الجنيه المصري أمام أصعب اختبار منذ 2016.. تعويم جديد "على نار هادئة"
في أواخر عام 2016 عندما قرر البنك المركزي المصري تعويم الجنيه، قفز سعر الدولار بنحو 120% خلال أيام معدودة، وهو ما يبدو أن القاهرة تحاول تفاديه هذه المرة.
"تعويم على نار هادئة" هو التوصيف الذي يمكن أن ينطبق على حالة الجنيه المصري في هذه الفترة، إذ إن محللين عديدين اتفقوا على وصف ما يحدث حاليا بأنه "تعويم جديد"، ولكن في اقتصاد أكثر استقرارا من ذلك الذي كان في 2016، لكنه أيضا في عالم أكثر اضطرابا.
واليوم، هبط سعر الجنيه المصري إلى أدنى مستوى له أمام الدولار منذ فبراير/شباط 2017 مسجلا 18.71 جنيه للدولار الواحد، ما أعاد مجددا ذكريات أيام التعويم المفاجئ الذي شهدته مصر في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
- الجنيه المصري يتراجع أمام الدولار إلى أقل مستوى في 5 سنوات
- الليرة التركية تتكبد خسائر جديدة.. هبوط حاد بنسبة 22% في 2022
آنذاك، قفز سعر الدولار من 8.88 جنيه إلى قمة غير مسبوقة عند 19.60 جنيه بعد سلسلة من الارتفاعات العنيفة التي هدأت لاحقا بعد استكمال إجراءات برنامج الإصلاح المصري والحصول على قروض متتالية من صندوق النقد الدولي.
لكن، في خضم تلك التمويلات، شكلت تدفقات المستثمرين الأجانب على سندات الخزانة المصرية مصدرا هاما وحاسما في بناء مصادر مصر من النقد الأجنبي.
وقد جاءت هذه التدفقات تحديدا، لأن مصر شهدت في سنوات ما بعد التعويم تقديم "أعلى فائدة حقيقية" في العالم، وهو الأمر الذي أغرى المستثمرين الذين يريدون العائد الثابت المرتفع والمستقر، ولا يهابون اقتحام الأسواق الناشئة.
بداية إرهاصات التعويم الجديد
لكن هذا المصدر الرئيسي لتدفقات النقد الأجنبي واجه زلزالا حقيقيا في 2022، عندما قرر البنك المركزي الأمريكي رفع أسعار الفائدة، الأمر الذي أعاد لسندات الخزانة الأمريكية رونقها، وأخل بالموقف المتميز للسندات المصرية.
سرعان ما تحولت التدفقات الأجنبية إلى العكس، وخرجت بالمليارات تاركة مصر ومتأملة في عوائد مستقرة ومرتفعة نسبيا وأقل مخاطرة كونها بالدولار الأمريكي.
ورغم الهدوء الذي بدا عليه رد فعل السلطات المصرفية المصرية، جاء التعويم الثاني مفاجئا كالعادة.
فبعد أيام من رفع الفائدة الأمريكية، قرر المركزي المصري (في اجتماع استثنائي) رفع أسعار الفائدة وما هي إلا لحظات حتى هوى سعر الجنيه المصري أمام الدولار من نحو 15.5 جنيه إلى قرابة 18.20 جنيه.
وفي مرحلة لاحقة، قرر البنك المركزي الأمريكي رفع الفائدة مجددا، لكن مصر تمهلت قليلا ثم رفعت الفائدة وتحرك سعر الجنيه للخلف قليلا.
وبالتدريج واصل الجنيه تراجعه "الهادئ" أمام الدولار حتى وصل اليوم إلى مستوى هو الأقل منذ 2017 عند 18.71 جنيه.
أصعب اختبار منذ 2016
ومع ذلك، يظل الجنيه مرشحا لانخفاضات جديدة (فيما يمكن وصفه بالتعويم الهادئ) كون الأزمة هذه المرة لا تتعلق فقط بأزمة هيكلية في الاقتصاد المصري كما كان الأمر في 2016، بل تتجاوزه إلى محيط عالمي مضطرب.
تحصل مصر على الدولار من مصادر عديدة أبرزها قناة السويس، والسياحة، وتحويلات العاملين في الخارج، ويفترض أن تكون الاستثمارات الأجنبية من بين تلك المصادر.
لم تعرف مصر نموا كبيرا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة خارج قطاع النفط، لكنها استفادت لفترة من الاستثمار غير المباشر الذي تمثل في "الأموال الساخنة" التي لم تعد مجدية في هذه اللحظة.
كذلك، تأثر مدخول مصر من السياحة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي ضربت أهم جنسيتين من جنسيات السياح الذين يعشقون منتجعات وسواحل مصر.
ومع اضطراب سلاسل التوريد، تأثرت التجارة العالمية لكن هذا لم يمنع قناة السويس من أن تحاغظ على تنمية إيراداتها السنوية وفقا للبيانات الرسمية.
اقتصاد أكثر استقرارا
وفي المقابل، تسعى مصر حاليا بكل قوة لدعم الجنيه المصري عبر جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز القطاع الخاص، فضلا عن الدخول في مسارات جديدة لنيل قرض من صندوق النقد الدولي.
واقتصاد مصر اليوم مختلف عن عهد 2016، فهو اليوم أكثر انضباطا في إنفاقه وماليته بعد أن تخلص من أعباء كبيرة من الدعم وأضحى البلد يبيع وقوده وطاقته بسعر قريب من السعر العالمي.
كما تتمتع مصر حاليا ببنية تحتية أكثر جذبا للمستثمرين، ومصادر طاقة مهولة من كهرباء وغاز، وهي أيضا أكثر قدرة على التصدير وأكثر تحملا للتخلي عن الواردات غير الضرورية.
ومع ذلك، يبقى الاقتصاد المصري مضغوطا بالديون التي زادت في السنوات الأخيرة، وأضحت فوائدها عبئا على مالية مصر التي تسدد بالدولار.
aXA6IDEzLjU4LjE4OC4xNjYg جزيرة ام اند امز