعة أيام أو أسبوع على الأكثر بانتصار ساحق لإسرائيل، لكن هذا لم يحدث في الواقع".
وفي عام 2013 خلال الذكرى الـ40 للحرب نظمت المكتبة القومية في القدس احتفالا كان عنوانه "انكسار واحتجاج"، وروى خلاله موتي أشكنازي أنه عندما ذهب للقاء شموئيل جونين (قائد المنطقة الجنوبية خلال الحرب) قال له: "خلال 48 ساعة سأكون في الطريق إلى القاهرة، وخلال 96 ساعة سأكون رئيس الأركان القادم"، ولكن جونين تم عزله من منصبه أثناء الحرب، وبعدها أخذ يجوب دولا إفريقية للعمل حتى مات بأزمة قلبية 1991.
وفي مقابل التكريم الشهير الذي نظمه السادات والبرلمان المصري لقادة الجيش عبر رفع رتبهم، وتابعه العالم، فإن إسرائيل تلقت "ضربة تالية" في 1974 -حسب وصف الكاتب الإسرائيلي شالومييروشالمي- وهو قيام لجنة "أجرانات" بعزل كبار قادة الجيش، خاصة رئيس الأركان دافيد إليعازر، ورئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا، وقائد المنطقة الجنوبية جورديش، وموتي أشكنازي، ورئيسة الحكومة جولدا مائير ووزير الدفاع موشي ديان.
وتكلم الكاتب كذلك عما وصفها بـ"هزات ارتدادات ضخمة" في المجتمع الإسرائيلي قائلا: "لقد جعلتنا الصدمة أكثر تواضعا وأكثر يقظة، حيث فقدت إسرائيل صفاءها وتحولت إلى دولة حزينة وساخطة، تغيرت النظرة إلى وسائل الإعلام وانهارت الثقة في الرقابة العسكرية على الإعلام".
حتى ملهى "سفنكس" الشهير بإسرائيل أغلق أبوابه بعد نشر نتائج لجنة "أجرانات".. "فقد هزمته آلام الحرب".
وحتى في مجال الفنون "تأثرت الفنون بشكل درامي بالحرب، يتحدث يوآفكوتنير عن الأغاني الحماسية لرفع الروح المعنوية في بداية الحرب وأثنائها، والتي تحولت فيما بعد إلى أغنيات حزينة تشد من الأزر، وفي منتصف عقد السبعينيات ظهرت لدينا الموسيقى الثورية البديلة" تعبيرا عن الاحتجاج.
وفي الأدب "لم تثمر الحرب أدبا فريدا من نوعه حتى اليوم، لم تولد بعد الملحمة التي تفتح في الحقيقة غطاء الدبابة وأبواب المدرعات لكي تأتي من هناك بقصة المعركة، وتروي المأساة من عيون المحاربين الذين كانوا في وسط الجحيم".
ودعا الأديب الإسرائيلي إيال ميجيد في احتفالية المكتبة القومية بالقدس إلى عمل رواية عن الحرب باسم "الخدعة" تكشف ما وصفه بعدم العقلانية الذي يلازم الإسرائيل حتى اليوم.
واختتم يروشالمي مقالته المتحسرة بعد 40 عاما من الحرب بقوله: "سنكتفي على ما يبدو في الوقت الحالي بقصائد الحزن المؤلمة التي يصعب تحملها"، مرددا أبيات: "ليس هذا هو نفس الوادي، ليس هذا هو نفس البيت، وأنتم لم تعودوا كما كنتم، فلن أرجع"، "لا أعتقد أن باستطاعتكم أن تستمعوا إلى أغنية "القمح ينمو ثانية" دون أن تذرفوا الدموع.
aXA6IDMuMTM4LjExNC4xNDAg
جزيرة ام اند امز