بين السخرية والوعي بتغير المناخ.. أزمة الكهرباء في مصر
"عندما توفي أديسون مخترع الكهرباء عام 1931م تم إطفاء جميع كهرباء العالم لمدة دقيقة تكريما له ومازالت مصر ولبنان تكرم الرجل اليوم"
تعليق على صفحته في "تويتر" يسخر فيه الملياردير المصري ورجل الأعمال نجيب ساويرس من الانقطاع المتكرر للكهرباء في مناطق عديدة بمصر ولساعات طويلة خلال الأيام الماضية بداعي تخفيف الأحمال بسبب الارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة والتي تجاوزت في بعض المناطق بمصر 45 درجة مئوية.
كثير أيضا من تعليقات المصريين انطلقت تحت هاشتاقات كثيرة أطلقها نشطاء التواصل الاجتماعي من بينها "#بيان هام"، و"#وزارة الكهرباء"، و#قاطع النور"، تعقيبا على بيان أصدرته الشركة القابضة لكهرباء مصر(حكومية) لتوضيح ما يتعلق بدورية انقطاع الكهرباء في المدن والمحافظات المصرية ابتداء من منتصف ليل السبت 23 يوليو/تموز 2023، وللتحذير من استعمال المصاعد في فترات معينة قد تقطع فيها الكهرباء حافظا على سلامة المواطنين.
وفي نفس السياق قال حساب يدعى "مزيد": "هناك مزيد من الإقبال على شراء الكشافات للتغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء صاحب ذلك زيادة في أسعارها بمقدار 10%......".
وكتبت "نهال" ساخرة: "لما تتصل بشركة الكهرباء وتسألهم يعني أيه تخفيف الأحمال في الكهربا ده – يعني ساعة تروح وساعة تيجي"
في المقابل كتب حساب "عبدالواحد عاشور": "الخلاصة في موضوع انقطاع الكهرباء إن شوية (بعض) موظفين غير أكفاء أساءوا لواحد من أعظم إنجازات (الرئيسي المصري عبدالفتاح السيسي) في البنية التحتية وهو محطات الكهرباء التي أصبحت نموذجًا يحتذى في الدول النامية".
وما بين السخرية من الانقطاعات المتكررة للكهرباء وزيادة معاناة المصريين في ظل درجات حرارة مرتفعة والحاجة إلى تشغيل أجهزة التهوية والتبريد ومزيد من استهلاك المياه (يعتمد أغلبها على أجهزة الرفع التي تعمل بالكهرباء) يطرح السؤال نفسه عن مدى وعي المصريين بتداعيات التغير المناخي التي من بينها الموجات القياسية في ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم.
"حدث ما كنت أخشاه"
يقول الدكتور هاني النقراشي عضو المجلس العلمي الاستشاري للرئيس المصري، تعقيبا على الشكاوى المتكررة من المصريين بشأن انقطاعات الكهرباء: "حدث ما كنت أخشاه.. وهو زيادة استهلاك الكهرباء بالتوازي مع زيادة النشاط البشري أثناء النهار الذي أطال زمنه التوقيت الصيفي".
ويضيف "النقراشي" في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن اختراع التوقيت الصيفي لزيادة زمن النور الطبيعي توفر الإضاءة في المناطق التي لا تستعمل التكييفات، أما زحزحة النشاط الإنساني إلى وقت النور الطبيعي في الأماكن الحارة فيتبعه زيادة استعمال التكييفات التي تستهلك كهرباء أكثر من الإضاءة بمراحل.
واستدرك عضو المجلس العلمي الاستشاري للرئيس المصري "لكن تقليد الأوروبيين دون عمل دراسة عن ظروفنا أوقعنا في هذه الأزمة".
وعن حل الأزمة قال "النقراشي": "الحل موجود واسمه مخطط خميسة لأنه لا يحتاج لغاز في الصيف وأشعة الشمس الذهبية توصيل باب محطة الكهرباء وهذه المحطة قريبة من المستهلك فلا يتضرر من فاقد نقل الكهرباء".
وتابع: "فوق كل ذلك تتيح تحلية ماء البحر بفائض حرارتها دون إنقاص كهربائها، أي تقريبا مجانا".
وأكد أن "من يفكر بعد ذلك في رفض كل هذه المزايا ويفضل حرق الغاز؟ طبعا الذي يراعي مصلحة المواطن".
التغير المناخي في مصر
يبدو العمل على ملف المناخ والتغير المناخي في مصر رسميا ونخبويا أكثر منه عمل شعبي تشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني والعمل الاهلي، رغم حملات توعية على استحياء تتعلق بتغير المناخ وترشيد الاستهلاك والحفاظ على البيئة وهي حملات تطلقها وزارة البيئة المصرية بين وقت وآخر.
وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات في مصر (www.sis.gov.eg) فإن مصر تتعامل مع قضية التغيرات المناخية باهتمام كبير ، وتدرس تطوراتها على مصر أولاً ثم على المنطقة وعلى مختلف دول العالم.
ولأن مصر من الدول النامية المتأثرة بظاهرة التغيرات المناخية، فإن سياستها في هذا الملف تتجه لرفض أي التزامات إجبارية على الدول النامية لمواجهة أثار هذه الظاهرة وتؤكد على مبادئ إعلان ريو دي جانيرو وخطة عمل بالي، وبخاصة فيما يتعلق بالمسئولية المشتركة والمتباينة بين الدول المتقدمة والنامية.
وفيما يتعلق بمسئولية الجهات المعنية بالتلوث في تحمل تكلفة التلوث، والتأكيد على الدول المتقدمة للوفاء بالتزاماتها لنقل التكنولوجيا والتمويل وبناء القدرات للدول النامية وعدم التنصل من هذه الالتزامات بسبب الأزمات المالية العالمية.
وتقول الهيئة إن مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر الناتجة عن تأثيرات التغيرات المناخية ، على الرغم من أنها من أقل دول العالم إسهاما في انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى عالميا، بنسبة 0.6% من إجمالي انبعاثات العالم، طبقا للبيانات الواردة بالإبلاغ الأخير لمصر حول حجم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، والذى تم في إطار قيام مصر بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي وقعت عليها مصر عام 1994، وكذلك بروتوكول كيوتو، الذى قامت مصر بالتصديق عليه عام 2005، ويتضمن تقديم تقارير الابلاغات الوطنية من كل الدول الموقعة على الاتفاقية كل 5 أعوام.
وتوضح مصر أهدافها الاستراتيجية لخطة المناخ في 5 نقاط:
- تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات.
- بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ.
- تحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ .
- تحسين البنى التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، والترويج للأعمال المصرفية الخضراء المحلية، وخطوط الائتمان الخضراء، إلى جانب الترويج لآليات التمويل المبتكرة التي تعطي الأولوية لإجراءات التكيف.
- تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي لمكافحة تغير المناخ، وتسهيل نشر المعلومات المتعلقة، وإدارة المعرفة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، وزيادة الوعي بشأن تغير المناخ بين مختلف أصحاب المصلحة (صانعي السياسات والقرارات، والمواطنين، والطلاب) .
تصور الجمهور وتغير المناخ
وفي دراسة بحثية حول وعي المصريين بالتغير المناخي حملت عنوان "تصور الجمهور لتغير المناخ والإدماج والإشراك في مصر: منظور سياسي" للباحثتين المصريتين الدكتورة جيهان حسن مستشارة في شؤون البيئة والطاقة والخبيرة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة، والدكتورة هيام الشربيني الخبيرة والباحثة في تغير المناخ أن مصر من أشد البلدان تعرضا لآثار تغير المناخ.
وتقول الباحثتان في الدراسة إن الحكومة المصرية اتخذت خطوات ملموسة من أجل التصدي للتحديات والمخاطر التي يفرضها تغير المناخ، وكان آخرها إصدار الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050. وتتناول الاستراتيجية قضايا مفصلية رئيسية في هذا القطاع وتتصدى في الهدف الخامس لتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة ورفع الوعي لمكافحة تغير المناخ.
وتنصح الدراسة بتصدي الحكومة لتصورات الجمهور ووعيه واستعداده للعمل، وأن تدمج من خلال ذلك هذه الاعتبارات في الخطط الوطنية وعملية صنع القرار، معتبرة أن فهم تصورات الجمهور أمر حاسم في الحث على العمل المناخي، وتطوير سياسات فعالة واستراتيجيات اتصال لتعزيز المشاركة العامة.
ويستقصي هذا التعليق التصورات الشعبية عن تغير المناخ في مصر ويقدم توصيات للتواصل بشأن تغير المناخ لتحسين وعي الجمهور ومعرفته، بهدف دفع العمل المناخي الشامل والعادل.
وتعترف الدراسة بنقص واضح في معرفة الأسباب الدقيقة لتغير المناخ عند الجمهور المصري، الذي لم يكن الرابط بين الأفعال اليومية (مثل قيادة السيارة)، وتغير المناخ راسخًا أو واضحًا مباشرة بالنسبة له، مشيرة أن لهذا العديد من الاّثار المترتبة بالنسبة للتواصل بشأن تغير المناخ، والذي ينبغي أن يُبرز الحقائق الأساسية حول أسبابه وتأثيراته الرئيسية.
الطاقة المتجددة وأزمة الكهرباء
مؤخرا اتجهت مصر باتفاق مع روسيا لإنشاء محطة الضبعة النووية لإنتاج الطاقة الكهربية اتساقا مع استراتيجيتها المناخية وبحثا عن مصادر متجددة للطاقة إلى جانب جهود أخرى لإنتاج الطاقة النظيفة من الطاقة الشمسية والرياح وغيرها.
وتتضمن مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر الجاري تنفيذها مشروعات الطاقة الشمسية تحت الإعداد وتشمل محطات شمسية وخلايا ضوئية بقدرة أكثر من 1170 ميغاواط، علاوة على مشروعات طاقة الرياح تحت التطوير في منطقة خليج السويس بطاقة 1700 ميغاواط.
يرى الدكتور ماهر عزيز استشاري الطاقة والبيئة، عضو مجلس الطاقة العالمي، أن مصر أعدت نفسها للدخول فى سباق الطاقة النووية بنسبة 4% عام 2030، من خلال اختيار 6 مناطق أخرى لإنشاء محطات نووية عليها غير الضبعة، محذرًا من عرقلة هذا الاتجاه للمحطات النووية، وإلا تعرضنا كدولة لأخطار تصل إلى محو الأمة من جذورها، في حالة حدوث أزمات جديدة للطاقة.
وأضاف "عزيز" أن على مصر تنويع مصادر الطاقة كاختيار جوهري، من خلال خطة قومية وطنية لإحلال مصادر الطاقة الحالية، والوصول إلى 42% من خليط الطاقة الجديدة والمتجددة بحلول عام 2035، سواء من الطاقة الشمسية أو الرياح.
وتتعدد مجالات خفض الانبعاثات والنتيجة واحدة، وهي حماية الأجيال المقبلة من الآثار السلبية لظاهرة التغيرات المناخية، التي من شأنها تغيير خريطة الغذاء والمرض والمشروعات، لذا وجب على الشعوب التعاون والتأمل في سبل التعامل معها.
وزارة البيئة المصرية بدورها تبذل جهودا باتجاه رفع الوعي البيئي خاصة بالتغير المناخي للجمهور ووقعت مصر الشهر الماضي ممثلة في جهاز شؤون البيئة بروتوكولا للتعاون بين الجهاز وهيئة الشبان العالمية، للتعاون فى مجالات التنمية المستدامة - دمج المجتمع بطوائفه وخاصة المرأة فى مجال العمل البيئي التوعية البيئية و تغير المناخ و التنوع البيولوجى وحملات التشجير وحملات تنظيف نهر النيل والشواطىء من المخلفات البلاستيكية أحادية الاستخدام و منظومة المخلفات الصلبة.
وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة المصرية على أن توقيع البروتوكول نموذج لاهتمام الوزارة بتعزيز الاستثمار البيئي من خلال الاستثمار في البشر، وحشد المشاركة المجتمعية من مختلف أصحاب المصلحة.
وأوضحت أن التعاون سيشمل تقديم الدعم اللوجيستى والفني لهيئة الشبان العالمية من خلال الخبراء فى كافة المجالات البيئية ، بالإضافة إلى تنظيم عدد من الدورات التدريبية والتأهيلية للشباب والمتطوعين لكافة فئات المجتمع المهتمة بالقضايا البيئية، وذلك لتعزيز العمل التطوعي في مجال البيئة والمناخ.
aXA6IDE4LjIxOC4yNDUuMTc5IA==
جزيرة ام اند امز