"الانتخاب بالتعيين".. بدعة "ديمقراطية" لحماس في غزة
مزيج من الغضب والسخرية بعد إعلان حماس انتخاب رئيس جديد لبلدية غزة بـ"التعيين" عقب اجتماع عناصر نخبوية محسوبة على الحركة.
"الانتخاب بالتعيين بالمباشر" بدعة ديمقراطية جديدة اخترعتها حركة حماس في قطاع غزة، بإعلانها انتخاب رئيس جديد لبلدية غزة، أكبر مدن القطاع، بعد اجتماع عناصر محسوبة عليها بالكامل.
وأثار الإعلان مزيجا من الغضب والسخرية في أوساط النشطاء والفصائل الفلسطينية، ضمن حالة من التخوف بأن يمتد هذا الفهم الغريب للديمقراطية لمؤسسات أخرى.
وأعلنت بلدية غزة، السبت 27 يوليو/تموز الجاري، أن مجموعة ممن وصفتها بـ"النخب والشرائح المجتمعية" اتفقت على انتخاب الدكتور يحيى السراج رئيسا للبلدية الفلسطينية، دون إجراء أي انتخابات فعلية، وهو أكاديمي مختص في الهندسة يعمل في الجامعة الإسلامية بغزة.
غياب تكافؤ الفرص
ووصف وائل بعلوشة، مدير مركز ائتلاف أمان للنزاهة والشفافية في غزة، ما حدث بأنه "طريقة انتخابات غريبة ليس لها علاقة بالديمقراطية".
وقال بعلوشة لـ"العين الإخبارية" "إن ما حدث طريقة غير قانونية، وليست الطريقة المثلى لاختيار رئيس وأعضاء المجلس البلدي لأكبر بلديات فلسطين، ويعد خرقا لكل القوانين والتشريعات".
وأضاف "لم نعهد طريقة التعيين بهذا الشكل من قبل، وكيف تجري انتخابات من قلة قليلة جدا وننزعها عن السواد الأعظم من الفلسطينيين؟".
ووفق ما أعلنته بلدية غزة على موقعها الإلكتروني "توافقت نخب وشرائح مجتمعية من سكان مدينة غزة على انتخاب الدكتور يحيى السراج، رئيسا للبلدية خلفا للمهندس نزار حجازي، خلال لقاء (البيت المفتوح) الذي نظمته البلدية بالتعاون مع وزارة الحكم المحلي في مركز رشاد الشوا الثقافي غرب المدينة السبت الماضي".
وتأسست بلدية غزة عام 1893، وهي تخدم أكثر من نصف مليون نسمة، وبذلك هي من أكبر البلديات الفلسطينية.
إقصاء للإرادة الشعبية
بدورها أكدت الدكتورة عبير ثابت، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الأزهر الفلسطينية، أن ما حدث يمثل فصيلا واحدا (حماس) ولا يمثل الكل الفلسطيني، ويأتي ضمن المحاصصة داخل من يحكم غزة.
وقالت لـ"العين الإخبارية" إن "ما تم إقصاء للإرادة الشعبية الفلسطينية، ويعمل على ترسيخ الانقسام في وقت حساس".
وشددت على أن ما حدث "أعادنا للعصور الوسطى التي كانت تعطي حق الاختيار لفئة معينة، وهذا لا يمت للعملية الديمقراطية بصلة، بل هو مضاد لها تماما".
ورأت أستاذة العلوم السياسية أن الأخطر من الحدث محاولة تعميم تجربة غزة على بقية البلديات بالقطاع، لتظهر على أنها ديمقراطية اضطرارية، والتي يمكن أن تنتقل تلك الآلية لاختيار مجلس تشريعي يمثل غزة في المستقبل.
وشددت على أنه لا يجوز لأي جهة أن تقرر وحدها وتقصي المجتمع، وعليها العودة والاحتكام للقواعد المنظمة لعملية التداول السلمي.
وجرت محاولة لإجراء انتخابات للبلديات عام 2016 في قطاع غزة بالتوافق، قبل أن يجري وقفها بقرار من محكمة العدل العليا الفلسطينية لعدم شرعية المحاكم في قطاع غزة، التي يفترض أن تكون مرجعية العملية الانتخابية.
وفي حينه، اتهمت حركة فتح القضاء بغزة بأنه مسيس، وأبطل نتائج بلديات كبرى فازت بها فتح، ما أثبت عدم جدوى الاحتكام إليه.
مخاوف من التعميم
الحقوقي الفلسطيني محمد أبوهاشم، باحث قانوني ومختص في مجال الديمقراطية، يؤكد أن ما جرى تعيين تم تخريجه بهذا الشكل، مشددا على أنه "لا يضفي عليه أي نوع من الشرعية، فهو مخالف للقانون الفلسطيني وقانون الهيئات المحلية".
وقال أبوهاشم لـ"العين الإخبارية": "إن محاولة إضفاء شرعية على اختيار نخب مخالف وتنكر للقوانين، واستمرار لسياسة تغييب القانون بغزة، عبر إيجاد صيغ باطلة تحاول شرعنة الخروج عن القانون".
وينص قانون الهيئات المحلية الفلسطينية رقم (1) لسنة 1997، في المادة (5) على أنه "يتم انتخاب رئيس الهيئة المحلية في انتخابات حرة ومباشرة تجرى وفقاً لأحكام قانون الانتخابات".
واتهم الحقوقي الفلسطيني كل من شارك في هذا الخروج على القانون بأنه مشترك في جريمة وأد الديمقراطية الفلسطينية، مضيفا "نخشى أن يكون ما حدث مقدمة لشرعنة أسلوب قادم لغزة، حيث يجري فصل القطاع وإخضاعه خارج القانون الأساسي الفلسطيني، وهذا ينذر بمرحلة أخطر من الماضي"، وتساءل "لماذا لا تجرى انتخابات كما جرت ببلديات الضفة؟".
الحل في الانتخابات
على مستوى الفصائل الفلسطينية، لقي التعيين وطريقة إخراجه إدانة واسعة، حيث اعتبرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن إعادة تشكيل البلديات والمجالس المحلية في قطاع غزة وتعيين رؤسائها بطرق انتقائية، كما حدث في تعيين رئيس بلدية غزة لا يسهم في استنهاض وتطوير عمل البلديات والمجالس المحلية، ولا تفتح الطريق أمام الكفاءات المهنية لإيجاد حلول للمشاكل والقضايا.
وطالبت الجبهة، في بيان لها، بانتخابات شاملة لجميع البلديات والمجالس المحلية في قطاع غزة، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، مشددة على أن إجراء الانتخابات يفتح الباب أمام صون مصالح الفلسطينيين، وتوفير الخدمات البلدية التي من شأنها أن تعزز من صمود أبناء شعبنا في معركتهم الوطنية، من أجل الخلاص من الاحتلال وكسر الحصار والفوز بالحرية والاستقلال.
وتتولى بلديات قطاع غزة إدارات معينة من حركة حماس منذ سيطرتها على قطاع غزة منتصف 2017.
تمثيلية انتخابية
وقال وليد العوض، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، إن ما حدث "تمثيلية انتخاب"، قائلا إنها "خطوة غير مقبولة".
وأضاف العوض عبر صفحته على "فيسوك" أن "تمثيلية انتخاب رئيس لبلدية غزة من خلال مجمع انتخابي فصلته سلطة الأمر الواقع على المقاس، خطوة غير مقبولة تُمثل إمعانا في اغتيال الديمقراطية، ومصادرة حقوق الفلسطينيين في المشاركة انتخابا وترشيحا".
ويتفق الخبراء الفلسطينيون على أن المطلوب إجراء انتخابات عامة تضمن مشاركة الجميع فيها ترشيحا وانتخابا، وتحييد الخدمات الحيوية والبلدية عن المناكفات السياسية وعدم الزج بالبلدية في أتون الانقسام.