زيارة السيسي لتركيا في ميزان الإخوان.. انقسام ومخاوف
مع كل خطوة على طريق تحسن العلاقات المصرية – التركية، يجد تنظيم الإخوان المُصنف إرهابيًا في القاهرة، الذي يتخذ بعض قياداته من أنقرة مقرًا له، نفسه في أزمة، فلا تذمره له صدى ولا مناوراته تجد قبولا.
وضع جسد أزمة الإخوان الداخلية، فبينما انفض داعموه من حوله، وجد التنظيم نفسه أسير انقسامات فشل في رأب صدعها، وبات أسير حالة من الرعب، خوفًا من أن تصيبه لعنات الترحيل من تركيا التي تطارد أبرز قياداته.
فكيف تعامل التنظيم مع زيارة السيسي إلى تركيا؟
حالة الانقسام التي يعاني منها الإخوان بدت -كذلك- في تعامله مع زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تركيا، فبينما رحبت بعض المنصات «المؤثرة»، بالزيارة، أحجمت أخرى عن التعليق، مُفضلة الصمت، على ألا تتخطى الخط الأحمر الذي وضعته أنقرة.
ورغم ذلك، فإن ذلك الترحيب الذي جاء في بعض منصات الإخوان، وصفه البعض بأنه مناورة من التنظيم لإعادة التموضع، بحسب خبراء استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم.
وفي إحدى فقرات برنامج «الشارع المصري» عبر قناة «الشرق» التي تبث من إسطنبول، جرى وصف زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا بـ«التاريخية والمهمة جدا للبلدين».
وقال مذيع البرنامج في مقدمة فقرته التي خصصت للحديث عن الزيارة: «ندعم التقارب والوفاق والمصالح الرسمية والشعبية»، مضيفا: «الزيارة تؤكد أن هناك مشاريع في صالح البلدين وتعبر عن التوأمة والمصالحة».
في السياق نفسه، أصدر حزب غد الثورة الذي يرأسه أيمن نور، المقرب من الإخوان ومالك قناة الشرق، بيانًا جاء فيه أنه «ينظر بعين القبول والثقة لأهمية التقارب المصري التركي»، معتبرًا إياه «خطوة هامة وإيجابية».
وكان حزب «غد الثورة» المصري، أعلن قبل أقل من 3 أعوام، تجميد نشاطه داخل مصر، والانتقال للعمل في الخارج.
فما سر ذلك الترحيب؟
فسر الخبير في الإسلام السياسي الدكتور هشام النجار، رد فعل بعض القنوات والأجنحة المحسوبة على الإخوان، باعتباره «من قبيل الصدمة وحالة الارتباك السائدة داخل الجماعة وداخل الأوساط الموالية لها».
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «الجماعة في حيرة فعلية بشأن كيفية التعاطي مع التطورات الحالية، بسبب عدد من العوامل، بينها:
- الانقسام بداخلها
- عدم استطاعتها الاتفاق على موقف موحد
- عجز التنظيم عن إظهار تأييد أو بعث رسائل ودعوات تنازل جديدة، والتي تقابل بتجاهل ورفض قاطع من مصر.
وأشار الخبير المصري إلى أن الجماعة تتعاطى مع التطورات بمنطق الإنكار؛ بمعنى أنها تحاول الإيحاء لأتباعها وقواعدها، على غير الحقيقة، أنها موجودة في المشهد الجديد، وتتعمد أن توهم أتباعها ومتابعيها أنها بصدد قرب حل أزمتها لدرجة ترويج مزاعم مكذوبة بهذا الشأن، في مسعى منها لحقن أجنحتها المنقسمة وعناصرها بالداخل والخارج بجرعات إضافية من المخدرات الفكرية وأحلام اليقظة حتى لا تظهر كمهزومة بعد إتمام وتطوير العلاقات المصرية التركية، واستغناء حلفائها السابقين عن خدماتها السابقة.
فـ«الحقيقة التي يريد قادة الإخوان والموالون لها إخفاءها عن أفرادها وشبابها عن طريق تلك الممارسات والبيانات، هي أن الجماعة في طور المعزولة تماما عن الواقع»، يقول الخبير المصري، الذي اعتبر ذلك الخطاب بمثابة رهان، على أن ينقذها مسار التقارب التركي المصري، وأن تكون جزءا من هذه الحالة بهدف حلحلة أزمتها المستعصية.
بدوره، قال الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إن ترحيب بعض منصات الإخوان بزيارة السيسي، يعد بمثابة مناورة في محاولة لإعادة التموضع، بالتزامن مع عروض التصالح مع الدولة المصرية مقابل اعتزال العمل السياسي، التي قوبلت بتجاهل رسمي.
فـ«التنظيم يحاول تبني استراتيجية جديدة، بدلا من الهجوم والصدام والانتقاد، تتمثل في التودد إلى الدولتين التركية والمصرية»، يقول عبدالفتاح، مشيرًا إلى أن «المناورة الإخوانية تأتي، بعدما سدت كل الأبواب في وجه التنظيم في تركيا، إضافة إلى انقلاب دول أوروبية عديدة عليه، بعد أن أدركت أنهم مجرد ورقة محروقة ولم يعد الرهان عليهم».
لكن لماذا لم تظهر أجنحة الإخوان الأخرى تذمرها؟
يقول الخبير في شؤون حركات الإسلام السياسي عمرو عبدالمنعم إن بعض أجنحة الإخوان «لاذت بالصمت جبرًا، كونه خيار مَن لا يملك أي خيار آخر في ظل التنبيه والتعليمات التركية الصارمة والواضحة بشدة لأبواقها الإعلامية، بألا حديث يضر المصالح بين البلدين، ولا حديث يعلو فوق صوت الزيارة».
واعتبر عبدالمنعم أن التحذيرات من أجهزة الأمن التركية من أي نشاط سياسي للإخوان أو تصريحات من شأنها أن تعكر صفو العلاقة بين البلدين، كانت -كذلك- وراء حالة الصمت تلك.
فكيف ستؤثر الزيارة على الإخوان؟
بحسب عبدالمنعم، فإن مستوى التقارب والتفاهم السياسي الكبير في ملفات عديدة بين مصر وتركيا في ظل أجواء الزيارة الإيجابية، سيترتب عليه انكماش واضح للإخوان وغيابها تماما عن الحضور؛ كونها فقدت آخر حائط تستند إليه سياسيا.
وأشار إلى أن «الجماعة الآن بلا أدوات حقيقية، فيما تستند شرعية وجودها واستمرارها في تركيا إلى اعتبارات إنسانية فقط».
واعتبر الخبير في الإسلام السياسي هشام النجار، أن تنظيم الإخوان أمام تحول وتطور إقليمي جديد «هو في غير صالحها؛ لأن المزيد من توطيد العلاقات بين مصر وتركيا، يُعد:
- تكريسا لأزمتها
- ترسيخا لعزلتها
- جعلها بلا دور وظيفي.
وبحسب عبدالفتاح، فإن «هذا التقارب المصري التركي، سيؤدي إلى إنهاء وجود الإخوان في أنقرة إما بتسليم قيادات للقاهرة على ذمة قضايا عنف، أو اعتقالهم، أو ترحيلهم لبلد ثالث خارج تركيا».
الأمر نفسه أشار إليه الباحث في مركز «تحليل السياسات» من إسطنبول محمود علوش، في حديث لـ«العين الإخبارية»، قائلا إن تنظيم الإخوان في تركيا يناور بمواقفه وخطابه الإعلامي، في ظل القلق الشديد من أن يؤدي التقارب مع مصر إلى مزيد من التشديد تجاه عناصر التنظيم في الداخل التركي.
وأكد المحلل السياسي، أن التقارب التركي مع مصر والعرب بشكل عام، «يشكل ضربة قوية لجماعة الإخوان ومشروعها في المنطقة العربية، وانتكاسة كبيرة أيضا لعلاقة التنظيم مع أنقرة، بعد أن ظلت بحالة جيدة، طيلة العقد الماضي».
«وضع يبشر بحالة جديدة لم يعد فيها أي تأثير للإخوان على ديناميكيات العلاقات التركية مع مصر وعدد من الدول العربية، حيث إنها باتت تولي أهمية لتعميق علاقتها وشراكتها الجديدة مع الدول والقوى الفاعلة في المنطقة، وأصبحت تأخذ بعين الاعتبار هواجس الدول فيما يتعلق بجماعة الإخوان»، بحسب علوش.
ومنذ استعادة أنقرة والقاهرة العلاقات الدبلوماسية، تواجه جماعة الإخوان ضغوطا كبيرة في الأراضي التركية، بدأت بالتضييق الإعلامي ووصلت إلى الاعتقالات وسحب الجنسية، بحسب مصادر خاصة تحدثت لـ"العين الإخبارية" في وقت سابق.
aXA6IDE4LjIyMy4yMDYuODQg جزيرة ام اند امز