قراءة تحليلية في نتائج الانتخابات الإسرائيلية
فاز تكتل الليكود بالمرتبة الأولى بانتخابات الكنيست ما يعني تشكيل اليمين الإسرائيلي للحكومة، وتحقيق نتنياهو إنجازا شخصيا.
أسفرت انتخابات البرلمان الإسرائيلي - الكنيست - الحادية والعشرون التي جرت في التاسع من أبريل/نيسان الجاري، عن فوز تكتل الليكود بالمرتبة الأولى بالحصول على سبعة وثلاثين مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان البالغة مئة وعشرون مقعداً، وفوز أحزاب وكتل اليمين الإسرائيلي بستة وستين مقعداً، مقابل فوز اليسار والوسط والعرب بأربعة وخمسين مقعداً.
وبالتالي تكون الفرصة سانحة تماماً لليمين الإسرائيلي بالانفراد بتشكيل الحكومة من ناحية، ويحقق نتنياهو إنجازاً تاريخياً شخصياً بأن يتجاوز المؤسس الأول لإسرائيل، دافيد بن جوريون في فترة البقاء في هذا المنصب؛ حيث قضى الأول ثلاثة عشر عاماً في منصب رئيس الوزراء على مرحلتين من 1948 إلى 1954، ثم من 1955 إلى 1963، أما الثاني فقد قضى ثلاثة عشر عاماً في منصب رئيس الوزراء وبتشكيل الحكومة الجديدة ستتجاوز فترة بن جوروين ويكون الأكثر بقاء في السلطة على رأس الحكومة على الإطلاق.
فوز اليمين بالأغلبية
وكما كان متوقعاً فقد فاز معسكر اليمين بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً، بل إن تكتل الليكود حل في المرتبة الأولى بالحصول على سبعة وثلاثين مقعداً متفوقاً على حزب كاحول لافان أو أزرق أبيض الذي حصل على ستة وثلاثين مقعداً، وذلك بالمخالفة لجميع استطلاعات الرأي العام التي أجريت على مدار الفترة السابقة على الانتخابات، ورغم أنها توقعت فوز معسكر اليمين، إلا أنها توقعت أن يحل أزرق أبيض في المقدمة يليه الليكود.
وفي الوقت الذي بلغت فيه نسبة المشاركة العامة في الانتخابات 67,9%، فإن نسبة المشاركة العربية بلغت 51%، كما حصلت الأحزاب الصهيونية على قرابة 30% من أصوات عرب 1948، الأمر الذي هبط بعدد مقاعد القوائم العربية إلى عشرة مقابل ثلاثة عشر مقعداً في الانتخابات السابقة التي جرت على عام 2015، وهو مؤشر على زيادة حدة الانقسامات داخل صفوف عرب 48، إضافة إلى ما يطلق عليه ارتفاع مؤشر "الأسرلة" بينهم أي الإحساس بالانتماء لإسرائيل أكثر من الهوية العربية.
ووفق القوانين الأساسية التي تحكم إسرائيل، نظراً لعدم كتابة دستور للدولة العبرية حتى اليوم في انتظار التحديد النهائي للحدود، فسيجري الرئيس الإسرائيلي رؤوفين روبين مشاورات مع الأحزاب والكتل الإسرائيلية المختلفة لمعرفة رأيها في زعيم الكتلة أو الحزب المفضل لديها لتشكيل الحكومة، ومن حاصل حساب عدد المقاعد التي تقول إن اليمين حصل على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة، فيتوقع أن يكلف الرئيس الإسرائيلي رأس قائمة الليكود بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة في غضون أسبوع من بدء المشاورات عقب إعلان نتائج الانتخابات ويمنحه أربعة أسابيع لتشكيل الحكومة، ويمكن في حال التعثر أن يمنحه أسبوعاً إضافياً من أجل الانتهاء من تشكيل الحكومة.
تشكيل الحكومة
وفي تقديري، فإن نتنياهو سيتمكن من تشكيل الحكومة بسلاسة، خاصة أن تجارب تشكله للحكومات السابقة تكشف عن قدرته على تلبية مطالب اليمين الديني التي تتمثل عادة في مطالب مالية ومكاسب للمتدينين وطلبة المدارس الدينية، ومن ثم سيصبح رئيس الوزراء الأطول بقاء في السلطة بإسرائيل على الإطلاق متجاوزاً المؤسس الأول للدولة العبرية دافيد بن جوريون، ويبدأ في عملية ما نطلق عليه التأسيس الثاني لإسرائيل.
فإذا كان التأسيس الأول تم على يد بن جوريون بقبوله قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 ثم خوضه حرب 1948 مع الجيوش العربية والسيطرة على نصف المساحة التي خصصها القرار لإسرائيل، فإن نتنياهو يعد المؤسس الثاني لإسرائيل، نظراً لتمكنه من تحقيق الأمن للدولة والمواطن هناك وتصدير الأزمات للجانب الفلسطيني وحالة الانهيار التي يمر بها العالم العربي وطبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس ترامب، فقد تمكن نتنياهو على مدار الشهور الماضية من الحصول على قرار أمريكي بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وما ترتب عليه من قرار بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتوالي قرارات الدول بنقل سفاراتها إلى القدس.
ومن ثم فقد أخرج نتنياهو القدس من دائرة المفاوضات واستبعدها من الحل النهائي بعد أن ظلت مطروحة على مائدة التفاوض، وكانت ملفاً من ملفات التفاوض النهائي الخمسة مع المستوطنات، اللاجئون، المياه والحدود. وبعد ذلك بأيام حصل نتنياهو على قرار أمريكي جديد بضم الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل، ومن ثم فقد أضاف القرار الأمريكي مرتفعات الجولان السورية المحتلة بقوة السلاح في عدوان يونيو 1967 إلى "الدولة العبرية".
وخلال الحملة الانتخابية أعلن نتنياهو صراحة أنه في حال فوز معسكره بالانتخابات وتمكنه من تشكيل الحكومة الجديدة سيقوم مباشرة بضم الكتل الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهو يتحدث هنا عن ضم حوالي 40% من مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل، وذلك في تطبيق عملي لما سمي بصفقة القرن التي ستحقق جميع المطالب الإسرائيلية وتقزم الحقوق الفلسطينية كثيراً، ولنا أن نتصور أن قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 كان قد خصص نحو 46% من مساحة فلسطين للدولة العربية و53% للدولة العبرية و1% يتم تدويله وهي منطقة القدس.
ورغم أن القرار كان مرفوضاً من قبل زعماء الجماعات اليهودية كافة بمن فيهم بن جوريون، لأن القرار لم يمنح القدس لليهود ولا مدينة الخليل حق قبر إبراهيم أبوالآباء، فإن بن جوريون بذل جهداً كبيراً في إقناع قادة الجماعات اليهودية بقبول القرار لدخول الأمم المتحدة، واعتماداً على ما توقعه من رفض العرب، وقد تحقق ما توقعه فانتهت حرب 1948 وإسرائيل عضواً بالأمم المتحدة، وزادت مساحتها بمقدار النصف على حساب المساحة المخصصة للدولة العربية.
وقامت إسرائيل باحتلال ما تبقى من أرض فلسطين في عدوان يونيو 1967، وشبه جزيرة سيناء من مصر ومرتفعات الجولان السورية وأجزاء من لبنان والأردن. وقد تمكنت مصر من استعادة سيناء كاملة (64 ألف كم مربع) ومنذ عام 1991 بدأت المفاوضات بين إسرائيل وسوريا، لبنان والأردن والوفد الفلسطيني من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، وجرى توقيع اتفاق أوسلو بين إسرائيل والوفد الفلسطيني، كما توصل الأردن على اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1994، وقد وصل المساران الفلسطيني والسوري إلى طرق مسدودة.
حتى وقع الانقسام الفلسطيني ما بين فتح وحماس واندلع الصراع بينمها، ودخلت سوريا في حرب أهلية وواصلت إسرائيل سياسة فرض الأمر الواقع حتى وصلنا إلى الحال اليوم الذي نسميه بالتأسيس الثاني لإسرائيل، وذلك عبر قتل قضايا الوضع النهائي من خلال إخراج قضايا القدس، واللاجئين، والمستوطنات من المفاوضات، والإبقاء على قضية الحدود فقط، وهي قضية مطروح تسويتها وفق إطار إقليمي يتضمن تبادلاً للأراضي تخرج منه إسرائيل بنحو 90% من مساحة فلسطين التاريخية ( حوالي 25 ألف كم مربع) وتنزوي الدولة الفلسطينية إلى مجرد قطع متناثرة من الأرض تسمى دولة ولكنها محرومة من سمات الدولة وعلى رأسها السيادة.
نجاح معسكر اليمين في إسرائيل بقيادة نتنياهو جاء بفعل تمكنه من فرض رؤيته وتحقيق الأمن لدولته ومواطنيه، وتصدير الصراع والحروب إلى الدول المجاورة، والوصول إلى صفقة مع إدارة ترامب تتحقق من خلالها الرؤية الإسرائيلية بالكامل، وهي ما يطلق عليها صفقة القرن، تحقق شق منها بقرارات أمريكية أحادية، وينتظر تشكيل نتنياهو لحكومته الجديدة من أجل تسويق ما تبقى منها، وإذا ما تحقق فسيتحقق ما أسميناه بالتأسيس الثاني لإسرائيل.
الدكتور عماد جاد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية