بيل غيتس وإيلون ماسك.. الحكمة في مواجهة العاصفة

لكل ملياردير فلسفته الخاصة: فبينما يُفضّل بيل جيتس إدارة الأمور بدقة مهندس برامج، يفضل إيلون ماسك أن يضغط على زر الابتكار حتى ينفجر كل شيء (مجازياً طبعاً!).
كلاهما يرفع راية الكفاءة، لكن يبدو أن تعريف الكلمة يختلف حسب رصيد البنك ورؤية الكوكب التالي الذي ينوي أحدهم استعمارَه. والسؤال الحقيقي: من ينجز المهمة بأقل عدد من الحرائق خلفه؟"
على مدار السنوات الماضية، ظل التنافس محتدما بين بيل غيتس، وإيلون ماسك، وكان لكلٍّ منهما مفهومه الخاص حول معنى العطاء.
ويخطط غيتس لزيادة تبرعات مؤسسته الخيرية لقضايا مثل الصحة العامة والتعليم على مدى العقدين المقبلين، بينما استخدم ماسك منصبه كرئيس لإدارة الكفاءة الحكومية ضمن إدارة البيت الأبيض ليوقف تدفق إنفاق المساعدات الخارجية الأمريكية بالكامل تقريبًا، ويحل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي وصفها بـ"منظمة إجرامية".
هذا النهج يعكس كيف كان لهذين المليارديرين أسلوبا مختلفا تمامًا في تفسير كفاءة الإنفاق، ماسك لخفض الإنفاق الحكومي، وغيتس للقضاء على الأمراض التي يمكن الوقاية منها بإنفاق ثروته.
سياسة مختلفة في العطاء
ويستخدم غيتس خارطة طريق مطولة، مقارنةً بنهج ماسك القائم على الإسراع في التغيير، والذي دفعه إلى التعهد بخفض الإنفاق الحكومي بمقدار تريليوني دولار من خلال استخدام أساليب تتبعها الشركات الناشئة.
ويقول مايكل موريس، الأستاذ في كلية كولومبيا للأعمال، لصحيفة بيزنس إنسايدر، "تنجح الإدارة بقطاع التكنولوجية عندما يُحدث منتج جديد ثورة في سوق المنتجات ، وتنجح برامج التطوير بشكل أفضل عندما تتوفر الاستمرارية والثبات والقدرة على التنبؤ والثقة".
ويقول مايكل موريس، إن "نهج غيتس يعكس ما اكتسبه من نضج في التفكير في المشكلات، في تحول كبير يعيشه، مقارنة بالفترة التي كان يُعتبر فيها غيتس قائدًا عدوانيًا ومتغطرسًا في مايكروسوفت، حتى لو كان يُشاد به كمبتكر بارع".
هل يلعب بيل غيتس دور البطل في مواجهة الشرير إيلون ماسك؟
في زمن مضى، كان غيتس يوصف في مايكروسوفت بأنه قائد متسلط وصدامي، بحسب بيزنس إنسايدر. لكن سرعان ما تتلاشى تلك الصورة عند مقارنته بماسك، فقيادة غيتس ترتكز على الحوار والشراكة، إذ يعرف عنه رغبته الدائمة في معرفة آراء فريقه، وفق فوربس. ويبدو أنه يتبع فلسفة مفادها أن في التأني السلامة أو الانتصار، حتى أن تقرير بيزنس إنسايدر يشبهه بـ "السلحفاة التي ترتدي نظارات" أمام ماسك "الأرنب الذي يحمل منشارا"، وذلك في استعارة لقصة نعرف جميعا نهايتها.
كما سبق وأن تعرضت مؤسسة غيتس أيضًا لانتقادات لافتقارها إلى الشفافية ولبعض أولويات إنفاقها، ويقول موريس، "يبدو غيتس اليوم حكيمًا مقارنةً بماسك والإدارة الأمريكية".
وأعلن غيتس الأسبوع الماضي عن خطط لتصفية مؤسسة غيتس خلال العشرين عامًا القادمة، مما يُنهي جهودها الخيرية في وقت أبكر مما كان متوقعًا، بهدف أساسي هو تسريع الإنفاق لتسريع حل القضايا الإنسانية.
لذلك زاد غيتس من إنفاق مؤسسته، حيث تخطط المؤسسة لتوزيع 9 مليارات دولار في عام 2026، ويأمل غيتس أن تُضاعف المؤسسة مبلغ الـ 100 مليار دولار الذي تبرعت به منذ تأسيسها عام 2000، وأن تتبرع بمبلغ 200 مليار دولار أخرى لقضايا الصحة العامة والتعليم بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2045.
على الجانب الآخر، في غضون أيام من إنطلاق عملها رسميا، سحبت إدارة الكفاءة الحكومية التي استحدثها ترامب وتولى قيادتها إيلون ماسك، البساط من تحت أقدام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في وقت سابق من هذا العام.
وتم تعطيل التمويلات التي كانت تتيحها الوكالة، مما أدى إلى حالة من الارتباك والفوضى، والآن تم تخفيض أكثر من 80% من التزامات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التعاقدية التي تبلغ عشرات المليارات من الدولارات.
ونتيجة لذلك، أصبحت تكافح الآن المنظمات في مختلف أنحاء العالم التي كانت تعتمد على الأموال من الولايات المتحدة لمحاولة تنفيذ مهامها، والتي تشمل توفير الغذاء الطارئ للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والأدوية للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وعلاجه.
وكان الرئيس دونالد ترامب هو من أطلق العنان لماسك لتقليص إنفاق الحكومة الفيدرالية وهدرها للمال عبر استحداث إدارة الكفاءة الحكومية DOGE.
وفي خطوة يرى العديد من خبراء الدستور أنها تجاوزت صلاحيات الإدارة بتجاوزها الكونغرس، ركزت DOGE على خفض التكاليف الآن، بغض النظر عن تأثيرها طويل المدى على أكثر سكان العالم ضعفًا.
في حين أن خطة غيتس المختلفة، بإختصار الجدول الزمني لإغلاق المؤسسة الخيرية للملياردير الشهير، تهدف لحل المشكلات بسرعة أكبر وجعلها من الماضي.
تناقض صارخ في نهج الكفاءة
ويظهر جزء من التناقض الصارخ بين ماسك وغيتس من اختلاف نهجيهما تجاه "الكفاءة"، عبر أسلوب إدارة "DOGE"، الذي يعتمد به ماسك على النهج المرن الذي تعشقه شركات التكنولوجيا الناشئة - بالتركيز على رشاقة الأداء وإنجاز المزيد بموارد أقل تحت قيادة مؤسسية.
ولا يُترجم هذا بالضرورة بشكل جيد في القطاع الحكومي، فقد قال خبراء إدارة لبيزنس انسايدر، أنهم اعتبروا إطلاق وزارة "DOGE" قرار مليء بالتهور السياسي.
في حين تتمثل فكرة مؤسسة غيتس عن الكفاءة في تقديم المساعدات الإنسانية باستخدام عقلية صناعة التكنولوجيا القائمة على البيانات، إلى جانب خبرات المنظمات التي تعمل مباشرةً مع المحتاجين.
وفيما يتعلق بالعطاء، تقول فاطمة سومار، المحاضرة المساعدة في السياسات العامة بكلية كينيدي بجامعة هارفارد، إن جهود غيتس "نموذجٌ قابلٌ للتكرار للعمل الخيري طويل الأمد القائم على البيانات والمتوافق مع احتياجات كل بلد، والذي يمكن للآخرين اتباعه، وحتى الآن، قليلون هم من يفعلون ذلك".
وليس من قبيل المصادفة أن يأتي تدفق التمويل من مؤسسة غيتس في وقت تتراجع فيه الحكومات عن ذلك، وقد قرن غيتس إعلانه بسخرية من ماسك، حيث قال غيتس لصحيفة نيويورك تايمز، عندما أشار المُحاور إلى أن ماسك قد انضم إلى "تعهد العطاء"، وهو مبادرة أطلقها غيتس ووارن بافيت قبل 15 عامًا لتشجيع الأثرياء على التبرع بمعظم أصولهم للأعمال الخيرية، وقال غيتس، "تعهد العطاء، جانب غير مألوف في ماسك".
وتابع غيتس تصريحاته بقوله "من يدري؟ قد يصبح لاحقًا فاعل خير عظيم، ولكن في هذه الأثناء، تورط أغنى رجل في العالم في وفاة أفقر أطفال العالم".
ما الدرس الذي يمكن استخلاصه من تجربة غيتس؟
ببساطة، أن ثقافة "التحرك بسرعة وتكسير الحواجز" ليست دائما الخيار الأمثل، وخاصة حين يتعلق الأمر بإدارة مؤسسات حساسة أو حكومية. غالبا ما يفضي الاندفاع إلى نتائج كارثية، لكن البطء لا يعني ضمان النجاح أيضا. جيتس كان مدركا لتلك المعادلة منذ زمن، فالمخاطرة تظل جزءا من المعادلة. ففي عام 2013، راهن بمبلغ 5.5 مليار دولار في محاولة جريئة للقضاء على شلل الأطفال، وهي مبادرة كان من الممكن أن تعود بصفر مكاسب، لكنها أثمرت نتائج ملموسة. لا يزال شلل الأطفال يمثل تحديا في بعض المناطق، إلا أن أثر تدخل غيتس كان جوهريا وأسهم في تغيير قواعد اللعبة.
يرى بيل غيتس أن حالة اللايقين ليست ضعفا في الخطة، بل جزء أصيل من قوتها، شريطة أن يقابل هذا الغموض بحسابات دقيقة ومتأنية. فعندما قرر خوض معركة شلل الأطفال، لم يكن قراره نابعا من فراغ، بل استند إلى الدرس الأكبر في تاريخ الصحة العامة، وهو تجربة القضاء الكامل على الجدري، المرض الوحيد الذي استطاع البشر محوه من الوجود. في هذا المسار، يعيد غيتس تذكيرنا بأن التروي والدراسة المتأنية — حين تقرن بالشجاعة والمخاطرة المحسوبة — يمكن أن تكون الطريق الأمثل للتغيير الحقيقي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzkg جزيرة ام اند امز