مصر والإمارات.. شراكة اقتصادية استراتيجية
أهم ما يميز العلاقات الاقتصادية بين مصر والإمارات هو التنوع في محاور التعاون والقطاعات الاقتصادية المختلفة
يعود تاريخ العلاقات المصرية-الإماراتية إلى مرحلة ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971، وإدراكا من الإرادة السياسية لأهمية تلك العلاقة تم تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية على مدى العقود القليلة الماضية، لما تستند إليه من روابط ومصالح مشتركة ورؤى موحدة بين البلدين بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وبذلك فإن العلاقات الإماراتية-المصرية تتسم بقدر كبير من الاستمرارية والمتانة مما يجعلها نموذجا يحتذى به بالمنطقة العربية. ومن المتوقع أن تشهد تلك العلاقة المزيد من التعاون المثمر في المستقبل.
وتعد الإمارات العربية المتحدة واحدة من أهم دول الخليج الداعمة لمصر، فقد دعمت الإمارات مصر منذ ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 مما زاد من قدرة الدولة المصرية على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية في تلك الفترة الحرجة. وفي أعقاب قرار تعويم الجنيه المصري في عام 201، أودعت الإمارات مليار دولار في البنك المركزي المصري (CBE) لمدة 6 سنوات، لدعم سوق البورصة المصرية، كما قامت دبي بورت وورلد، أكبر شركة للموانئ في العالم، بالتعامل بالدولار على الخدمات الأرضية المقدمة لمالكي البضائع والمستفيدين منها بدلاً من التعامل بالجنيه المصري. كما تم إعادة تشكيل مجلس الأعمال المصري الإماراتي، وجدير بالذكر قدمت الإمارات لمصر أكثر من 20 مليار دولار من المساعدات "بما في ذلك القروض والمنح والاستثمارات" منذ عام 2014.
وشهدت العلاقات بين مصر ودولة الإمارات الشقيقة عددا من الزيارات الرسمية الثنائية المتبادلة بين مسؤولو البلدين، حيث استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة نحو 9 مرات منذ توليه الرئاسة في عام 2014، بينما زار الرئيس السيسي دولة الإمارات نحو 6 مرات آخرها في فبراير/شباط عام 2018، حين زار السيسي الإمارات ضمن جولة خارجية شملت الإمارات وسلطنة عمان.
إن أهم ما يميز العلاقات الاقتصادية بين مصر والإمارات هو التنوع في محاور التعاون والقطاعات الاقتصادية، حيث يشمل التعاون بينهما حركة التجارة البينية، والاستثمارات المباشرة، والمشروعات المشتركة، والمساعدات الإماراتية لدعم الاقتصاد المصري. وقد أسهمت خصائص الاقتصاد المصري في تعزير هذا التعاون وجذب الاستثمارات الإماراتية نتيجة تنوع التكوين القطاعي للاقتصاد المصري، واتساع السوق المصرية، وتعدد الفرص الاستثمارية في مجالات البنية الأساسية والمشروعات التنموية. هذا إلى جانب تنوع هيكل الصادرات والواردات بين البلدين. وكذلك توفر الأطر المؤسسية من اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف في التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والفني وتشجيع الاستثمار، مثل اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي على الدخل ومنع التهرب المالي بين البلدين واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار.
- الاستثمار الأجنبي المباشر.. قاطرة التعاون البلدين
تعد الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكبر المستثمرين في مصر، فالشعب الإماراتي حريص دائما على الاستثمار في مصر، خاصة في المشروعات التي تسهم في خلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي، كما أن دولة الإمارات تعمل بالتعاون مع بعض الدول والكتل الدولية مثل الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة من أجل خلق صناعة قوية في مصر.
وقد تعددت الفرص الاستثمارية المحتملة بين البلدين، والتي قد عززها الاستقرار السياسي التي قد شهدته مصر، والذي أسهم بشكل حيوي في تحسين بيئة الاستثمار فيها. كما أن التعديلات الدستورية التي شهدتها مصر، خاصة قانون الاستثمار الجديد، تمثل خطوات أساسية نحو جذب الكثير من الاستثمارات الإماراتية إلى السوق المصرية. كما طبقت الحكومة المصرية مبادئ الشفافية والحكم الرشيد وتطوير فاعلية المؤسسات السياسية والاجتماعية وتقليل البيروقراطية لإنجاح المشروعات الاستثمارية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مصر. فوفقا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام الذي يصدره البنك الدولي 2020، تقدمت مصر 6 مراكز. ويعزى ذلك إلى قيام الحكومة المصرية بالعديد من الإصلاحات لتحسين مناخ الاستثمار وتبسيط الإجراءات في مؤشر تأسيس الشركات، حيث تقدمت مصر 19 مركزا على مستوى العالم، نتيجة تبسيط الإجراءات المقدمة للمستثمرين في مراكز الخدمات، وسهولة الحصول على الكهرباء، وحماية صغار المستثمرين، وسداد الضرائب.
ووفقاً لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2019 تعد مصر أكبر الدول الأفريقية في جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2018، حيث بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى مصر نحو 6.8 مليار دولار في عام 2018. وأوضح التقرير أن مصر هي أكبر وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا خلال عام 2018، من خلال الاستثمار في قطاعات الأنشطة العقارية، والصناعات الغذائية، والبترول، والبحث عن الغاز، والطاقة المتجددة.
وقامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) خلال شهر فبراير/شباط 2019 برفع تصنيف مصر في مؤشر مخاطر الدول إلى الدرجة 5، متراجعا من الدرجة 6، نتيجة الإصلاحات التي نفذتها الحكومة المصرية، والتي أسهمت في تحسين مناخ الاستثمار، وتوفير بيئة داعمة للاستثمار والأعمال.
وبالنظر إلى الاستثمارات الإماراتية في مصر فقد تجاوزت 6.7 مليار دولار خلال عام 2018، مقارنة بـ6.5 مليار دولار في عام 2017، وهو ما يجعل الإمارات العربية على رأس الدول المستثمرة في مصر، وفقا للبيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة (GAFI). وبلغ عدد الشركات الإماراتية العاملة في مصر نحو 700 شركة في 2019 لتشمل قطاعات خدمات الاتصالات والبنوك والتطوير العقاري والسياحي وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتجدر الإشارة إلى الدور المهم الذي تلعبه الشركات الإماراتية العاملة في مصر في دفع عجلة العلاقات الثنائية وتعزيزها على جميع المستويات.
ويمكن القول إن هناك نقلة كمية ونوعية في تدفقات رأس المال المباشر من الإمارات إلى مصر، بعد تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي للرئاسة، وهو ما يعبر عن الدعم السياسي للدولة المصرية لتلك الاستثمارات، فوفقا لبيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة ارتفع معدل نمو الاستثمارات الإماراتية بنسبة 244% في عام 2015/2014 مقارنة بعام 2014/2013.
مصر والإمارات العربية.. شراكة تجارية استراتيجية
تعد الإمارات العربية المتحدة من أكبر الشركاء التجاريين بالنسبة لمصر، فقد استحوذت على 6.1% من إجمـالي حجم التجارة الخارجیة لمصر خلال الربع الأول من العام المالي 2019/2018، وفقاً لإحصائيات البنك المركزي المصري.
بالنسبة للصادرات السلعیة غیر البترولیة، جاءت الإمارات العربیة المتحدة في المركز الأول كأھم شریك تجاري فى جانب الصادرات، یلیھا المملكة المتحدة، والولایات المتحدة الأمریكیة، وألمانیا، وسویسرا. أما بالنسبة للواردات السلعیة غیرالبترولیة فجاءت الإمارات في المركز الثاني بعد الصين كأھم شریك تجاري لمصر في جانب الواردات. وقد استحوذت الإمارات العربية المتحدة على 25% من إجمالي صادرات مصر.
- العمالة المصرية.. حلقة وصل بين البلدين
تزايدت نسبة العمالة المصرية بالإمارات من حملة المؤهلات العليا بشكل مستمر، وهو ما يمكن ربطه بشكل مباشر بظاهرة "هجرة الكفاءات Brain Drain"، والتي تعني تزايد معدلات هجرة الأفراد من ذوي المؤهلات والمهارات. تمثل الفئة العمرية للشباب ما بين (25 إلى 40 سنة) أكثر من 66.3% من إجمالي عدد الجالية المصرية في الإمارات، وتصل هذه النسبة إلى 85% إذا تم إضافة الفئة العمرية من (40 إلى 49 سنة). وتتفق هذه النسب مع طبيعة هجرة المصريين للإمارات بهدف العمل، وانخفاض معدلات الإعالة لتلك الفئة.
فالإمارات العربية المتحدة تستضيف عددا لا بأس به من المغتربين المصريين، وهو ما يمثل ميزة إضافية للعلاقات المشتركة، لأهمية تحويلات المصريين من الخارج في دعم الوضع الاقتصادي لمصر، والتي شهدت ارتفاعا منذ تعويم العملة المصرية في 2016، كما أنها واحدة من المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية في مصر، فقد ارتفعت تحويلات المصريين بالإمارات المتحدة بنسبة 1.5% خلال الربع الأول من العام المالي 2019/2018، حيث بلغت 5.9 مليار دولار، مقابل 5.8 مليار دولار في الربع من العام المالي 2018/2017، كما توافد آلاف من الإماراتيين لمصر، خاصة الطلاب للتعلم بالجامعات المصرية.
وترتهن قدرة الاقتصاد الإماراتي كقوة جاذبة للعمالة المصرية باستمرار النمو الاقتصادي للدولة، وبالتالي استمرار خلق فرص عمل جديدة.
ختاما يمكن القول إن التعاون الاقتصادي بين مصر والإمارات العربية يمثل أحد أهم المرتكزات في العلاقة الوثيقة بين البلدين.