هل تضرب العالم مجاعة؟.. بين أتون المناخ والصراعات الجيوسياسية
حذر التقرير الصادر مؤخرا لبرنامج الأغذاء العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة، حول حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم من أن الصراع وتغير المناخ يقللان من الوصول إلى الغذاء ويزيدان من الجوع عالميا.
ويقول التقرير الذي يمثل جرس إنذار لدفع العالم والدول الغنية والممولين الدوليين نحو تعزيز كل من الاستجابة لحالات الطوارئ وبرامج بناء القدرة على الصمود، إن 734 مليون شخص يعانون الجوع في جميع أنحاء العالم، بزيادة 122 مليوناً عن عام 2019، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة الصادرة حديثًا لعام 2022.
ويأتي قرار روسيا بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، حسبما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ليثير مخاوف بشأن مجاعة عالمية، ويظهر تأثير التغيرات الجيوسياسية على مصير مليارات البشر حيث يكون الفقراء هم الأشد تأثرا ومعاناة.
ويخلق الصراع الجيوسياسي في أوكرانيا وغيرها من البقاع ومنها السودان مع ضربات التغير المناخي مزيجا كارثيا يهدد حياة ملايين البشر وينذر بكارثة تتعلق بالغذاء قد تصل بحسب مراقبين لحد المجاعة العالمية غير المسبوقة.
وكانت أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح على مستوى العالم؛ حيث كانت تمثل 10% من الصادرات، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
مجاعة عالمية
أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن اتفاقية الحبوب توقف العمل بها اعتبارًا من اليوم الثلاثاء 18 يوليو/تموز الجاري، مؤكدةً أن روسيا سحبت ضمانات سلامة الملاحة وإغلاق الممر الإنساني البحري شمال غرب البحر الأسود.
وعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم السبت 22 يوليو/تموز، جلسة طارئة لمناقشة آخر التطورات الإنسانية والسياسية الناتجة عن انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، بناء على طلب فرنسا والإكوادور ضمن إطار بند جدول الأعمال للحفاظ على الأمن والسلم في أوكرانيا.
انعكاسات القرار الروسي ستجد صداها بشكل أكبر في الدول الأكثر اعتمادا في وارداتها من القمح على روسيا خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث ينظر إلى روسيا وأوكرانيا بمثابة "سلة القمح" لمعظم احتياجات العديد من الدول في أنحاء العالم.
الخارجية الروسية أمهلت الأمم المتحدة 3 أشهر لتسهم في تخفيف العقوبات على قطاع الزراعة الروسي، وإن تمت الاستجابة لطلبات موسكو ستواصل اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، لكن ذلك لم يهدئ من مخاوف وقوع مجاعة عالمية، لتصبح الاتفاقية ورقة ضغط سياسية تدفع ضريبتها الدول الفقيرة، والأكثر احتياجا للحبوب.
وحذر صندوق النقد الدولي، الأربعاء 19 يوليو/تموز 2023، من أن انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب يخاطر بزيادة تضخم أسعار الغذاء، خاصة في البلدان المنخفضة الدخل.
وقال متحدث باسم الصندوق إن المؤسسة الدولية ستواصل المراقبة الدقيقة للتطورات الراهنة وتأثيرها على الأمن الغذائي العالمي.
وتقول كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية: "المنطقة أسوأ من غيرها، حيث تأثرت البلدان المعتمدة على الاستيراد بشدة بالحرب في أوكرانيا -بلغ تضخم الغذاء 30%، مما يجعل أسعار الأغذية الأساسية بعيدة عن متناول الملايين".
ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أن الدول الأكثر فقرًا التي لا تصدر النفط هي الأشد تضررًا.
وتقدر تقارير منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي أن 29.6% من سكان العالم، حوالي 2.4 مليار شخص عانوا من الوصول إلى الغذاء العام الماضي، ويشمل ذلك حوالي 900 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد وسط الأزمات المتفاقمة والمتداخلة.
نقص تمويل وأزمة مناخ
يقول تقرير برنامج الغذاء العالمي إنه "بالنسبة لنا، يضيف هذا أزمة أخرى إلى محفظة التمويل المحدودة للغاية"، ويغطي الأزمات الممتدة بما في ذلك اليمن وسوريا والآن أوكرانيا.
وتؤكد فلايشر أن التمويل لا يسمح للبرنامج بالاستمرار مع ما يقرب من 20 مليون شخص يدعمهم في كلا البلدين كل شهر، معتبرة ذلك "أمرا مأساويا وعلى هذا النطاق يهز النظام."
ويقدر برنامج الغذاء العالمي أنه يحتاج إلى 25.1 مليار دولار أمريكي للوصول إلى 171.5 مليون شخص حول العالم هذا العام.
الأمر لا يتعلق فقط بنقص التمويل، لكن الأمر يزداد سوءا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث لا تملك الموارد المالية اللازمة لإنتاج الغذاء محليًا.
ويعاني القرن الأفريقي على سبيل المثال من 5 مواسم ممطرة فاشلة، تأثر بها 23 مليون شخص، وأجبرت أكثر من مليوني شخص على النزوح، كما نفقت أكثر من 10 ملايين رأس من الماشية، وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة وأجهزتها.
وتظهر أحدث تقارير للأسعار، بحسب شبكة "سي إن إن" الأمريكية قفزة في أسعار القمح والذرة في أسواق السلع العالمية بعد انسحاب روسيا من صفقة الحبوب.
وقال آدم هودج، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، في بيان: "قرار روسيا تعليق المشاركة في مبادرة حبوب البحر الأسود سيزيد من انعدام الأمن الغذائي سوءًا ويلحق الضرر بملايين الأشخاص المعرضين للخطر في جميع أنحاء العالم".
ولا تزال أسعار القمح منخفضة بنسبة 54% عن أعلى مستوى سجلته على الإطلاق في مارس/آذار 2022 عقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بينما انخفضت أسعار الذرة بنسبة 37% عما كانت عليه في أبريل/نيسان 2022، عندما وصلت إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات.
وقالت كارولين باين، كبيرة اقتصاديي السلع في كابيتال إيكونوميكس، إن الدول الأكثر ثراءً هي أقل عرضة للتداعيات من بعض البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأضافت: "هناك الكثير من التكاليف على طول الطريق من القمح إلى رغيف الخبز، بما في ذلك النقل والمعالجة والتعبئة والعمالة"، مضيفة أن أسعار الطاقة كانت المحرك الرئيسي لتضخم أسعار الغذاء.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية في أغلب دول العالم وبشكل خاص في المنطقة العربية والشرق الأوسط بنسب 50% حسب التقارير الرسمية، في حين تتحدث تقارير حقوقية واقتصادية مستقلة عن ارتفاعات في بعض السلع تجاوزت حاجز الـ100%.
الصراع السوداني.. ضغوط على الجوار
يقول مايكل دانفورد المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في شرق أفريقيا: "يتعرض السكان الذين نخدمهم باستمرار لضغوط متزايدة.. (الصراع في) السودان قادم في أسوأ وقت ممكن، ولسوء الحظ، له تداعيات إقليمية محتملة. نحن نشهد بالفعل تحركات كبيرة من السكان إلى تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر".
دول الجوار التي يفر إليها اللاجئون السودانيون هروبا من جحيم الصراع والحرب الأهلية الدائرة هناك منذ اندلاع الصراع هناك في أبريل/نيسان الماضي، تشهد إنهاكا اقتصاديا متناميا وضغطا على مواردها الشحيحة، فمصر التي تخوض برنامجا للإصلاح الاقتصادي بالوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي وصلها حسب الأرقام الرسمية منذ أبريل/نيسان الماضي 500 ألف شخص من اللاجئين السودانيين.
أزمة السودان وضعت عبئًا إضافيًا كبيرًا على مصر التي تقدم بالفعل خدمات اجتماعية للاجئين السوريين والفلسطينيين.
وتقول المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية إنه "حتى وقت قريب، كنا نصف المنطقة بأنها مشتعلة.. الآن يبدو الأمر كما لو أن المنطقة قد غُمرت بالبنزين. في كل منعطف يبدو أن هناك حالة طوارئ أخرى، إما من خلال الصراع أو من خلال المناخ".
فلسطين وسوريا.. معاناة أكبر
تتضاعف معاناة أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري بالمنطقة أغلبهم في تركيا ولبنان والأردن، جراء تداعيات التغير المناخي التي تضرب العالم بآثارها المدمرة اقتصاديا وتأثيراتها الديموغرافية والاجتماعية.
آثار التغير المناخي سواء التصحر والجفاف ونقص المياه تقود لأزمة غذائية كبيرة للفلسطينيين والسوريين يضاف إليها ضعف التمويل الدولي، وأشار فلايشر إلى رد الفعل "الهائل" على اضطرار برنامج الأغذية العالمي لقطع المساعدات عن 2.5 مليون شخص في سوريا. وقالت: "إن الاضطرار إلى قطع المساعدة عن 40% ممن يعتمدون عليها حقًا يمثل صدمة يمكن أن يكون لها تداعيات تتجاوز حدود البلاد.. تتجاوز مجرد الجوع".
ويبدي برنامج الغذاء العالمي قلقا متزايد إزاء فلسطين، معتبرا أنها "أزمة متجاهلة".
وقال: "نحن قلقون للغاية. لقد قمنا بخفض 60% من المستفيدين لدينا ومع ذلك ليست لدينا توقعات للتمويل حتى نتمكن من الاستمرار مع 150 ألف شخص ما زلنا نخدمهم. وما يثير القلق حقًا وينبغي أن يشغل بال الجميع هو أن الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين) في نفس الوضع".
ويمثل برنامج الأغذية العالمي والأونروا معًا 30% من الناتج المحلي الإجمالي في غزة.
وقالت "الأونروا"، "إنها لن تدفع رواتب موظفيها ما لم يحصلوا على تمويل كبير ، ولن يقدموا مساعداتهم الغذائية للاجئين ما لم يحصلوا على المزيد من المال".
ويصف مسؤولو برنامج الغذاء العالمية الأزمة بالقول "هذه وصفة لكارثة في سياق سياسي متقلب للغاية ومتصاعد باستمرار".