إحسان عبد القدوس.."دُنجوان الرواية العربية"
مصر تحتفل بالذكرى الـ99 لميلاد الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس.. تعرف على أبرز محطات حياته التي شكًلت عالمه الأدبي.
في الأول من يناير كانون الثاني قبل ٩٩ عامًا، وبالتحديد عام ١٩١٩، ولد أحد أبرز الكُتاب المصريين الذين برزت بثيمة الرومانسية في أعمالهم، فأُطلق عليه "كاهن معبد الحب"، و"دنجوان الرواية العربية".
إحسان عبد القدوس، الذي تحوّلت غالبية رواياته إلى أفلام سينمائية، بعضها شهد نزاعًا ضاريًا من قبل الفنانين المصريين، الذين سعوا جميعًا إلى تأدية الأدوار، لنجاح قصصه بشدة وتعبيرها عن الشارع.
غير أنّ الأديب الراحل لم يكن يعلم أن روايته التي حوّلت إلى شاشة السينما "لا أنام" ستكون محط اتهامات ضارية من قبل النقاد والمصريين عامة، الذين رأوها لا تستهوي سوى المراهقين الحالمين بالحب والجنس، ولكن عبد القدوس لم يرَ في تلك الاتهامات إلا محاولة لإيجاد أيّ ثغرة في القصة التي نفّذتها بنجاح الفنانة المصرية فاتن حمامة، بجانب الفنان عمر الشريف.
لم يترك الأديب الراحل مجالًا إلا وأوسع فيه الدفاع عن روايته، ففي حوار له مع مجلة "الكواكب" عام ١٩٥٨ أكّد أنه ليس كاتبًا يثير الغرائز ولا يستهدف المراهقين، وأن تلك الاتهامات سبق وأن اتهم بها توفيق الحكيم وفيكتور هوجو وبلزاك، وأن نجاح القصة غير عائد على "إثارة الغرائز"، منوهًا أنّ هناك لقاء جمعه مع عدد كبير من عمالقة الأدب المصري من بينهم طه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي الذين رأوا أنّ الرواية من الأدب الرفيع، وكتب "الحكيم" مقالًا يمتدح فيه القصة بشدة.
يعد إحسان بجانب كونه أحد الروائيين الكبار في مصر، أحد الصحفيين، فهو ابن لمؤسسة مجلة "روز اليوسف" الشهيرة التي سميت المجلة على اسمها، ومجلة "صباح الخير"، ووالده كان ممثلًا مصريًا له أدوار ثانوية، بجانب عمله في التأليف والكتابة.
نشأ في كنف جده الشيخ رضوان، الذي عرف عنه تدينه الشديد وتمسكه بأوامر الدين والفروض والمحافظة على التقاليد، بجانب الندوات التي كان يقيمها جده مع علماء الأزهر، وكان على النقيض من ذلك والدته السيدة المتحرّرة التي تقيم الندوات الثقافية والسياسية بوجود كبار الشعراء والأدباء ورجال الفن.
استمر "إحسان" يتنقل بين بيت جده الشيخ رضوان ووالدته روز اليوسف، المتناقضين بشدة، قائلًا "كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتى اعتدت عليه بالتدريج، واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه"، حسب ما قالت الدكتورة لوتس عبد الكريم في كتابها "إحسان عبد القدوس"، حمل هذا التغيّر حالة من الإثراء الفكري للكاتب الراحل الذي تخطّت رواياته المحلية ووصلت إلى العالمية وترجمت إلى عدة لغات.
تخرّج إحسان عام ١٩٤٢ من كلية الحقوق، واستمر العمل في المحاماة عددا من السنوات، ولكنه كان في تلك الفترة يعمل ما لا يحب، وجد نفسه محاميًا عاديًا أو "فاشلًا" –حسب قوله- ليقرّر تركها والبدء في الكتابة التي أحبها درجة العشق، والعمل في المجال الصحفي الذي أوسعت له الباب فيه والدته مؤسسة المجلتين الشهيرتين.
يقول عبد القدوس حول عمله في مجال المحاماة: "كنت محاميًا فاشلًا، لا أجيد المناقشة والحوار، وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت، وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، حيث ودعت أحلامي في أن أكون محاميًا لامعًا".
كما تولى الكاتب الراحل رئاسة تحرير مجلة "روز اليوسف" عن عمر ٢٦ عامًا فقط، وكتب فيها عددا من المقالات الساخنة التي عرّضته للمعتقل، بجانب تعرضه أكثر من مرة لمحاولة اغتيال نجا منها، غير أنه قدّم استقالته بعد فترة قصيرة وترك رئاسة تحريرها لأحمد بهاء الدين، وتولى بعد ذلك رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم لعامين في الفترة بين ١٩٦٦ و١٩٦٨، ثم عُيّن في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير لمدة ثلاثة سنوات في الفترة بين ١٩٧١ و١٩٧٤.
وصل فيلمه "الخيط الرفيع" الذي قدمته الراحلة فاتن حمامة أمام محمود ياسين إلى ساحات المحاكم، حيث شهد الفيلم حربًا طاحنة بين "حمامة" والفنانة سعاد حسني، حيث تعاونت الأخيرة مع المنتج رمسيس نجيب الذي كان قد اشترى القصة من إحسان عبد القدوس.
فور إعلان "نجيب" لخبر الفيلم الجديد، قدّم المنتج صبحي فرحات دعوى قضائية في حقه بعد أن اشترى هو الآخر القصة من جمال الليثي، الذي كان قد اشتراها من عبد القدوس.
استمر الثنائي خلال فترة طويلة في ساحات المحاكم، إلا أن إحسان عبد القدوس طالب بسقوط حق صبحي فرحات من القصة بعد مضي خمس سنوات على شرائها بدون إنتاج، ولكن قرر "فرحات" أن يقوم بإنتاج الفيلم في لبنان على أن يخرجه عاطف سليم، بطولة سعاد حسني، ولكن "عبد القدوس" استطاع أن يستصدر أمرًا بإيقاف الإنتاج في لبنان، حتى أعلنت سعاد حسني عن عدولها عن القيام ببطولة الفيلم، وعدم منافسة فاتن حمامة.
كتب إحسان عبد القدوس ما يقرب من ٦٠٠ رواية وقصة، تحولت منها ٤٩ رواية إلى شاشة السينما، و٥ روايات إلى المسرح، و٩ روايات تم تحويلهم إلى مسلسلات إذاعية، و١٠ حولوا إلى مسلسلات تلفزيونية، بجانب عدد كبير من الروايات التي تم ترجمتها إلى لغات عدة وصلت إلى أكثر من ٦٥ رواية ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصينية.
من أهم أعماله "يا عزيزي كلنا لصوص"، و"مضت أيام اللؤلؤ"، و"الحياة فوق الضباب"، و"لن أعيش في جلباب أبي"، و"غابت الشمس ولم يظهر القمر"، و"لا أنام" و"في بيتنا رجل"، و"أنف وثلاثة عيون"، و"الراقصة والسياسي"، و"وسقطت في بحر العسل".
كان إحسان يرى أنّ فاتن حمامة في مقدمة الممثلات اللائي أجدن في تمثيل شخصيات قصصه، وقال عنها: "استطاعت أن تصوّر خيالي عندما مثلت دور "نادية" في فيلم "لا أنام"، ودور "فايزة" في "الطريق المسدود"، كانت تشبه البطلة الحقيقية للقصة التي كتبتها، بجانب الفنانين العظماء نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني.
حصل الكاتب المصري على عدد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الأدبية، من بينها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ووسام الجمهورية من الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، والجائزة الأولى عن روايته "دمي ودموعي وابتساماتي" عام ١٩٧٣، وجائزة أحسن قصة فيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي".
رحل الأديب المصري عن عالمنا في الثاني عشر من يناير عام ١٩٩٠ عن عمر واحد وسبعين عامًا قدّم لنا خلالها عددا كبيرا من الأعمال الأدبية والسينمائية البارزة.