يبدو أن قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في مصر على أعتاب مرحلة جديدة نرجو أن تكلل هذه المرة بالنجاح.
يبدو أن قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في مصر على أعتاب مرحلة جديدة نرجو أن تكلل هذه المرة بالنجاح في قطاع كانت لمصر فيه كصناعة حديثة ريادة تاريخية في العالم الثالث، منذ إنشاء شركة مصر للغزل والنسيج في عام 1927. وربما ما يعزز من فرص النجاح هذه المرة ما يدور في حلبة الاقتصاد الدولي إلى جانب الأوضاع المأساوية التي مر بها القطاع على مدى سنوات طويلة.
نأمل هنا أن تلعب المحالج ومصانع الغزل والنسيج في القطاع العام التي سيتم تطويرها دورا في الإمداد ولو الجزئي باحتياجات هذه المصانع الصينية من الغزول أو المنسوجات، بحيث تزيد القيمة المضافة التي يمكن توليدها محليا، وتستطيع الصناعة أن تحقق نهضة حقيقية كبرى وتوفر بعض الحل للعديد من المشكلات الاقتصادية المصرية.
بينما يترقب الجميع في حلبة الاقتصاد الدولي ما يمكن أن تنتهي إليه الحرب التجارية الأمريكية- الصينية، يبدو أن هناك فرصا تلوح لمصر نتيجة لهذه الحرب ذاتها. فمن المعروف أن الصين تهدف إلى التحول لاقتصاد صناعي متقدم تتكون صادراته من منتجات التكنولوجيا الراقية بحلول عام 2025. وتدفع حرب التجارة الصين إلى هدف تحولها لاقتصاد صناعي متخصص في إنتاج وتصدير منتجات تستند للتكنولوجيا الراقية، وهو ما يدفعها للتخلي عن الصناعات التي تتميز بكونها صناعات كثيفة العمالة مثل صناعة الملابس والأحذية، وغيرها من سلع الاستهلاك الجماهيري الواسع. والواقع أنه في ظل وجود أزمة بطالة مرتفعة خاصة بين الشباب في مصر، وفي ظل منافسة مستوى الأجور الحقيقية في مصر الآن لكثير من البلدان في شرق وجنوب شرق آسيا، خاصة فيتنام وبنجلاديش، يمكن لمصر اجتذاب قدر مناسب من الصناعات التي ستتخلى الصين عن إنتاجها.
والحقيقة أن ما يعزز فرص مصر أكثر من أي بلد آخر سواء كان في آسيا أو غيرها هو ما تتمتع به أيضا من موقع جغرافي ومن اتفاقيات للتجارة الحرة مع الأسواق الكبرى، خاصة السوق الأمريكي وسوق أوروبا الموحدة، وهو ما يسمح لها بأن تكون منصة تصدير للسلع المذكورة. إذ يمكن القول إن مصر لم تستطع حتى الآن النجاح في الاستغلال المكثف لاتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي في زيادة مستوى صادراتها زيادة كبيرة، في حين استفادت في المقابل الكثير من الدول في صادراتها لمصر.
والاستثمارات في قطاعات كثيفة العمالة هي في الحقيقة ما ينقص مصر، فالنسبة الكبرى من الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت على مصر خلال الفترة الماضية علاوة على محدوديتها كان الجزء الأكبر منها يتم في قطاع النفط والغاز. ومع الوضع في الاعتبار أن هذا القطاع يتسم بأنه كثيف التكنولوجيا ورأس المال، وبالتالي فإنه لا يتيح المجال لتوظيف أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وبالتالي لا يقدم حلا لمشكلة البطالة التي تأتي على رأس المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد والمجتمع المصري.
ونرى أنه حتى لو تم حل الخلاف التجاري الصيني الأمريكي هذا العام فسوف يتم ذلك بالاتفاق على خفض مستوى العجز التجاري الأمريكي مع الصين (نحو 375.5 مليار دولار في عام 2017، وحوالي 419 مليار دولار في عام 2018). ومن الطبيعي أن تخفيض العجز سيتم عن طريق شراء الصين لمزيد من السلع الأمريكية، مثل فول الصويا والغاز الطبيعي المسال وغيرهما من السلع، إلا أنه سيتم أيضا عبر خفض صادرات بعض السلع للولايات المتحدة، وهذا سيتركز إلى حد كبير في سلع الاستهلاك كثيفة العمالة التي تعتزم الصين التخلي عنها. وهذه فرصة لجذب هذه الاستثمارات لمصر قائمة حتى في حال تهدئة النزاعات التجارية بين البلدين.
وقد سجلت صادرات الصين من المنسوجات والملابس الجاهزة نحو 268 مليار دولار في عام 2017 منها 45.4 مليار للولايات المتحدة، ونحو 48.8 مليار للاتحاد الأوروبي. في حين بلغت صادرات مصر من الغزل والمنسوجات والملابس خلال نفس العام نحو 2.7 مليار دولار. وبالتالي فاجتذاب نسبة من قيمة الصادرات الصينية لأمريكا وأوروبا للتصنيع في مصر، ولتكن 10% فقط ستعني إضافة نحو 40% إلى قيمة إجمالي الصادرات المصرية غير البترولية الحالية، وهو يعد نقلة حقيقية للصناعة المصرية وحلا سريعا وناجحا لمشكلة البطالة.
يوضح تقرير لمنظمة التجارة العالمية أنه على الرغم من أن الصين ما زالت أكبر مصدر للنسيج والملابس الجاهزة في العالم، إلا أن هناك تبدلا كبيرا في دورها، فرغم استمرارها كأكبر مصدر للملابس الجاهزة، إلا أن نصيبها من السوق العالمية انخفض. كما تقلص نصيب الصين في الأسواق الكبرى الثلاثة المستوردة للملابس الجاهزة وهي الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان خلال الأعوام الخمسة 2013-2017.
ويبين تقرير المنظمة أن الصين أصبحت أكثر تخصصا في عام 2017 في مجال تصدير النسيج أكثر من تصدير الملابس الجاهزة. وأصبحت الصين تلعب دورا محوريا كمورد للنسيج للعديد من الدول التي تصدر الملابس الجاهزة في بلدان آسيا الأقل تطورا منها باعتبارها صناعة كثيفة العمالة أكثر كبنجلاديش وكمبوديا وفيتنام وباكستان وماليزيا وإندونيسيا والفلبين.
وقد تربع على عرش صادرات المنسوجات في عام 2017 كل من الصين، والاتحاد الأوروبي، والهند، والولايات المتحدة على الترتيب. بينما في مجال الملابس الجاهزة جاءت الصين، والاتحاد الأوروبي، وبنجلاديش، وفيتنام كأهم أربعة مصدرين.
يتم في مصر الآن إقامة مدينة النسيج الصينية التي تتولى إنشاءها شركة مانكاي للاستثمار الصينية في مدينة السادات، حيث بلغت الاستثمارات التي قدمتها الشركة لتوفير البنية التحتية للمرحلة الأولى من المدينة نحو 2.1 مليار جنيه، وسوف تقام المدينة بكامل مراحلها على مساحة تقدر بحوالي 3.1 مليون متر مربع، وتحتضن 592 مصنعا. ويتضمن مشروع المدينة بالكامل أربع مراحل تتم على أربعة أعوام تمتد حتى عام 2022. ومن المنتظر أن يتم خلال المرحلة الأولى إقامة 152 مصنعا. ومن المتوقع أن تبدأ تجارب التشغيل الأولية لبعض المصانع في شهر مايو المقبل. وقد وقعت شركة مانكاي عقودا أولية مع 49 مصنعا صينيا، وتجري مفاوضات مع 60 مصنعا آخر لشراء مصانع المرحلة الأولى. ومن المقدر أن يبلغ الإنتاج السنوي للمدينة عند اكتمال كافة مراحلها نحو 9 مليارات دولار، ومن المقرر أن يوجه إنتاج المدينة بالكامل للتصدير. ولهذا ينبغي العمل بنشاط من أجل اجتذاب الاستثمارات الصينية لهذه المدينة في هذا المجال الذي ينطوي على فرص ضخمة.
في الوقت نفسه أطلقت وزارة قطاع الأعمال العام خطة لتطوير شركات الغزل والنسج تبدأ من منتصف شهر إبريل المقبل. وتبلغ تكلفة الخطة نحو 20 مليار جنيه، وتتضمن الخطة إصلاح البنية التحتية لقطاع الحلج والغزل والنسيج والملابس، كما سيتم إنشاء ثلاثة مراكز عالمية للتصدير في دلتا مصر. وسوف يتم تحديث المعدات ورفع الطاقات الإنتاجية والتوسع في الأسواق المحلية والعالمية. وسيتم تنفيذ الخطة على مدار ثلاث سنوات. وقد بدأت الخطة فعليا بالتعاقد على محلج جديد تبدأ عمليات التجريب الفعلي له خلال أيام، وبعد الاطمئنان على مرحلة التجريب سيتم التعاقد على استيراد 10 محالج أخرى.
تبقى المهارة في الحقيقة في محاولة الجمع ما بين التطورين بحيث تفيد الصناعة والصادرات المصرية أقصى فائدة ممكنة. فمن المؤكد أن المصنعين الصينيين سيستندون أيضا إلى استيراد المنسوجات من الصين لتحويلها إلى ملابس جاهزة بالأيدي العاملة المصرية، ومع مراعاتهم طبعا أن تنطبق على الصناعات المصرية شروط المنشأ التي تسمح لها بالدخول إلى السوق الأمريكي أو السوق الأوروبي بدون عوائق.
ونأمل هنا أن تلعب المحالج ومصانع الغزل والنسيج في القطاع العام التي سيتم تطويرها دورا في الإمداد ولو الجزئي باحتياجات هذه المصانع الصينية من الغزول أو المنسوجات، بحيث تزيد القيمة المضافة التي يمكن توليدها محليا، وتستطيع الصناعة أن تحقق نهضة حقيقية كبرى، وتوفر بعض الحل للعديد من المشكلات الاقتصادية المصرية المزمنة وعلى رأسها البطالة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة