ناشرون: الروايات المترجمة تكتسح سوق الكتاب بالعالم العربي
البعض يرى أن الأدب المترجم هو معيار جودة وفرصة للاطلاع على ثقافة الآخر، في حين اعتبره آخرون أنه ليس أكثر من ورقة رابحة للناشر والموزع
أكد ناشرون وموزعون للكتاب في العالم العربي أن الروايات الأجنبية المترجمة شهدت خلال السنوات الأخيرة رواجاً كبيراً، وفاقت مبيعاتها الروايات العربية رغم كثرة الجوائز المقدمة للرواية العربية، ما أعطى انطباعا بأنها تهيمن على سوق النشر والتوزيع.
ويرى البعض أن الأدب المترجم هو معيار جودة وفرصة للاطلاع على ثقافة الآخر، في حين اعتبره آخرون أنه ليس أكثر من ورقة رابحة للناشر والموزع دون التطرق لإجراء مقارنة بين الرواية العربية والروايات المترجمة للعربية.
"العين الإخبارية" سألت ناشرين وموزعين للكتب "هل هناك مميزات وجوانب مختلفة أو تقنية معينة تحسب مثلاً للرواية المترجمة تفتقر إليها الرواية العربية؟".
قال الناشر المصري مصطفى الشيخ، صاحب ومدير دار "آفاق" للنشر والتوزيع، إن هذا الأمر موجود منذ زمن، وهو أن الكتاب المترجم أكثر مبيعاً من الكتاب المحلي حتى أصبح ظاهرة حالياً بسبب أن القارئ أصابه الملل من كثرة الروايات المحلية في السنوات الأخيرة، فاتجه إلى الروايات والأعمال المترجمة.
وأضاف أن الترجمات عادة تتناول أسماء كبيرة راسخة إبداعياً في ذهن القارئ العربي، ولها تاريخ إبداعي فنجد تهافتا على جديدها من قبل القراء، بينما يبدو النتاج الإبداعي العربي مظلوما إزاء نظيره العالمي لكثير من الأسباب أهمها أن صناعة تاريخ إبداعي للاسم يحتاج إلى وقت طويل, وإلى ما لا يقل عن عملين أو ثلاثة تترك أصداءها لدى الجمهور وتحفر اسمه في ذاكرته فيكون هناك طلب وإقبال على إصداراته لاحقاً.
أما الروائية والمترجمة العراقية لطفية الدليمي فأكدت أن ثمة أسباب تقف وراء هذه الظاهرة، ويمكن إجمالها في أن الفن الروائي هو منتج غربيّ النشأة؛ فكان من الطبيعي أن يتأثر مباشرة بكل التطورات الثورية التي شهدتها البيئة الغربية، وخاصة في حقول الفلسفة والسايكولوجيا والعلم والتقنية، الأمر الذي منح الفن الروائي في الغرب طاقة حركية دائمة ليعكس تأثيرات تلك التغيرات الثورية المتواصلة على صعيد تقنيات الرواية وعلى نحوٍ يشدُّ القارئ إلى نبض الحياة الحية المتحركة بعيداً عن الحالة السكونية التي تجعل الرواية محض (حدّوتة) حكائية مفرّغة من المعرفة.
وأضافت الدليمي: "جاء ذلك في الوقت الذي انشغلت معظم الروايات العربية بملاعبة اللغة بدل الأفكار وأمست الرواية أقرب إلى كاميرا ثابتة تصف الوقائع ولا تؤثر في مساراتها؛ مما أدى إلى انفضاض القراء عنها".
وأوضحت الروائية والمترجمة العراقية البارزة أن أهم الأسباب الذاتية يمكن إرجاعها إلى أن القارئ العربي وبعد عقود طويلة من الهزائم الفكرية والمجتمعية على كافة الأصعدة، أصبح يفضّل المنتجات الفكرية الأجنبية -والرواية من بينها- في ردة فعل غير معقلنة أو مسوّغة، وأحسب أن هذا الحال سيستمر لعقود طويلة ما لم تحصل انعطافة ثورية هائلة في وضعنا العربي.
من جانبه، أكد الروائي والناشر الأردني إلياس فركوح أنه إذا ما دققنا في واقع "القراءة الواعية" وطبيعة الكتب الأكثر تأثيراً، نجد أنّها الكتب المترجمة وفي كافة المجالات!.. هذه واحدة من الحقائق التي تستوجب دراسةً موضوعية محايدة، ربما أدّت بمن يُجريها إلى ما خلصتُ إليه -اجتهاداً مني- ومفاده أن ثقة القارئ العربي، والمثقف الجاد على وجه الخصوص، تراجعت بالكتاب العربي الناتج عن تأليف عربيّ خالص!
وأوضح أن هذا يفسح مجالا للخوض في مسألة الوعي الاجتماعي والمستوى العام لمخرجات التعليم، التأسيسي والأكاديمي الجامعي، وطرح سؤال "القيمة"! وأنها القيمة نفسها، الشاملة جميع حقول المعرفة، التي باتت موضع تشكيك وريبة.
وأضاف فركوح: "بناءً على هذه (الواقعة)، واستنادا إلى تجربتي ككاتب، وقارئ، وناشر، أجدُ أنّ الإقبال على الروايات المترجمة ومتابعة كُتّابها المشهورين عالمياً، يندرج في هذا الفضاء، فضاء الانفتاح على الآخر، انفتاح التزود بما لا نملك (أو هذا ما نظنه ونميل إلى المصادقة عليه)، والإدبار عموماً عن الروايات العربية، رغم بروز ما أراه نهوضاً جديداً في كتابتها خلال العقدين الأخيرين، فثمة نهوض يتمثّل في مجموعة نصوص عربية متميزة ليست كثيرة، ليست جماهيرية، وبالتالي غير قادرة على تعديل المعادلة أو تغييرها".
ويرى الكاتب والأكاديمي العراقي المقيم في الولايات المتحدة الدكتور حاتم الصكَر أن بين الشهرة والانتشار فارق لغوي ومفهومي، الانتشار يلي الشهرة، ولا يلازمها وكثير من الأعمال الروائية اشتهرت دون أن تنتشر بالمعنى التداولي، ذلك يشبه شهرة كتب الفلسفة خاصة والكتب الفكرية، وكذا بعض الروايات العالمية التي طبعت أو ترجمت منذ زمن، ولم تعد بأيدي القراء، ولكنها تظل مشهورة ومعروفة للجميع.
وأضاف: "نوافق على أن الروايات العالمية أكثر شهرة من الروايات العربية، لكن هناك استثناءات، فلدينا أعمال نالت ما تستحق من القراءة والشهرة؛ كروايات الجيل الأول: نجيب محفوظ والطيب صالح وغسان كنفاني وغادة السمان وفؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان وإسماعيل فهد والطاهر وطار وعبدالرحمن منيف ويوسف إدريس وزكريا تامر- الأخيران في القصة أيضاً- وسواهم، لكن الرواية العالمية تظل ذات جاذبية للقارئ، لعل السينما ذات أثر، فهي تقرب تلك الأعمال للجمهور، بالإضافة إلى عوامل الشهرة الأخرى كالجوائز.
وتابع الصكَر: "لقد انتقل لنا روائيو نوبل عبر الترجمة فور فوزهم، ولا يخفى تجدد أساليب الرواية العالمية وتنوع موضوعاتها، وهي الأسبق نوعيا وتاريخيا من روايتنا العربية، لكنني أرى اليوم سيلاً من الروايات التي تحفز على كتابتها الجوائز والمنافسات والنهم لقراءتها على حساب الشعر لأسباب موضوعية تتصل بالمجتمع والسياسة والوضع العام في البلاد العربية، وهذا يدعو للتفاؤل بأن تأخذ الروايات العربية المتميزة مكانها من الشهرة والانتشار".