مصير غزة وخطة «تدمير» حماس.. إيهود باراك يستشرف أفق الحرب
خبرة دفاعية وسياسية جعلت من إيهود باراك مجهرا في زمن الحرب، لاستشراف ما يبدو عليه المشهد، وكيف تأخذ إسرائيل قراراتها في مثل هذه الأوقات.
فمن مصير قطاع غزة بعد الحرب التي ما زالت متواصلة لليوم الثامن والعشرين على التوالي، إلى كيف يفكر الجيش الإسرائيلي في تنفيذ هدفه الذي أعلن عنه من وراء هذه المعركة "تدمير حركة حماس"، وصولا إلى صورة إسرائيل أمام الرأي العام العالمي في ظل انتقادات حقوقية وأممية لـ"أعمال قد ترتقي إلى جرائم حرب" في القطاع، ومخاوف اتساع رقعة الأزمة، استعرضت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أفق الصراع مع رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك.
يقول قائد الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء السابق، في مقابلة طالعتها "العين الإخبارية" في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية: "من المحتمل أن نفقد دعم الرأي العام في أجزاء كثيرة من العالم الحر".
وقاد إيهود باراك الجيش عندما انسحبت إسرائيل لأول مرة من قطاع غزة عام 1994، بعد مفاوضات اتفاق أوسلو.
وفي عام 2000، خلال الانتفاضة الثانية تولى باراك منصب وزير الدفاع ورئيس الوزراء.
وبعد ذلك، وفي فترة لاحقة كوزير للدفاع في نهاية عام 2008 قاد باراك ما أطلق عليه عملية "الرصاص المصبوب"، وهي صراع دام ثلاثة أسابيع مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، والذي كان بمثابة أكبر عملية برية إسرائيلية في غزة حتى الآن.
وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنت حركة حماس هجوما مباغتا على بلدات إسرائيلية في غلاف غزة، أسفر عن وقوع مئات القتلى وعشرات الأسرى.
فيما ردت إسرائيل بقصف عنيف ومكثف على قطاع غزة المكتظ بالسكان، أسفر عن مقتل أكثر من تسعة آلاف شخص، وإصابة أكثر من 30 ألفا آخرين، ونزوح قرابة مليون من منازلهم في شمال القطاع.
وأمس الخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي،"تطويق" مدينة غزة، بعد أيام على بدء توغله البري في القطاع، بينما تواصل طائراته ومدفعيته القصف بلا هوادة، وسط مخاوف من أزمة كارثية.
في المقابل، توعدت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، بأن غزة ستكون "لعنة التاريخ" على إسرائيل، محذرة من أن الجنود الإسرائيليين سيخرجون "في أكياس سود".
نقطة تحول و4 قيود
في حديثه مع إيهود باراك، يقول رئيس تحرير "فورين بوليسي" إنهما ناقشا ما إذا كان من الممكن القضاء على حماس، وكيف كانت إسرائيل تدرس انخفاض الدعم الأمريكي والعالمي لتصرفاتها، ومدى استعدادها لحرب أوسع نطاقا؟
لم يخش باراك انتقاد زميله السابق رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، لكنه يعتقد أن الأمر سيستغرق بضعة أسابيع قبل أن يصل الغضب ضد الزعيم الإسرائيلي إلى نقطة التحول.
وعن رأيه بالمرحلة الجديدة من الحرب، لا سيما العملية البرية التي بدأتها إسرائيل قبل أيام في قطاع غزة، يقول إيهود باراك إن هدف تل أبيب من ذلك "هو الحد من القدرات العسكرية والحكومية لحماس في قطاع غزة. ولا يمكن تحقيق ذلك من خلال الضربات الجوية وحدها، وعلينا أن ننشر على الأرجح عدة آلاف من الجنود على الأرض".
ويشير إلى أن تنفيذ العملية في غزة يتم في ظل أربعة قيود، الأول: الرهائن. والثاني: هو خطر انتشار الصراع إلى حزب الله في لبنان، وربما بعض المنظمات الأخرى في الضفة الغربية، وحتى المليشيات في سوريا أو العراق، المدعومة من إيران.
فيما العائق الثالث هو القانون الدولي الذي نلتزم به، يضيف باراك "ونعلم من التجربة أن دعمنا العالمي سوف يتآكل بسرعة كبيرة وأن شرعية العملية برمتها ستكون موضع شك".
ويتابع "حتى لو حققنا هدفنا المتمثل في إزالة البنية التحتية المادية لحماس وقدراتها الحاكمة في قطاع غزة، فإننا لا ننوي البقاء هناك لعشر أو عشرين سنة مقبلة، فمن ينزع الشعلة منا؟".
مقتل المدنيين والقانون الدولي
وفيما يتعلق بمسألة القانون الدولي، والوضع الخطير في غزة في ظل مقتل آلاف المدنيين جراء القصف الإسرائيلي، يرد رئيس الوزراء السابق "نحن ملتزمون بالقانون الدولي ونبذل قصارى جهدنا لتقليل الأضرار الجانبية وقتل الأبرياء".
وفي رده على سؤال حول الفائدة مما تحاول إسرائيل القيام به في غزة الآن، في ظل رأيه بأنه لايمكن القضاء على أيديولوجية حماس، أجاب إيهود باراك: "فكّر فيما ستفعله أي ديمقراطية حرة. فإذا دخلت مجموعة من الإرهابيين إلى أمريكا من أحد حدودها وقتلت ما يعادل 1400 شخص في غضون 24 ساعة، وهو ما يقرب من 60 ألف أمريكي، فإن الولايات المتحدة ستفعل كل ما يلزم. ولن يطرحوا أسئلة حول التناسب أو أي شيء آخر، نحن نبذل قصارى جهدنا ونقوم بذلك بحذر".
واستطرد "نحن نتعامل مع مجزرة همجية ارتكبها أشخاص ينتمون إلى حركة سياسية، ستبقى الحركة، لكن كل فرد من الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الهجمات سيكون هدفا. البنية التحتية للصواريخ ومستودع الذخيرة ومواقع التدريب والمكاتب ومراكز الاتصالات كلها أهداف سندمرها. وهذا سيجعل من المستحيل على حماس أن تدير قطاع غزة، الأمر الذي يترك مسألة من ستنقل السيطرة إليه".
كيف يخطط الجيش لتدمير حماس؟
وعلى صعيد أفكاره حول كيفية تفكير الجيش الإسرائيلي في تدمير قدرات حماس، رجّح باراك أن الحركة ربما تمتلك 10.000 صاروخ أخرى وربما 200 ميل من الأنفاق تحت غزة، وربما لديها ما بين 25.000 إلى 30.000 مقاتل.
ولذلك، يقترح تجهيز 50 ألف جندي أو أكثر للتأكد من أن إسرائيل "ستنتصر"، مشيرا إلى أن بلاده "تمتلك قوات مسلحة متفوقة، مدربة بشكل أفضل، ومتحمسة للغاية بعد الصور التي عرضتها قبل عدة أسابيع، وهي مصممة على تدمير حماس خطوة بخطوة".
أفكار يطرحها جنرال الحرب السابق، "حتى لو تطور الأمر إلى صراع إقليمي واسع النطاق مع حزب الله، الذي يمتلك صواريخ وقذائف أكثر بعشرة أضعاف، أو إذا كانت الضفة الغربية أو مرتفعات الجولان متورطة، فإن إسرائيل تظل أقوى. إنه ليس تهديدا وجوديا، لكنه سيستغرق المزيد من الوقت، والمزيد من الخسائر، والمزيد من الاحتكاك مع مؤيدينا في العالم".
وبالانتقال إلى تفاصيل كيفية تدمير إسرائيل لقدرات حماس، أعرب إيهود باراك عن ثقته من أن مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي والأمريكيين وربما بعض العواصم الأخرى في المنطقة على اتصال بشأن ما يجب القيام به.
"ربما من الممكن الآن أن تكون هناك قوة متعددة الجنسيات، إن لم تكن بقيادة مصر، فبواسطة قوة دولية ما، تدعمها الجامعة العربية وقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، للمساعدة في إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة ومساعدتها مالياً على تطوير ما يحتاجون، من حيث الطاقة، والماء، وجعله مكانًا عاديًا" يُكمل باراك سرد تقديراته لما ستؤول إليه الحرب.