"عتاكة" العراق يتأهبون.. لافتات المرشحين أغطية لبيوت الفقراء
يتوزع فتية بمناطق بغداد في الأزقة والشوارع حتى تحين ساعة تقاسم اللافتات الانتخابية التي غالباً ما تكون إطاراتها من الحديد.
طوال الانتخابات التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية، سواء كانت التشريعية منها أو المحلية، مثلت لافتات المرشحين أهمية كبيرة لشريحة واسعة من المجتمع العراقي يطلق عليهم "العتاكة".
وحقيقة ذلك اللفظ الشائع مشتق من الكلمة العربية الفصيحة "العتيق"، ولكن أضيفت لها لكنة شعبية حتى أمست بذلك التوصيف المشهور.
وغالباً ما تهتم تلك الشرائح المعدمة والفقيرة بكل ما هو عتيق خرج عن صلاحية الاستخدام، ممكن العثور عليه عند البيوتات أو مطامر النفايات.
وتعتاش أعداد غفيرة تصاعدت نسبتها ما بعد 2003، على حطام السلع والأدوات المنزلية فضلاً عن وظيفة اشتهرت خلال السنوات الماضية عرفت بجمع "قناني"، المشروبات الغازية التي يصل قيمة الكيلو جرام منها نحو 3 آلاف دينار عراقي بما يعادل نحو دولارين.
ولكن عند اللافتات الانتخابية تتداخل الحاجات والرغبات ما بين هؤلاء، فهنالك من يقصد جمعها بغرض الترزق والتكسب من الحديد الذي يؤطرها فيما يذهب فريق آخر للاستفادة منها في ردم "ثغرات" منزلية.
ومنذ أغسطس/آب الماضي، توزعت ملايين اللافتات الانتخابية على مبان وطرق عامة لأكثر من 3 آلاف مرشح للانتخابات التشريعية المبكرة التي تأتي استجابة لمطالب احتجاجية غاضبة رمت لإنهاء الفساد وايجاد فرص حياة متساوية دون تميز.
ويعاني العراق من زيادة سكانية بلغت مؤخراً نحو 40 مليون شخص يقابلها انعدام في الخدمات وضعف معاشي تسبب بارتفاع نسب الفقر والبطالة إلى مستويات خطيرة.
وتقدر قيمة المبالغ التي صرفت من قبل المرشحين خلال حملاتهم الدعائية بنحو 170 مليون دولار، وصولاً إلى يوم "الصمت الانتخابي"، بحسب مراقبين.
يقابل ذلك، أرقام شبه رسمية تشير إلى أن الحكومة العراقية أنفقت نحو 300 مليون دولار لتوفير الأجهزة التقنية المعتمدة في تلك الانتخابات، مضافا لها أجور موظفي الاقتراع والمتطلبات اللوجستية الأخرى.
أغطية منازل وتجارة حديد
يقول حسين فاضل (16 عاماً)، إنه تجهز مع أصدقاء في منطقته شرقي العاصمة بغداد، وتزود بمعاول عمل تسهل اقتلاع اللافتات الانتخابية التي ستكون بعد مساء غد مباحة أمام الجميع.
ويضيف فاضل الذي غادر الدراسة في مرحلة مبكرة من الدراسة الابتدائية، أن "الديمقراطية في العراق لم نستفد منها في شيء سوى لافتاتها الانتخابية".
وكان فاضل برفقته صبي آخر، قد أجرى مسحاً ميدانياً قبل أيام على شوارع قريبة من مسكنه، لتعيين اللافتات الكبيرة التي تشكل "الغنائم الأكبر"، بين اللافتات الأخرى لما تضم من قطع حديدية.
يؤكد فاضل، الذي بدت على ثيابه آثار الاتساخ وطغت ملامح العوز على معالم وجهه، أنه "ينتظر انقضاء الانتخابات ساعة ساعة حتى يكون بمأمن من المسألة القانونية التي قد تلاحقه في حال رفع اللافتات قبيل انتهاء الاقتراع العام".
ويسعى ذلك الصبي، إلى جمع أكير قدر ممكن من اللافتات بغرض انتزاع الحديد من البوسترات الدعائية وتجهيزها بالشكل المناسب ليتسنى له بيعها على دكاكين الحدادين.
لكن الأمر بدا مختلفاً عن سيدة أربعينية يرافقها 3 من أولادها الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ20 عاماً، فهي تبحث في تلك اللافتات عن أغطية لجدران بيتها المتهرئ يكون بمقام سقف البيت.
يحدثنا ولدها الكبير والذي يطلق عليه "بيشو" عن استعداداته ليوم غد، ويقول إنه يسعى لجمع عدد من اللافتات بغرض استخدامها غطاء لغرفة خلفية تقع عند أقصى داره.
ويلفت "بيشو" إلى أن الأمر ليس محصوراً بعائلته فقط وإنما هنالك الكثير من الأسر التي ستكون حاضرة عند ذلك المشهد غداً ولأغراض متشابهة.
وساخرا يستدرك بالقول: "سأركز على جمع لافتات النساء الجميلات حتى يصبح السقف مقبولاً وغير ممل".
aXA6IDMuMTQ0LjIxLjIwNiA= جزيرة ام اند امز