اللغز الأكبر في الكون.. "العين الإخبارية" تستعرض محاولات حل شفراته
يقدر العلماء أن ما يصل إلى 85٪ من كتلة الكون غير مرئي، حيث افترضوا منذ زمن بعيد وجود ما يعرف بـ"المادة المظلمة".
هذه المادة لا يمكن رؤيتها بشكل مباشر عبر التلسكوبات لأنها لا تتفاعل مع الضوء بنفس طريقة تفاعل المادة العادية التي تتكون منها النجوم والكواكب والحياة على الأرض.
ويقول د.محمد شاكر، الأستاذ بقسم الفلك بكلية العلوم جامعة القاهرة لـ"العين الإخبارية"، إن الاهتمام بهذه المادة المظلمة يعود إلى ما قبل أكثر من 60 عاما، حيث تنبه الفلكيون إلى دوران النجوم في مجرة درب التبانة حول مركز المجرة بسرعة أكبر مما تتوقعه النظريات والحسابات الفلكية.
ويوضح أن بعض الفلكيين ذهبوا إلى القول أنه "إذا كانت سرعة النجوم تعتمد على الجاذبية الناتجة عن كتلة المجرة ككل، فهذا يعني وجود كمية من مادة أكبر من المادة المرئية لنا، وأطلقوا عليها (المادة المظلمة)، وأحيانا (المادة الغامضة)، فيما يحلو للبعض أن يطلق عليها (الأجسام المراوغة)، لأنها منذ ظهرت النظريات التي تتحدث عن وجودها، هناك صعوبه في رصدها والإمساك بها".
ورغم الصعوبة في رصد هذه الأجسام المراوغة، فإن العلماء نجحوا خلال الـ5 السنوات الأخيرة في تحقيق بعض التقدم في هذا الإطار، بما قد يمكنهم من قياسها وحل لغز كبير يوصف أحيانا بأنه "اللغز الأكبر" في الكون.
وتستعرض "العين الإخبارية" في هذا التقرير بعض من التقدم الذي تحقق في هذا الإطار.
عدسات الجاذبية الضعيفة
أحدث النجاحات كانت من جامعة سوينبرن للتكنولوجيا في أستراليا، حيث استخدم الباحثون في دراسة نشرت بالعدد الأخير من مجلة "الإخطارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية"، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما يعرف بتأثير عدسات الجاذبية الضعيفة، وهي سمة من سمات نظرية النسبية العامة لأينشتاين.
ويقول البروفيسور المساعد إدوارد تايلور، الذي شارك في البحث المنشور على الموقع الإلكتروني لجامعة سوينبرن: "ستشوه المادة المظلمة صورة أي شيء خلفها قليلاً جدًا، لأن التأثير يشبه إلى حد ما قراءة صحيفة من خلال قاعدة كأس نبيذ".
ويوضح تايلور الفكرة مضيفا: "نعرف كيف تتحرك النجوم والغازات داخل المجرات، لذلك نعرف تقريبًا الشكل الذي يجب أن تبدو عليه تلك المجرة، وبقياس مدى تشوه صور المجرات الحقيقية، يمكننا حينئذٍ معرفة مقدار المادة المظلمة التي ستستغرقها لشرح ما نراه".
ومن خلال هذا الطريقة الجديدة في رؤية المادة المظلمة، يأمل فريق جامعة سوينبرن في الحصول على صورة أوضح لمكان المادة المظلمة، والدور الذي تلعبه في كيفية تشكل المجرات.
غازات ساخنة لم تدرس من قبل
وفي محاولة للاقتراب أكثر من ماهية هذه المادة المراوغة، تعتقد دراسة لباحثين من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي أنها وضعت قدما في هذا الإطار بعد تحليل بيانات 20 عاما من تطوّر الغاز بالبنية الخيطية للشبكة الكونية، حيث توصلوا إلى أنها مخبأة على هيئة غاز ساخن بالشبكة الكونية المعقدة.
ووفق هذه الدراسة التي نشرت في العدد الأخير من مجلة "الفلك والفيزياء الفلكية"، فإن المجرات تتوزع في أنحاء الكون على هيئة شبكة من العقد المتصلة بواسطة خيوط، تفصل بينها فراغات، تعرف باسم "الشبكة الكونية"، ورجحوا أن الجانب الخفي من الكون مختبئ في هذه الشبكة.
وبمزيد من التفصيل أوضحوا أن الخيوط تحتوي على المواد الكونية المعروفة باسم "الباريونات"، وهي جسيمات دون ذرية مركبة، تلعب دورا رئيسيا في جعل "الشبكة الكونية" أكثر ترابطا وأقل وضوحا، علما أن الإشارات التي تصدر عنها ضعيفة جدا.
ومن خلال مراجعة انبعاثات الأشعة السينية لخيوط الغاز إلى جانب معلومات عن الترتيب الفيزيائي لنحو 15000 خيط، وعبر تحليل الأشعة السينية، تمكّن الفريق من التأكيد على أن هذه الخيوط تتضمن كميات هائلة من الغازات الساخنة التي لم تدرس من قبل.
المجرات الميتة
وبالإضافة للمحاولتين السابقتين، كانت هناك محاولة في 2015 للاقتراب من تلك الأجسام المراوغة، ولكنها لم تكن بنفس دقة وتفاصيل هذه المحاولات.
واستخدم الباحثون في تلك المحاولة التي نشرت تفاصيلها بالتقرير الشهري للجمعية الفلكية الملكية في 20 يوليو/تموز 2015، محاكاة حاسوبية قوية لدراسة المجرات التي تنتمي إلى (عنقود كوما)، الذي يضم آلاف المجرات المرتبطة معاً بفعل الجاذبية، وخلصوا من هذه المحاكاة إلى امتلاكها كمية كبيرة من المادة المظلمة.
وتمتلك المجرات في عنقود كوما أحجاماً مماثلة لحجم مجرتنا درب التبانة، ولكنها تحتوي على 1% فقط من كمية النجوم الموجودة في مجرتنا، لأن هذه المجرات توقفت عن توليد نجوم جديدة حين انضمت إلى العنقود قبل حوالي 7-10 مليارات سنة، ولذلك تسمى بالمجرة الميتة.
وتوصل الباحثون إلى أن هذه المجرات تمكنت من المحافظة على نفسها وتجنب التمزق الكامل في هذه البيئة، لأنها كانت تحتوي على ما يكفي من المادة المظلمة لحماية مادتها المرئية أثناء انضمامها للعنقود المجري.