"الحق في الإصلاح".. ثورة خضراء ضد عمالقة التكنولوجيا
"الحق في الإصلاح"، حركة مخصصة لمنح المستهلكين الحق في إصلاح أجهزتهم الخاصة، بدلاً من شراء الأحدث.
في العديد من الثقافات وخاصة الدول الغنية، وعلى مستوى الأفراد تكون عقيدة شراء الموديل الأحدث في الأجهزة الإلكترونية أو الهواتف الذكية، هي السلوك المباشر لتعطل الأجهزة أو تقادمها عن الموضة السائدة، وقد يكون أحيانا الاستبدال أقل تكلفة أو مساويا لتكلفة الشراء.
النفايات الإلكترونية، أصبحت أزمة في كل أرجاء العالم، بل أصبحت أزمة في كل منزل تقريباً، فلا يوجد أسرة إلا وتمتلك هواتف ذكية وأجهزة كمبيوتر وشاشات أو قطع متنوعة من الإكسسوارات والمعدات التي تعطلت ولم يتم إصلاحها، وغالبا ما ينتهي بها المطاف في مكبات النفايات، التي تعد أسرع تيار نفايات نموًا في العالم.
فهذه الكميات المتزايدة في استهلاك الأجهزة الإلكترونية، وبالتالي تكرار إنتاج النفايات، لها تأثيرات بيئية كبيرة، سواء من حيث زيادة عملية التعدين غير المستدامة للمعادن أو الرقائق اللازمة لإنتاج المنتجات التكنولوجية، وهذه تستهلك كميات كبيرة من الموارد الطبيعية والطاقة والمياه.
وصل حجم النفايات الإلكترونية 57.4 مليون طن في 2021، وتزيد سنويًا بمتوسط 2 مليون طن، ويُنتظر ارتفاع الحجم ليلامس 74 مليون طن بحلول 2030 وزيادة استهلاك الأجهزة الالكترونية بنسبة 3% سنوياً.
والأكثر من ذلك أن السواد الأعظم من هذه المخلفات غالبا ما تُشحن بشكل غير مشروع إلى مكبات نفايات تتوزع بين الدول النامية، مثل الصين والفلبين، وغانا ونيجيريا،
مواجهة الشركات
ولمواجهة هذا التضخم العالمي من التلوث الإلكتروني نمت جماعات "الحق في الإصلاح"، أو حركات الدفاع عن حق المستهلك في إصلاح الأجهزة في مواجهة "سلطة" شركات التصنيع وعمالقة التكنولوجيا وعلى رأسهم "أبل" و"غوغل" و"مايكروسوفت" و"تسلا"، وانتشرت هذه الحملات من دولة إلى أخرى وتكسب كل يوم أرضا جديدة ، وخاصة مع مكاسب جزئية من بعض الحكومات والتكتلات كالاتحاد الأوروبي لإقرار هذا الحق لصالح المستهلك وانتصارا للبيئة .
وأظهرت دراسات استقصائية، أن ثلثيْ الأوروبيين تقريبا، يفضلون تصليح أجهزتهم المعطلة، على شراء أجهزة جديدة، وتأمل المفوضية الأوروبية أن تصل نسب الإصلاح أو إعادة استبدال القطع غير الصالحة إلى 60% من الأجهزة.
الأثار البيئية
النفايات غير الضرورية من الإلكترونيات تمثل تهديدًا كبيرًا للبيئة، وفي ظل حالة السباق العالمي لأشباه الموصلات وخاصة من الأسواق الناشية، التي عمدت إلى التنصيع السريع والجودة المنخفضة، أو ما يسمى "المنتج الشعبي"، جعل شراء الأجهزة الجديدة أكثر جاذبية من الإصلاح، وعليه فإذا لم يتم التخلص منها بشكل صحيح، فإن السموم من النفايات الإلكترونية تدخل التربة والمياه، مما يثير مخاوف بشأن تلوث المياه، وتلوث التربة، وأكثر من ذلك.
حتى أن بعض الشركات تدفع المستهلكين إلى شراء سلع جديدة عن طريق تقليل عمر المنتجات بشكل مصطنع لفترة طويلة.
في حين أن استخدام التكنولوجيا قد حقق تقدمًا كبيرًا في الآلات، فقد جعلها أيضًا أكثر قابلية للتحكم من قبل الشركة المصنعة، ومؤخرا اتُهمت شركة Apple بإبطاء أجهزتها القديمة وإجبار المستخدمين إلى استبدال هواتفهم مما أدى إلى زيادة مبيعات الشركة إلى ملايين الأجهزة سنويًا وفقا للمحققين، وعن قصد أو بغير قصد ، استخدم المصنعون طرقًا مختلفة لجعل الإصلاح صعبًا، مثل استخدام مسامير الملكية، أو رفض نشر وثائق الإصلاح، أو لصق الأجزاء معًا.
تعتبر حركة الحق في الإصلاح، جزءًا من أيديولوجية مناهضة للاستهلاك، تعارض النزعة الاستهلاكية، والشراء المستمر للممتلكات المادية واستهلاكها، اكتسبت الحركة قوة تدريجية في الولايات المتحدة، وأوروبا، وطرحت العديد من أهداف لو تم تطبيقها وأيدتها الحكومات ستغير الكثير من الواقع بشأن النفايات الإلكترونية.
ولا عجب أن يعارض عمالقة التكنولوجيا ذلك، بمبرر " أن الإصلاح المستقل قد يؤدي إلى مخاطر أمنية ومنح الوصول الإجرامي إلى المعلومات التقنية، ومخاطر السلامة من الإصلاح غير المصرح به، ومخاطر الملكية الفكرية".
ومن أهم هذه المعايير:
• إتاحة المعلومات: يكون لدى الجميع وصول معقول إلى الكتيبات والخطط وتحديثات البرامج، وألا تحد تراخيص البرامج من خيارات الدعم وأن توضح ما يتم تضمينه في عملية البيع.
• توفير الأجزاء والأدوات: تكون الأجزاء والأدوات الخاصة بصيانة الأجهزة، بما في ذلك أدوات التشخيص، متاحة لأطراف ثالثة، بما في ذلك الأفراد.
• السماح بإلغاء القفل: على الحكومات إضفاء الشرعية على إلغاء قفل الجهاز أو تكييفه أو تعديله، بحيث يمكن للمالك تثبيت برامج مخصصة.
• استيعاب الإصلاح في التصميم: تصميم الأجهزة بطريقة تجعل الإصلاح ممكنًا.
تجارب أوروبية
تحرك الاتحاد الأوروبي وأقر في يونيو الماضي قانون يجبر الشركات على تصنيع أجهزة تتيح للمستخدمين إزالة البطاريات واستبدالها بسهولة، وخاصة الهواتف الذكية، مع التطبيق على كافة الأجهزة الإلكترونية، وبل ويحظر القانون على الشركات استخدام مواد لاصقة تعيق الوصول إلى البطارية.
مع منع الشركات من تصميم هواتف أو أجهزة تتطلب أدوات خاصة أو تدريبًا من أجل استبدال البطارية أو الوصول إليها، وأمام الشركات مهلة حتى 2027 لتوفيق أوضاعها مع القواعد الجديد، وهو القانون الذي سيؤثر على جميع الشركات العالمية المتعاملة مع أوروبا.
فقد كشفت دراسة تحليلية لمكتب البيئة الأوروبي، أن إطالة عمر الأجهزة المنزلية كغسالات الملابس والمكانس الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة بواقع عام واحد فقط لكل منها، يقلص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو أربعة ملايين طن سنويا بحلول 2030، بما يعادل كمية الانبعاثات الكربونية التي يمكن تقليصها، إذا قُلِلَ عدد السيارات سنويا في الاتحاد الأوروبي بنحو مليونيْ سيارة.
كذلك هناك مشروع RECLAIM، لتطوير آليات عمر الأجهزة الإلكترونية والمنزلية وقياس الفترة الزمنية المتبقية للمعدات في الصناعة، وتغذية فكرة الاقتصاد الدائري والصناعات التحويلية، لإطالة العمر الافتراضي للأجهزة والمعدات، مع نشر ورش الإصلاح، في مختلف أرجاء الدول الأوروبية، مع حملات لتوعية المستهلكين بكيفية التعامل وأماكن توافر هذه الخدمات.
ائتلاف "حملة حق المستهلك في تصليح أجهزته"، الذي يضم 40 منظمة معنية بهذا الأمر في 15 دولة أوروبية، إن تطورات مثل هذه التي تحدثنا عنها في السطور السابقة، تتطلب إدخال تغييرات كبيرة، على طريقة عمل الشركات المُصنعّة لتلك الأجهزة، وعلى منتجاتها كذلك.
ومن الدول التي تقر إجراءات حاسمة في مواجهة زيادة النفايات الإلكترونية، فرنسا التي تلزم المصنّعين توفير"تقييم القابلية للإصلاح" لبعض الأجهزة الإلكترونية، ولذا ينتشر بين أرجاء باريس "مقاهي تصليح الأجهزة المعطلة"، لتقديم خدمات تصليح مجانية للأجهزة الإلكترونية والمنزلية، من خلال إتاحة الفرصة للسكان للقيام بذلك بأنفسهم، تحت إشراف متطوعين متحمسين لذلك، وبإرشادات منهم كذلك.
وكذلك المملكة المتحدة تلزم الشركات بتوفير قطع غيار للمنتجات للمستهلكين، مما يؤدي لإمكانية إطالة عمر المنتجات حتى 10 سنوات وقد يقلل 1.5 مليار طن من النفايات كل عام.
وفي الولايات المتحدة وقع الرئيس جو بايدن، قرارا تنفيذيًا، في وقت سابق من هذا العام، لحماية أفضل للمستهلكين للإصلاحات، وقررت لجنة التجارة الفيدرالية تطبيق القوانين بشكل أفضل حول الحق في الإصلاح، من أجل اقتصاد أكثر اخضرارًا، في حين أقرت ولاية نيويورك قانون حق المستخدمين إصلاح أجهزتهم التي تنتجها شركات التكنولوجيا بمختلف أنواعها بأنفسهم دون اللجوء إلى مراكز الصيانة، وتسهيل ذلك بتمكين وتوفير سبل غير متلفة لتفكيك المنتج ومخططات الصيانة وقطع الغيار الأصلية.
aXA6IDE4LjIxOC4xMS4yMTEg جزيرة ام اند امز