فضيحة خزف الإليزيه.. حارس اللوفر يتورط في سرقة مقتنيات رئاسية
في قضية هزّت أوساط المتاحف والمؤسسات الرسمية في فرنسا، تكشفت خيوط فضيحة غير مسبوقة تتعلّقت بسرقة مقتنيات خزفية تاريخية من القصر الرئاسي.
والمفارقة الصادمة أن أحد المتورطين كان يعمل حارسًا في متحف اللوفر، فيما كانت القطع المسروقة تُعرض علنًا ضمن مجموعة خاصة، في مشهد يطرح أسئلة ثقيلة حول الرقابة وحماية التراث الوطني.
وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية إن جامع تحف من مدينة فرساي يدعى غيسلان م.، إلى جانب مسؤول الشؤون المالية ورئيس الخدم في القصر الرئاسي، قد أقرا بسرقة وإخفاء أكثر من مئة قطعة من الخزف الفاخر العائد إلى مصنع سيفر، وهي قطع كانت مودعة لدى قصر الإليزيه. وقد جاءت هذه الاعترافات خلال التحقيقات التي أجرتها الدرك الفرنسي.
وتعود فصول القصة إلى 20 أكتوبر الماضي، داخل قاعة المحاضرات في اللوفر، غداة سرقة مدوّية لثماني جواهر من مجوهرات التاج. حينها، عقدت مديرة المتحف لورانس دي كار اجتماعًا موسعًا مع الموظفين لشرح ما جرى.
وخلال النقاش، عبر أحد حراس المتحف بنبرة غاضبة عن استيائه من الإدارة، مطالبًا إياها بالنزول من المكاتب والاحتكاك المباشر بقاعات العرض، ومؤكدًا: "لا تعاملونا كأننا سذج"، وقد قوبلت كلماته بتصفيق حار من الحاضرين.
من الحراسة إلى الاتجار
وبعد شهرين فقط، تبين أن هذا الحارس نفسه "ضبط متلبسًا"، فغيسلان م.، الذي يعمل حارسًا في اللوفر منذ نوفمبر 2023 ويقدم نفسه بوصفه جامع تحف، كان في الواقع منخرطًا في تجارة خزف غير مشروعة.
وفي جناح هنري الثاني بمدينة فيلييه-كوتريه، لا يزال معرض لمجموعته الخاصة قائمًا حتى 18 يناير، ويضم نحو 500 قطعة، معظمها من "سيفر الملكي والإمبراطوري".
وكان غيسلان م. قد صرح قبل أسابيع لموقع "فيلاج دو لا جيستيس"الفرنسي، قائلًا: "شغفي هو تحية لكل من ساهم داخل ورشات مصنع سيفر في إشعاع التميّز الفرنسي"، غير أن هذا الشغف اتّخذ لاحقًا منحى إجراميًا.

خيوط السرقة من الإليزيه
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه من بين القطع المعروضة في فيلييه-كوتريه، وجد طبق من خدمة "كابراير" كان يعود إلى الإمبراطور نابليون الأول، متسائلة :" هل هو أحد الأطباق نفسها التي استخدمت في بعض الولائم الرسمية داخل الإليزيه؟",
وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن هذه الفرضية عززتها التحقيقات، بعدما تبيّن أن غيسلان م. كان على تنسيق مع توماس م.، رئيس الخدم والمسؤول المالي في رئاسة الجمهورية.
ويتهم هذا الأخير بسرقة أكثر من مئة قطعة خزفية من إنتاج مصنع سيفر، كانت مودعة لدى الإليزيه. وفي دفاعه، قال محامي غيسلان م. إن موكله "لم يكن المحرّك الأساسي للقضية"، موضحًا أن القطع الأولى التي عرضت عليه لم تكن ذات قيمة كبيرة، قبل أن ترتفع جودتها تدريجيًا، ما جعله يشكّ في مصدرها لاحقًا.
اعترافات ومنع من العمل
ورغم الشكوك، لم يبد جامع التحف، الحارس، حرصًا يُذكر على التحقق من مصادر القطع، فاحتفظ بها في منزله، ويرى محاميه أن ذلك "دليل على أنه ليس تاجرًا محترفًا، بل شخصًا انجرف وراء شغفه".
ولا يزال هذا الشغف ظاهرًا على حسابه في إنستغرام، حيث يظهر في مناسبات راقية مرتديًا ربطة عنق، ومتنقلًا بين المتاحف والقطع الفنية، بل إن إحدى الصور تُظهره داخل قاعة أبولو في اللوفر، المكان نفسه الذي شهد سرقة مجوهرات التاج.
وبعد اختفاء متكرر للقطع على مدى عامين على الأقل، تنبّه الإليزيه للأمر وقدّم شكوى رسمية.
وقدم المسؤول المالي استقالته في نوفمبر. وعلى إثر الشكوى، نفّذت فرقة الدرك في باريس عمليات توقيف في إقليم اللواريه حيث يقيم توماس م.، وفي فرساي حيث يعيش غيسلان م. وقد اعترف جميع المشتبه فيهم بالوقائع خلال فترة التوقيف الاحتياطي.
قضية مفتوحة وأسئلة معلّقة
وجهت إلى غيسلان م. تهمة "إخفاء مقتنيات ثقافية مصتفة"، وصدر قرار قضائي يمنعه من مواصلة عمله في متحف اللوفر. وأفادت إدارة المتحف بأنها لم تتلقَّ بعد إخطارًا رسميًا من القضاء، مؤكدة أنه "في حال ثبوت الوقائع، فسيتخذ ما يلزم من إجراءات".
وتعهّد جميع المتورطين بإعادة ما تبقى من الخزف المسروق، فيما أُجّل النطق بالحكم إلى فبراير 2026. وفي الأثناء، تفتح القضية باب التساؤل حول كيفية إدارة وحماية المجموعات الفنية العامة داخل رئاسة الجمهورية.
من جهتها، أعلنت مؤسسة "المصنوعات الوطنية لسيفر والأثاث الوطني" أن تحقيقًا جارٍ، وأن فرقها تتعاون بالكامل مع السلطات.
أما جمعية أصدقاء جناح هنري الثاني، التي كانت تعرض مقتنيات مجموعة غيسلان م.، فأعربت عن أسفها لما آلت إليه الأمور، مؤكدة أنها لم تكن على علم بمصدر القطع، وأنها وضعت نفسها بتصرّف الجهات المختصة للمساعدة في التحقيق.