في مثل هذه الأيام قبل 4 سنوات ونصف تقريبًا، كانت الشوارع المصرية تتزين بأبهى حلتها، مُنتظرة واقعة لم تحدث منذ 28 عامًا، نعم "مصر في كأس العالم".
لم يكد شارع من شوارع القاهرة والمحافظات المختلفة يخلو من تلك الأغنية، التي عبرت عن سعادة المصريين بالتأهل إلى أهم بطولة في اللعبة الشعبية الأول في العالم، وهي: "مصر في كأس العالم".
صحيح أن الاحتفالات لم تدم سوى لأقل من أسبوعين، بعد أن ودع منتخب مصر المونديال سريعا بلا رصيد من النقاط، لكن لا ينسى المصريون بهجة تلك الأيام ومتعتها.
ظن الجميع أن هذا المونديال خطوة للأمام، نحو وجود مصر بشكل دائم في كأس العالم، بدءا من مونديال العرب في قطر، فكيف يُمكن أن تُلعب البطولة الأغلى على بعد أمتار دون أن يشارك فيها "الفراعنة".
ولكن بعد 4 سنوات ونصف، يلعب منتخب مصر مباراة ودية ضد بلجيكا، المصنف الثاني عالميًا، ويفوز بهدفين مقابل هدف، في حضور كيفن دي بروين ويانيك كاراسكو و"المترهل" إيدين هازارد.
الفوز جاء قبل يومين فقط من انطلاق مونديال 2022، الذي فشل منتخب مصر في التأهل له مجددًا، ليُحيي جراحًا كانت قد اندملت، ويُعيد تساؤلا كاد أن يختفي: لماذا فشلت مصر في التأهل إلى كأس العالم؟
قد تتبادر إلى ذهنك إجابة سريعة، فتقول حسام البدري، كارلوس كيروش، سوء الحظ، أو حتى الليزر الذي سُلط على عيون اللاعبين في مباراة السنغال بإياب المرحلة الفاصلة من التصفيات.
أما أنا فأميل إلى ما هو أبعد من ذلك، لم يكن الأمر أبدًا متعلقًا بشخص أو عدة أشخاص، ولكنه يشمل نظامًا رياضيًا كاملًا قد أغرق في ارتكاب الأخطاء على مر العصور، فصرنا نحمل تبعات نتائجها عامًا بعد عام.
ولنعد إلى نقطة الصفر، حين ودع منتخب مصر كأس العالم 2018 بروسيا، حينها تم اتخاذ قرار سريع بإقالة المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر، وبعد أيام عُين المكسيكي خافيير أجيري بدلا منه.
هدف أجيري كان واضحًا، نحن نسعى للوصول إلى كأس العالم 2022، ومن أجل ذلك بدأ المكسيكي في خفض معدل الأعمار السنة، والاستعانة بالعديد من العناصر الشابة، إلى جوار عناصر الخبرة.
ولكن كانت المفاجأة، مصر ستستضيف كأس أمم أفريقيا 2019 بعد 13 عاما من الغياب بدلا من الكاميرون، ومن ثم باتت البطولة هدفًا للفوز بها، بعد أن كانت مجرد محطة في الطريق إلى مونديال 2022.
أعاد أجيري عناصر الشباب إلى الهامش، وغير استراتيجيته التي بدأها بالفعل، بعدما غير اتحاد الكرة المصري الهدف الذي وضعه له، ولكنه فشل وودع من ثمن النهائي، في ظل شخصية ضعيفة أظهرها المكسيكي، وسط أزمات بالجملة ضربت أروقة الفراعنة، وانتهت برحيله.
حينها، قرر اتحاد الكرة المصري أن يكون المدير الفني الجديد مصريًا لا أجنبيًا، لماذا؟ هذا السؤال عجز رئيسه في ذلك الحين، عمرو الجنايني، في الإجابة عليه خلال حوار تلفزيوني على الهواء.
وبعد مفاضلة بين 5 مدربين، تم تعيين حسام البدري مديرا فنيًا للمنتخب المصري الأول، بعد تجربة فاشلة مع المنتخب الأولمبي، لكنه سرعان ما تلقى الانتقادات بسبب الأداء الدفاعي الذي يعتمد عليه.
ورغم أن البدري حصد 4 نقاط من أول مباراتين في التصفيات المؤهلة لمونديال 2022، لكنه رحل بعدهما ليحل بدلا منه البرتغالي كارلوس كيروش، لتكون أمامه 6 شهور فقط للتعرف على المنتخب وقيادته للمونديال.
انتهت رحلة كيروش بالفشل في الفوز بكأس أمم أفريقيا، والتأهل للمونديال، بعد أن أنهت ركلات ترجيح السنغال على حلمه في كلتا المناسبتين، ليودع، ونبدأ سلسلة جديدة من القرارات العشوائية في الطريق إلى مونديال 2026، ولا أدل على ذلك مما حدث مع إيهاب جلال.
هذه الرحلة هي نموذج مُصغر للطريقة التي تُدار بها كرة القدم في مصر منذ عشرات السنين، تخبط وتناقضات وقرارات غير مدروسة وغير معلومة السبب أو النتيجة، وإن كانت النتيجة واحدة في النهاية.
الآن، يمتلك منتخب مصر مدربًا مميزًا، وضع بصماته في أشهر معدودة، وقد جيء به بهدف واضح، وهو كأس العالم 2026، فإن كانت لدينا الرغبة حقًا في بلوغ هذا الهدف، فلندعه يكمل مسيرته، دون أن تعرقلها هزيمة ثقيلة أو بطولة أفريقية ليست هي الهدف الأول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة