بحلول مبتكرة في الوقود.. الإمارات تقود «طيران العالم» إلى بر الاستدامة
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حلقت إحدى طائرات شركة "طيران الإمارات" في رحلة طويلة من دبي إلى سيدني الأسترالية، معلنة عن حقبة جديدة من الاستدامة في عالم الطيران.
والسبب وراء تميز هذه الرحلة هو أنها استخدمت وقودا مستداما من شأنه خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 80%، وهو رقم مذهل يعني أن قطاع الطيران قد يصبح من أول القطاعات وصولا للاستدامة في العالم.
وكعادة دولة الإمارات، فإن الابتكار والإبداع لا يعني التخلي عن الواقعية والمسؤولية، وهي صفات ترتبط جميعا بشكل ما في وقود "ساف" SAF الذي تم استخدامه.
- من المقلاة إلى المحركات.. زيوت الطهي المستعملة وقود جديد للطائرات
- «دايكن» اليابانية: الإمارات تقود الجهود العالمية نحو تغيير جذري في العمل المناخي
يتميز هذا النوع من الوقود بإمكانية دمجه بسلاسة في البنية التحتية الحالية لنظام الوقود في المطارات، واستخدامه في محركات أسطول طيران الإمارات بأكمله دون الحاجة إلى إجراء أي تعديلات.
وهذه الصفات سببها أن الوقود مكون من مزيج "ساف" بنسبة 40% و60% من وقود الطيران التقليدي A-1، ما يعني احتفاظه بنفس الخصائص الكيميائية التي تتعامل بسلاسة مع المحركات، ولكن مع انبعاثات أقل بكثير ومستقبل أكثر استدامة.
وقد جاءت هذه الرحلة، بعد رحلات أخرى حلقت بها طيران الإمارات أيضا، مستخدمة وقود ساف بنسبة 100%، في إطار استكشاف إمكانياته في التشغيل وفتح آفاق استدامة جديدة للقطاع في العالم كله.
مجرد بداية
بوصفها دولة محورية في عالم الطيران والسفر، تضطلع الإمارات بدور قائد على مستوى الكوكب في توجيه الصناعة بالكامل نحو الاستدامة عبر دعم البحث والابتكار.
ففي عام 2023، الذي تم إعلانه عاما للاستدامة في الإمارات، أعلنت "طيران الإمارات" عن إنشاء صندوق بقيمة 200 مليون دولار لمشاريع البحث والتطوير التي تركز على الحد من تأثير الوقود الأحفوري في الطيران التجاري.
كما تسعى الشركة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، إلى عقد شراكات مع مؤسسات رائدة تعمل على إيجاد حلول متقدمة لتقنيات الوقود والطاقة.
مركز إقليمي للوقود المستدام
وفي الإطار نفسه، تتبنّى دبي حلولاً مبتكرة بهدف التحول إلى مركز إقليمي لوقود الطائرات المستدام، وقيادة تعاون دولي لتسريع العمل على إزالة الكربون من قطاع الطيران.
وتعد مطارات دبي -الجهة المشغلة لمطار دبي الدولي (DXB)، أكبر مطار دولي في العالم في عدد المسافرين الدوليين، ومطار دبي ورلد سنترال (DWC)- من اللاعبين الرئيسيين في قطاع الطيران في دبي.
ويحظى ملف الوقود في قطاع الطيران باهتمام بارز في الأجندة الوطنية لدولة الإمارات، حيث أثمر هذا الاهتمام عن تأسيس لجنة الوقود المستدام والوقود منخفض الكربون لقطاع الطيران في دولة الإمارات عام 2020.
وتسعى اللجنة إلى المساهمة في وضع استراتيجية سياسة عامة للدولة حول وقود الطائرات المستدام والوقود منخفض الكربون لقطاع الطيران، وتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص ودعوة المستثمرين للاستثمار في الطاقة المستدامة في قطاع الطيران، وتطوير الدراسات والبحوث العلمية في المجالات ذات الصلة بالوقود المستدام للطائرات والوقود منخفض الكربون، ودعم الهيئة العامة للطيران المدني في المفاوضات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالتغير المناخي في قطاع الطيران.
وتعتبر خارطة الطريق الوطنية للوقود المستدام للطائرات، أحد المشاريع الطموحة التي تدعم تحقيق مستهدفات دولة الإمارات للخمسين عاماً المقبلة وسعيها للريادة العالمية في مجال الطاقة لا سيما النظيفة منها، إلى جانب الطموحات التنموية المستدامة التي تتطلب العمل المشترك بين مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص في سبيل تطبيق الحلول المبتكرة والتوظيف الأمثل للتكنولوجيا الحديثة التي من شأنها تسريع وتيرة تحقيق مئوية الإمارات 2071.
جهود مصدر
من جانبها، تولي شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" عملية الاستثمار في مجال وقود الطائرات المستدام.
وتعود أول هذه الأبحاث إلى 2011، حيث سعى معهد مصدر الذي أصبح الآن جزءاً من جامعة خليفة بالتعاون مع "أدنوك"، والاتحاد للطيران وشركة "بوينغ" بتأسيس مركز أبحاث كونسورتيوم للطاقة المستدامة الذي دشن أول رحلة طيران تجارية على طيران الاتحاد في العالم باستخدام وقود عضوي (مستدام) المنتج محلياً من بذور نبات الساليكورنيا.
وأبرمت شركات أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" و"أدنوك" و "بي بي" ومركز أبوظبي لإدارة النفايات "تدوير" والاتحاد للطيران خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة 2023، اتفاقاً على إجراء دراسة جدوى مشتركة لاستكشاف فرص إنتاج وقود مستدام للطائرات في دولة الإمارات، وغيره من المنتجات، مثل الديزل النظيف، ومادة "النفثا" باستخدام النفايات البلدية الصلبة والهيدروجين المتجدد.
ودعمت "مصدر" عملية التحول إلى الوقود المستدام في قطاع الطيران بإبرام اتفاقية مع شركة إيرباص، أكبر شركات الصناعات الفضائية والجوية في أوروبا والرائدة عالمياً في هذا المجال، بهدف دعم تطوير وتنمية قطاع وقود الطيران المستدام العالمي.
وتُركز الاتفاقية على تعزيز مجالات التعاون بين الشركتين، ويشمل ذلك مجالات وقود الطيران المستدام، والهيدروجين الأخضر، وتكنولوجيا الالتقاط المباشر للهواء، بالإضافة إلى حلول "الحجز والاسترداد" للوقود المستدام للطائرات.
وتعمل تكنولوجيا الالتقاط المباشر للهواء على احتجاز والتقاط ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي واستخدامه مع الهيدروجين لإنتاج وقود الطيران المستدام الاصطناعي.
الاتحاد للطيران.. عنوان إماراتي للاستدامة
وتلتزم الاتحاد للطيران، الناقل الوطني لدولة الإمارات، بالسير على نهج الاستدامة، وهو ما أثمر عن تحقيق إنجازات كبيرة على أرض الواقع في عام 2022.
وقد تمكّنت الشركة من تحقيق انخفاض بنسبة 26% في الانبعاثات الكربونية للإيرادات الكلية للطن المتري لتصل إلى 482 جراماً مقارنة بنتائج 2019.
وترتكز استراتيجية الاستدامة في الاتحاد للطيران على مبادئ تحقيق الانخفاض في الانبعاثات الكربونية من خلال تطبيق إجراءات خاصة بقطاع الطيران، بالتوافق مع خطط وأطر العمل الطوعية التي يطبّقها الشركاء في القطاع.
وتعتبر الاتحاد للطيران أول شركة طيران أجنبية تتلقى الوقود المستدام في اليابان، وذلك من خلال شراكتها مع ITOCHUووقود Neste MY المستدام للطيران.
وكانت الرحلة التي تمّ تشغيلها في أواخر 2022، أول رحلة تتلقى نحو 50000 وحدة من وقود الطيران المستدام، ليتم خفض كمية ثاني أكسيد الكربون المنتج بحوالي 75 طناً بمزيج من 39.66٪ من وقود الطيران.
كذلك حققت الشركة إنجازاً بتشغيل أول رحلة تسجّل صافي انبعاثات كربون صفرية بالتعاون معWorld Energy ، وباستخدام وقود الطيران المستدام باعتماد مبدأ "حجز الوقود واستخدامه"، مع إزالة نحو 26 ألف جالون من وقود الطائرات المصنع من النفط.
وعززت الاتحاد للطيران خططها لتحقيق الاستدامة بتوقيع اتفاقية Neste لتسهيل التعاون بين المؤسسات التي تبحث عن وسائل للحد من انبعاثاتها الكربونية من خلال استخدام الوقود المستدام، واستمرار العمل مع شركاء استراتيجيين في الإمارات مثل أدنوك، ومصدر، وتدوير، لتطوير منشأة لتصنيع وقود الطيران المستدام في الإمارات.
كما وقعت الشركة مذكرة تفاهم مع World Energy، لترسيخ شراكة استراتيجية طويلة الأمد للحد من الانبعاثات الكربونية للرحلات الجوية من خلال خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن القطاع ككل.
أهمية الوقود المستدام
يسهم وقود الطيران المستدام بشكل مباشر وكبير في الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن النقل الجوي، ويمكن اعتباره وقوداً بديلاً دون أن تطرأ أي تغييرات على البنية التحتية للتخزين الموجودة حالياً أو البنية التحتية لمحطات التزود بالوقود أو الطائرات أو المحركات.
وتشير التقديرات إلى أنّ التبني التدريجي للوقود المستدام في جميع أنحاء العالم سيساعد بشكل كبير في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مجال النقل الجوي، لأن الوقود المستدام يعد عاملاً رئيسياً لخفض الانبعاثات في مستقبل قطاع الطيران.