نستكمل في سطورنا هنا ما بدأناه في المقال السابق بقراءة سياسة مصر الخارجية خلال السنوات الـ10 الماضية عبر "الدبلوماسية الرئاسية"، التي مارسها بنفسه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالاستناد إلى التوثيق البحثي الذي قامت به الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
وكما سبق الذكر، فقد تعددت أشكال ووسائل هذه الدبلوماسية، من زيارات خارجية للرئيس في لقاءات ثنائية أو جماعية، واستقباله للضيوف الرسميين الخارجيين داخل مصر، وكل أنواع الاتصالات الهاتفية والإلكترونية مع مختلف مستويات المسؤولين في دول أجنبية أو مؤسسات أممية وإقليمية.
وبالبدء بالزيارات الرئاسية الخارجية خلال فترة البحث، وهي من يونيو/حزيران 2014 وحتى 1 أبريل/نيسان 2024، فقد بلغ إجمالي هذه الزيارات التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي نحو 170 زيارة، بما يجعل المتوسط هو قرابة 17 زيارة سنوياً، أي بمعدل زيارة كل ثلاثة أسابيع تقريباً، وبلغ عدد الدول التي زارها الرئيس المصري خلال تلك الفترة 57 دولة، في مختلف قارات العالم.
ومن حيث الدول الأكثر زيارة من الرئيس خلال تلك الفترة، فقد جاءت المملكة العربية السعودية في المركز الأول، بعدد 18 زيارة، وتلتها دولة الإمارات العربية المتحدة بعدد 13 زيارة، ثم المملكة الأردنية الهاشمية بعدد 9 زيارات، وبعدها فرنسا بإجمالي 8 زيارات، ثم كل من السودان وإثيوبيا والصين بعدد 7 زيارات لكل منها.
ولم تختلف دلالات التركيز على زيارة الدول العربية الشقيقة لمصر عند النظر لتوزيع الزيارات الرئاسية جغرافياً، فقد قام الرئيس السيسي بعدد 59 زيارة لدول العالم العربي، وأتت بعده القارة الأوروبية بحوالي 45 زيارة لعديد من دولها، وحلت بعدها دول القارة الأفريقية غير العربية بعدد 34 زيارة، ثم دول قارة آسيا غير العربية بحوالي 23 زيارة، وأخيراً الولايات المتحدة الأمريكية بعدد 9 زيارات، منها 6 زيارات لمدينة نيويورك للمشاركة في الانعقاد السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، و3 زيارات لواشنطن العاصمة ثنائية أو ضمن قمة إقليمية.
وتبدو واضحة من تلك المعلومات الإحصائية أولويات السياسة الخارجية المصرية عموماً و"الدبلوماسية الرئاسية" خصوصاً، حيث بلغت نسبة الزيارات الخارجية لدول عربية نحو 35% من إجمالي الزيارات الخارجية للرئيس المصري، وهو ما يؤكد الأهمية الأكبر للدائرة العربية في سياسة مصر الخارجية.
وقد بلغ عدد زيارات دول كل من أفريقيا وآسيا معاً 57 زيارة، 34 لأفريقيا و23 لآسيا، بنسبة وصلت إلى قرابة 34% من إجمالي الزيارات، مما يعكس أيضاً الأولوية الثانية للدول النامية في "العالم الثالث" لدى السياسة الخارجية الرئاسية المصرية، وخصوصاً للقارة الأفريقية. وفي ظل هاتين الأولويتين، أتت الزيارات للقارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، أو العالم الغربي، ليبلغ عددها إجمالاً 48 زيارة، بدون حساب الزيارات للأمم المتحدة بنيويورك، لتمثل حوالي 28% فقط من كل الزيارات.
وقد تضمنت الزيارات الرئاسية المشار إليها خلال السنوات العشر، جولات خارجية شملت زيارة أكثر من دولة داخل نفس المنطقة الجغرافية، بصورة متتابعة خلال فترة قصيرة وبدون فاصل زمني يذكر بين زيارة وأخرى، وقد بلغ عددها 20 جولة رئاسية في أربع مناطق جغرافية مختلفة. وقد جاءت قارة آسيا وأقاليمها الفرعية في المقدمة بعدد 7 جولات رئاسية، وكانت آخر هذه الجولات خلال السنوات العشر، هي الافريقية التي شملت كلا من أنغولا وزامبيا وموزمبيق في أوائل يونيو/حزيران 2023، وسبقتها في يناير/كانون الثاني من نفس العام جولة في كل من الهند وأذربيجان وأرمينيا.
ويكتمل مشهد "الدبلوماسية الرئاسية" المصرية خارج مصر، بحصر عدد اللقاءات والاجتماعات التي عقدها الرئيس السيسي مع قادة ومسؤولين دوليين وأمميين داخل مصر خلال نفس الفترة، وهي قد وصلت إلى نحو 1300 لقاء. وجاءت اللقاءات مع قادة دول العالم، من ملوك ورؤساء وأمراء ورؤساء وزراء، الأكثر عدداً بنحو 335 لقاءً، وتلتها الاجتماعات مع وزراء الخارجية بحوالي 170 لقاءً، ثم جاءت في المرتبة الثالثة الاجتماعات مع رؤساء الشركات والمؤسسات الدولية الاقتصادية الكبرى بعدد 137 اجتماعاً، ثم جاءت بعدها الاجتماعات مع وزراء الدفاع وقيادات عسكرية وأمنية بعدد 125 لقاءً، وبعد هذا أتت الاجتماعات مع الوفود البرلمانية بعدد 123 اجتماعاً، ثم جاءت في المرتبة السادسة اللقاءات مع المسؤولين والموظفين الدوليين والأمميين بعدد 108 لقاءات.
ولا شك أن دلالات الأرقام السابقة واضحة للغاية، حيث تعكس لقاءات القمة مع قادة دول العالم التوجه المصري المباشر نحو مصدر القرار الخارجي في معظمها، وهو رأس الدولة، لسرعة تحقيق المصالح المصرية وعلى أفضل وجه ممكن. كما يوضح التنوع الكبير في مسؤوليات من التقاهم الرئيس داخل مصر، شمول "الدبلوماسية الرئاسية" الواسع لهذه المصالح عبر ذلك العدد الهائل من اللقاءات والاجتماعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة