"عزيزي الكاتب".. رسائل تسخر من الناشرين والكتب الأكثر مبيعاً
الكتاب الذي قدَّمه الصحفي الإيطالي ريكاردو بوزي، يقوم على رسائل افتراضية مُتخيَّلة كتبتها دور نشر عالمية في الوقت الراهن.
يسخر كتاب "عزيزي الكاتب"، الذي نشرته دار نينوي في دمشق مؤخراً، من فكرة تسليع الأدب، وربط قيمة أي عمل أدبي بقدرته على الظهور في قائمات الكتب الأكثر مبيعاً.
ويقوم الكتاب الذي قدَّمه الصحفي الإيطالي ريكاردو بوزي، على رسائل افتراضية مُتخيَّلة كتبتها دور نشر عالمية في الوقت الراهن، تبرر عبرها رفض الأعمال الأدبية العظيمة التي أضحت اليوم في قائمات الأعمال الكلاسيكية الراسخة، أو تسدي نصائح لمؤلفيها بغية تعديل خطة كتابتها، حتى تلائم معايير السوق وتظهر في واجهة المكتبات.
وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 2016 عن دار "أكت سود" الفرنسية العريقة، وترجمها للعربية محمد ناصر الدين، إذ نُشرت في 112 صفحة من القطع المتوسطة، مزينة برسوم إيضاحية ساخرة.
وفي مقدمته أفاد المترجم بأن الكتاب عبر الرسائل التي يتضمنها، يُشير إلى نقد مبطن لمنطق العولمة الذي يحكم اليوم مفاصل حياتنا كافة.
ويتساءل ماذا لو أرسل هوميروس بكتابيه "الإلياذة والأوديسا" إلى دار النشر التي تتعهد بنشر أعمال دان براون، مؤلف "شفرة دافنشي"، وهل كان بإمكان مؤلفات هوميرس أن تظهر إلى جوار أعمال دافنشي، وتحقق نفس الانتشار؟.
وفي رسائل أخرى يذكر المؤلف أن ناشر رواية المسخ لـ"كافكا"، ما كان ليقبلها اليوم من دون تغيير عنوانها، ويتساءل: ماذا لو اقترح الناشر على صمويل بيكتب، مؤلف "في انتظار جودو" نهاية أخرى يضمن بها أن يظهر كتابه في مكتبات المطارات، وتصبح من الأدب المقبول الذي لا يستفز خيال القارئ؟.
وبطريقته الساخرة، يفترض المؤلف أن الناشر الذي تلقى أول مخطوط لرواية "دون كيخوته" كان سيكتب اليوم لمؤلفها سربانتيس، يقترح عليه أن يغير أحداثها لتجري في الغرب الأمريكي، حيث المغامرات، ولكن ليس في إسبانيا، كما يقترح عليه هولندا مسرحاً لأحداث الرواية المليئة بطواحين الهواء.
ويأتي صدور الكتاب وسط نقاشات واسعة تشهدها الأوساط الثقافية العربية، عن المعايير التي تقف وراء رواج الأعمال الأدبية، وبالذات الروايات، ومدى تأثر سياسات التوزيع بسياسات الأدب والمعايير التي تخلقها الجوائز وأدوات صناعة نجوم الكتابة الجديدة، حيث تنشأ المؤسسة الثقافية الاقتصادية التي تتمكن من تغيير معنى القيمة الفنية لمصلحة الربحية.
ونقرأ في الكتاب الساخر الرسائل التي قد يتلقاها شكسبير اليوم، حيث من المتوقع أن يكتب إليه ناشره رسالتين، واحدة يسخر فيها من تناوله لشخصية "هاملت"، المليئة بالهواجس، والثانية ينتقد فيها التعاطي مع شخصية "شيلوك" اليهودي في "تاجر البندقية"، حيث يرى الناشر المتخيل أنه "لا للمس بالأقليات"، لكن شكسبير يمضي في طريقه بابتكار شخصية عطيل، ويمس الزنوج، ما يدفع الناشر لمطالبته بالابتعاد عن هذا "البازار السياسي"، وينصحه: "تفرّغ للملوك القساة والعشاق المعذبين وعُد لاختصاصك الأثير سيد شكسبير".
أما المؤلف الفرنسي مارسل بروست، صاحب رواية "البحث عن الزمن المفقود"، فقد سخر محرر الكتاب وناشره من عدد صفحات الرواية الذي يقارب مليون صفحة، ووصفها بأنها "خليط من الأفيون وحبوب الهلوسة التي تسبب الأرق، وهي قفزة هائلة للعلم، لكننا دار للنشر ولسنا مختبراً للصيدلة سيد بروست".
ويفترض الكتاب أن ناشر رواية "أورلاندو" لفرجينيا وولف، لو تلقاها اليوم سيكتب لها: "عاودي الاتصال بنا من فضلك حين تجدين حبكة على قدر أكبر من التماسك".
ويتوقع المؤلف أن يتلقى أرنست همينجواي، صاحب "العجوز والبحر" رداً من دار نشر أرسل إليها مخطوط عمله ذائع الصيت، تنتهي بالعبارة التالية: "قد يكون المكان الأمثل لكتابك مجلة علمية عن الصيد، أو موقعاً إلكترونياً، وليس في دار نشر عريقة، وعليك أن تستمر بالمحاولة".
ومثل بقية الضحايا، سيتقى المؤلف الأمريكي أرثر ميللر، رسالة من الناشر الذي تلقى مخطوط عمله الشهير "موت بائع متجول"، يقول فيها: " في وقت الأزمة الاقتصادية ربما يحتاج العالم إلى جرعة من الثقة، لكننا نلتقي هذا المخطوط الفاشل المرتكز على قصة فاشلة في داخله، ونحن لا نريد أن نعطي لبطلك الفاشل أهمية أكبر".
لكن السخرية الأكبر تلقاها المؤلف الأيرلندي جيمس جويس، صاحب الرواية الأكثر تجريبية في القرن الـ20، وهي رواية "عوليس" عبر رسالة افتراضية وجهها الناشر ‘ليه قائلاً: "أعرف أخصائياً في تقويم النطق يمكنه مساعدتك".
ويستقبل الروائي الأمريكي هيرمان ملفيل، مؤلف رواية "موبي ديك"، رسالة شبيهة، يتساءل فيها الناشر هل من الضروري أن تتحدث الرواية عن الحوت؟.. لماذا لا يكون الدلافين؟.. إنهم بلا منازع أكثر المخلوقات إثارة للتعاطف.
aXA6IDE4LjE4OC4xNjIuODcg
جزيرة ام اند امز