"الوزير المزيف".. مؤشر لخطورة التواصل الاجتماعي على الإعلام المصري
الجدل لم يكن متعلقا بكون الخبر غير صحيح فقط، بل لاستناد وسائل الإعلام التقليدية على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للخبر.
حالة من الاستياء والغضب انتابت المصريين، عقب تداول بعض وسائل الإعلام المصرية خبرا كاذبا يفيد بتولي المهندس محمد وجيه عبد العزيز وزارة النقل خلفا للوزير المستقيل هشام عرفات، بعد حادث قطار "محطة مصر"، الأسبوع الماضي.
الجدل والاستياء لم يكونا متعلقين بكون الخبر غير صحيح أو مغلوطا فقط، بل لاستناد وسائل الإعلام التقليدية على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومة، دون التحقق من ملابسات وصحة الخبر، ما أسقط عدة قنوات ومواقع مصرية في فخ نشر "الانفراد الكاذب".
وسرعان ما انكشفت حقيقة الخبر، بعد نشر أحد مستخدمي التواصل الاجتماعي، يدعى "خالد عنخ آمون الأول" عبر تويتر، أنه مصدر المعلومة، وأن "محمد وجيه عبد العزيز" هو والده المتوفي منذ 10 سنوات، ولم يعمل في مجال الهندسة، ولا توجد أي ترشيحات للوزارة بهذا الاسم، مشيرا إلى أنه نشر تغريدة غير صحيحة، لاختبار مدى تداول الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما كانت المفاجأة بالنسبة له اعتماد بعض وسائل الإعلام المصري على هذه المعلومة دون الرجوع إلى مصادر رسمية للتأكد منها قبل النشر.
مصدر للشائعات
يقول الدكتور ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامي، إن العام الجاري يعد عام التزوير العميق، نظرا لزيادة درجة اعتماد الجمهور والإعلام على منصات التواصل الاجتماعي بدرجة كبيرة، إضافة لتطور أدوات التزييف المستخدمة عبر هذه المنصات، ضاربا مثالا بأن مستخدمي التواصل الاجتماعي لديهم قدرة على فبركة خطاب لرؤساء وزعماء العالم تحمل نفس الأداء الصوتي والحركة الجسدية لهم، دون أن يستطيع أحد تكذيبها، نظرا لصعوبة إدراك أن الأمر مزيف وليس حقيقا.
ويضيف عبدالعزيز، لـ"العين الإخبارية"، أن هناك أسبابا كثيرة أدت لانتشار الأخبار المزيفة والمفبركة، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي مصدرا رئيسيا للأخبار، نظرا لزيادة القدرة على التزييف وتطور التكنولوجيا عبر المنصات الإلكترونية، وانخفاض قدرة عدد كبير من الصحفيين على التحقق من المعلومة، لتراجع المستوى المهني والرغبة في المنافسة وتحقيق السبق الصحفي فقط.
وأرجع يوسف القعيد، عضو لجنة الإعلام والثقافة بالبرلمان المصري، السبب الرئيسي وراء انتشار الشائعات، والاعتماد على فيسبوك وتويتر لنقل وصنع الخبر، وليس لتداول الخبر فقط، إلى عدم توافر المعلومات بشكل أكثر شفافية وسهولة، ما يدفع البعض إلى مصادر غير حقيقية لاستقاء المعلومات والأخبار منها.
وتضمن الخبر المفبرك معلومات تفيد بأن وجيه عبدالعزيز سيحلف اليمن الدستورية قريبا، كما أنه تولى مناصب سابقة، منها المشرف على إنشاء جميع محطات وأنفاق السكك الحديدية بفرنسا، وصاحب الطفرة في السكك الحديدية التي شهدتها السويد على مدار الـ18 عاما الماضية.
إشكاليات كبرى
عن حجم تأثير تداول الشائعات والأخبار المفبركة، رأى الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، أن الإشكالية الكبرى تتعلق بعلاقة القارئ المصري بوسائل الإعلام التقليدية، منوها أن نشر أخبار مغلوطة وعدم الاستناد إلى مصادر موثوق فيها يؤدي إلى فقدان الثقة في الإعلام والمؤسسات الإعلامية.
وأضاف: "الإشكالية الأخرى ترتبط بانحصار وتراجع شروط الازدهار والديمقراطية، وأن عملية نشر الشائعات وتداولها عبر المنصات الرسمية للإعلام تقضي على فرص وأسباب ازدهار الديمقراطية، لفقدان الثقة في العموم والقدرة من تحقق المعلومة"، ملمحا إلى خطورة تراجع الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام التقليدية في نشر المعلومات الدقيقة.
من جانبه، أكد يوسف القعيد "حق الجمهور والإعلام في أن يعرف"، من أجل الوصول للمعلومة الدقيقة، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الرأي العام، وإعلان جميع الأمور كما هي دون مواربة، مشددا على أن سرية المعلومات في ماهية الشخصية التي تتولى حقيبة وزارة النقل عقب حادث قطار محطة مصر لا تفيد بشيء بل تفتح بابا من الشائعات والتكهنات والتخمينات التي تضر بتاريخ الإعلام المصري ومكانته دوليا.
يذكر أن المعلومة الخاطئة عبر صفحات التواصل الاجتماعي تم تداولها أكثر من 190 مرة، إضافة إلى نشر 10 مواقع مصرية وقنوات فضائية للمعلومة، خلال ساعات قليلة من نشر "خالد" تغريدته عبر صفحته الشخصية، التي كتب فيها: "تعيين الدكتور مهندس محمد وجيه عبد العزيز وزيرا للنقل والمواصلات، وحلف اليمن بعد غد".
ترتيب الأدوار
عن الخطوات الواجب اتخاذها حيال هذه الإشكاليات، أرجع ياسر عبدالعزيز المسؤولية إلى وسائل الإعلام المصري، مطالبا بإصدار أدلة وبروتوكولات للتعامل مع أدوات إفادات مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تدريب الصحفيين على التعامل المهني مع منصات التواصل الاجتماعي بحرص ودقة.
وتطرق عبدالعزيز إلى تفوق وسائل التواصل الاجتماعي في الوظيفة الإخبارية مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية، نظرا لكثرة أدوات الأولى، ما يعزز من قدرتها على المنافسة.
وفي السياق، حذر يوسف القعيد من تراجع وسائل الإعلام التقليدية لأدوارها، مشددا على ضرورة تمسك المواقع والقنوات الفضائية بصفات الدقة والثقة والمصداقية، باعتبارها المنقذ الوحيد في ظل تصاعد دور شبكات التواصل الاجتماعي مؤخرا.