تابع العالم ما يمكنني أن أسميه "مظاهرات الخسارة"، التي مُنيت بها أحزاب إيران في الانتخابات العراقية.
إذ حاولت هذه الأحزاب الخاسرة اختراق المنطقة الخضراء والوصول إلى مقر المفوضية العليا للانتخابات، ومهما يكن من أمر، فإن القوى السياسية التي راهنت على قطع العلاقات بين الولايات المتحدة وبين العراق خسرت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وستكون علاقة العراق وأمريكا في المرحلة المقبلة معتمدة في الداخل العراقي على توجهات زعماء التيارات السياسية الموالية لإيران، الذين عليهم ومَن يتحالف معهم أن يأخذوا في الاعتبار مطالب متظاهري تشرين بإعطاء العراق صوتاً مستقلاً بعيداً عن النفوذ الإيراني.
بعد انتهاء الانتخابات العراقية كان الرضا الأمريكي واضحاً على نتائجها، فواشنطن تريد لبعض القوى أن تكون خارج المشهد السياسي، وذلك لأنها تعتبرها غطاء للفصائل المسلحة، التي تستهدف الولايات المتحدة، ولذلك فإن الولايات المتحدة سعيدة بهذا الأمر، لكن هناك خشية لديها ولدى بعض القوى السياسية من تعرض التيارات الولائية لبعض التأثيرات من مرجعيتها الدينية في إيران، لكن لا يخفى هنا أن المعادلات الدولية ليست كما كانت في السابق عندما كانت طهران تفرض شروطها على العراق وفق مصالحها.
في هذا الشأن، نتذكر جميعا أنه بعد إعلان النتائج الأولية خرجت إلى العلن بعض التصريحات شديدة الخطورة في بلد شهد حربًا بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران، ويسعى للخروج من تلك الدائرة، لكن بدا وقتها أن النتائج الانتخابية تشير إلى استمرار العنف، ويومها كان لي حوار هنا في واشنطن، حيث قال لي أحد نواب الكونجرس إن تهميش تلك الفصائل في البرلمان وفقًا للنتائج الأولية وحصولها على مقاعد قليلة ليس بالضرورة أخبارًا جيدة، بل هناك احتمالية أن تمهد نتائج الانتخابات الطريق أمام تلك الفصائل للعودة إلى العنف، كتلك القوى التي أعلنت ما عُرف بـ"الإطار التنسيقي"، الذي يضم تحالف "الفتح" و"دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" وكتائب "حزب الله" وتيارات أخرى.
موقف واشنطن من تلك الأحداث بعد الانتخابات كان على خط المؤيدين لنتائج الانتخابات النيابية العراقية، في خطوة هي الأهم بعد موقف مشابه لمجلس الأمن الدولي، فقد قالت الخارجية الأمريكية -في بيان لها- إن واشنطن ترحب بالبيان الأممي بشأن الانتخابات العراقية، وتهنئ شعب العراق وحكومته على نجاح العملية الانتخابية، التي وصفتها بـ"الآمنة والسليمة من الناحية التقنية والمسالمة إلى حد كبير"، وأضافت الخارجية الأمريكية أن "الانتخابات العراقية كانت فرصة للناخبين العراقيين لتقرير مستقبلهم من خلال حكومة تعكس إرادتهم"، مشددة على أنها "تنضم إلى المجتمع الدولي في إدانة تهديدات العنف ضد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، يونامي، ومفوضية الانتخابات والعراقيين".
ودعا البيان جميع الأطراف إلى احترام سيادة القانون ونزاهة إجراءات الانتخابات، مؤكدا أن واشنطن تتطلع إلى العمل مع الحكومة العراقية الجديدة عند تشكيلها، لتعزيز الشراكة الاستراتيجية في ما يتعلق بالمصالح المشتركة المتعددة، بما في ذلك استقرار العراق وسيادته، والتمكين الاقتصادي، وجهود مكافحة الفساد، واستقلال الطاقة، والمناخ، وحماية حقوق الإنسان.
أتباع إيران فشلوا حتى الآن في وضع تلك الأزمة، وهي خسارتهم الانتخابات، على طاولة التفاوض بين الكتل السياسية الفائزة، وفي كسر حدود العزلة السياسية، التي أصبحت تشعر بها، فلم يعد هناك من حل غير اللجوء إلى السلاح، وفي رأيي فإن فرص نجاح مبادرات الحل لا تزال ضعيفة لأسباب كثيرة، من أبرزها بقاء التأثير الخارجي الدولي والإقليمي، فالصراع الدائر الآن بين الفائزين والخاسرين في الانتخابات الأخيرة، لا يزال محكوماً بإدارة الصراع بين إيران والولايات المتحدة، كما يقال.
الخلاصة، أن الطيف الأمريكي يبدو ساطعا حتى الساعة في التأثير على قادم الأشهر في الداخل العراقي، بالرغم من أن كل المؤشرات تظهر بوضوح الانتهاء من سحب القوات الأمريكية نهاية العام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة