عيد الأضحى في لبنان.. الضروريات أقوى من الفرحة
لا يختلف مشهد الأسواق التجارية في لبنان بعيد الأضحى عما كان عليه في عيد الفطر المبارك.
حتى إن المعاناة تزيد تأزما يوما بعد يوم، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يرزح تحتها لبنان وشعبه، حيث بات الاحتفال بالعيد رفاهية لا يتمتع بها إلا قلة قليلة من اللبنانيين.
والحديث مع التجار في الأسواق في عدد من المناطق يعكس هذه الصورة، وهم الذين يجمعون على أنهم يعيشون أسوأ أزمة مروا بها منذ عشرات السنوات حتى في خضم الحروب التي مرت على البلاد.
وعن هذه الأزمة يتحدث لـ"العين الإخبارية" محمد وحيد، أحد التجار في منطقة بربور في بيروت، وهي المنطقة التي تعتبر من أبرز الأسواق في بيروت التي كان يقصدها اللبنانيون لشراء الملابس على كافة أنواعها وتضم محلات من مختلف المستويات.
منع تجول
ويصف وحيد وضع الأسواق في عيد الأضحى قائلا "كأن هناك منع تجول"، في إشارة إلى خلو الأسواق من الزبائن"، مضيفا "حتى في عز أزمة انتشار وباء كورونا السنة الماضية كان الوضع أفضل.. لا بيع ولا شراء.. أجواء العيد غائبة وليس هناك من يشتري الثياب".
ويؤكد وحيد أن "الوضع الاقتصادي ضرب حركة الأسواق التي تخلو اليوم عشية العيد من الزبائن"، مشيرا إلى أن "الألبسة باتت آخر اهتمامات اللبنانيين، حيث أصبحت همومهم تقتصر على كيفية تأمين البنزين والأدوية وطعامهم اليومي".
هذا الوضع أدى بحسب وحيد وما تظهره حركة الأسواق، إلى لجوء اللبنانيين إلى تصليح الثياب القديمة لديهم بدل دفع أموال لشراء الجديدة منها".
وعن استيراد البضائع يقول وحيد "مستوى البضائع تراجع كثيرا وبات التجار يلجئون إلى شراء الأرخص، لأن الزبون غير قادر على شراء ذات النوعية الجيدة بأسعارها المرتفعة"، مضيفا "حتى إن التجار صاروا يفضلون الاحتفاظ بأموالهم بالدولار بدل شراء البضائع التي ستبقى في المحلات ولن تجد من يشتريها بأسعار مرتفعة مع ارتفاع سعر صرف الدولار".
وكما في بيروت كذلك في مختلف المناطق مشهد الأزمة لا يختلف وتغيب بدورها أجواء العيد للسنة الثانية على التوالي. ويؤكد علي الشريف رئيس جمعية تجار مدينة صيدا، لـ "العين الإخبارية" أنه لا حركة بتاتا في الأسواق نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اللبنانيون".
ويوضح البضائع الموجودة في المحلات ليس هناك من يشتريها، وإن بيعت فالتجار لا يملكون الدولار لشراء بدلا عنها نتيجة احتجاز المصارف أموالهم".
انهيار مستمر
ويصف الشريف واقع الأسواق بأنه "في انهيار مستمر مع الارتفاع المتزايد لسعر صرف الدولار، حيث لا تتعدى نسبة البيع 10% مقارنة مع السنوات السابقة، فيما باتت الحركة تكاد تقتصر على الأسواق الشعبية مع اختفاء الطبقة المتوسطة وتحول عائلاتها إلى الطبقة الفقيرة".
وتعكس أجواء العيد التي تعيشها إحدى العائلات في لبنان هذا الواقع، حيث العيد بات يقتصر على نوع محدد من الحلوى وتحديدا "المعمول"، وتقول السيدة سامية، أم لثلاثة أطفال لـ"العين الإخبارية" "اشترينا فقط دزينة من المعمول لنشعر ببركة العيد، لكن اتخذنا قرارا بعدم شراء الثياب الجديدة للأولاد، حيث أن قرارا كهذا يحتاج لأن أدفع كامل راتب زوجي الذي يبلغ مليونا ونصف المليون ليرة (ألف دولار وفق سعر صرف الـ1500 وحوالي الـ70 دولارا وفق سعر الـ22 ألفا)، لذا بكل بساطة أفضل أن أشتري لهم بهذا المبلغ المأكولات اليومية في حدها الأدنى بدل أن أشتري الثياب، علما أننا بتنا لا نحضر اللحم إلى البيت إلا في أول الشهر".
ويئنّ لبنان منذ أكثر من سنة تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، تترافق مع شلل سياسي تام يعيق تشكيل حكومة ويحدّ من قدرة السلطة على تقديم حد أدنى من الخدمات لمواطنين أضناهم تآكل أجورهم، ما أدى الى ارتفاع عدد الفقراء الى أكثر من 60 بالمئة من السكان.
وبحسب استطلاع للرأي أجراه برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي نهاية 2020، أقدمت 35% من الأسر المستجوبة على خفض عدد وجباتها اليومية.
وتفاقمت معالم الانهيار مع فرض تدابير إغلاق مشدد على مراحل لمواجهة فيروس كورونا الذي حدّ أيضاً من وتيرة الاحتجاجات ودفع مؤسسات تجارية إلى إقفال أبوابها فيما وجد اللبنانيون أنفسهم أمام ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، بينما تراجعت قدراتهم الشرائية ولا تزال تتراجع.
في المقابل لم تنجح كل محاولات السلطة لاحتواء الوضع عبر تدابير موضعية، كدعم سلع استهلاكية وملاحقة صرافين مع استمرار تدهور الليرة ليتجاوز سعر الصرف ال 22 ألفاً مقابل الدولار، بينما الرسمي مثبت على 1507 ليرات.
والنزيف مرشح للاستمرار. فمن شأن نفاد احتياطي المصرف المركزي بالدولار الذي يُستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات، وهذا ما عكسته طوابير السيارات أمام محطات المحروقات للحصول على الوقود وارتفاع سعر الخبر اضعافا.
وحذّر صندوق النقد الدولي لبنان من أنه لن يكون للانهيار سقف، من دون إصلاحات هيكلية. ووصلت مفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الى طريق مسدود، بسبب عجز لبنان عن الالتزام بإصلاحات لإقرار خطة دعم من الصندوق وعن تقديم أرقام مالية ذات مصداقية.
aXA6IDE4LjE4OC4xMDcuNTcg جزيرة ام اند امز