القضاء الألماني ينسف جهود برلين المناخية.. تعطيل التمويل بحجة الديون
تحدي تدبير 60 مليار يورو وسط قيود للوفاء بالالتزامات المناخية
أصبح وفاء ألمانيا بالالتزامات المناخية وخطتها لتحقيق الحياد المناخي في مهب الريح بعد قرار المحكة الدستورية العليا.. فماذا حدث؟
أعلنت المحكمة الفيدرالية الدستورية في ألمانيا، أن قرار الحكومة الفيدرالية بتخصيص 60 مليار يورو تقريبا، والذي أصدره البرلمان باسم (قانون الميزانية التكميلية الثانية لعام 2021)، لتمويل سياسات المناخ، مثل خفض الانبعاثات وإزالة الكربون عن الصناعة وقطاعات أخرى، من خلال صندوق المناخ والتحول، يعتبر وفق المحكمة قرارا غير دستوري.
وأوضحت المحكمة في حيثيات قرارها أن المبلغ المشار إليه أولا مخصص بالأساس لتمويل تدابير مكافحة وباء كورونا، بالتالي لا يجوز إعادة تخصيصه لتدابير أخرى تتعلق بتمويل العمل المناخي، وثانيا تخصيص هذا المبلغ يُخالف قيد دستوري يحدد سقف الإقراض.
الدعوى القانونية رفعتها المعارضة، ممثلة في حزبي الاتحاد الديمقراطي CDU والاتحاد الاجتماعي CSU، باعتبار أن إعادة تخصيص المبلغ يهدم "كابح الديون "في البلاد، الذي ينص على ألا يتجاوز الدين الجديد 0.35 في المائة من الناتج الاقتصادي السنوي.
أيدت المحكمة، برئاسة النائب السابق عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ستيفان هاربارث، هذا الرأي، وأشار القضاة إلى "أن قانون الميزانية التكميلية الثانية لعام 2021 لا يلبي المتطلبات الدستورية للاقتراض الطارئ".
حيثيات المحكمة الفيدرالية الدستورية
قدمت المحكمة ثلاثة أسباب منفصلة لقرارها، "كل منها على حدة يكفي لإعلان بطلان القانون".
أولا، أشارت إلى أن المشرعين فشلوا في إقامة "ارتباط واقعي" بين تدابير الطوارئ الوبائية وإدارة أزمة المناخ.
ثانياً، فصل الأموال المخصصة لحالات الطوارئ عن غرضها الأولي من شأنه أن يقوض مبادئ الميزانية الطويلة الأجل التي ستعني "الاستخدام غير المحدود بحكم الأمر الواقع لأذونات الاقتراض الطارئ في السنوات المالية اللاحقة".
ثالثاً، إعطاء الضوء الأخضر لموازنة 2021 بأثر رجعي يقوض مبدأ وضع الموازنات «مسبقاً».
- أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط لـ«العين الإخبارية»: الحد من الانبعاثات على رأس أولوياتنا في COP28
- مستقبل «الهيدروجين الأخضر» يسيطر على نقاشات ويتيكس 2023
الالتزامات المناخية على ألمانيا بدون تغيير
في ضوء حيثيات حكم المحكمة الدستورية، فإن إلغاء التمويل المخصص لسياسات تمويل المناخ، لا تعني، إلغاء التزامات الحكومة المناخية نفسها، إذ يتعين على الائتلاف الحاكم "البحث عن موارد مالية أخرى للوفاء بالالتزامات المناخية".
في عام 2021 نفس المحكمة قررت أن الحكومة الألمانية لا تقوم بما يكفي لحماية المناخ، وأن عليها اتخاذ إجراءات أكثر جرأة لمكافحة تغير المناخ لتحقيق "العدالة والإنصاف بين الأجيال" لتكون أولوية في البرامج الحكومية.
رد فعل حكومة المستشار أولاف شولتز علي قرار المحكمة
من جانبه، صرح المستشار الألماني أولاف شولتز بأن حكومته ستدرس نتائج قرار المحكمة الفيدرالية الدستورية، وستقوم بسرعة تعديل آليات العمل بصندوق المناخ والتحول، المسمى الآخر لمبلغ الـ 60 مليار يورو،
وأضاف: "ستقوم بعمل حلول تمويلية مؤقتة لتفادي أي تعطيل".
أما وزير المالية كريستيان لندلر، من حزب الأحرار الديموقراطي، فقد علق على قرار المحكمة الفيدرالية بأنه "استثنائي" يستحق دراسة نتائجه بسرعة، و أصدر قرارا بوقف كل تمويلات المناخ من صندوق المناخ والتحول بداية من العام القادم.
من جانبه، أشار وزير الاقتصاد، روبرت هابوك، نائب المستشار ، عن حزب الخضر ، بأن " الالتزامات المناخية سيتم الوفاء بها" بدون إضافة التزامات جديدة.
مشدداً على أن التمويل المناخي قبل إلغائه لعب دورا مهما في إيقاف العمل بالضريبة المفروضة على فواتير استهلاك الكهرباء، المسماة رسوم تعزيز إنتاج الطاقات المتجددة مما خفض الأعباء المالية على المستهلكين.
الآن قد تضطر حكومة برلين لإعادة فرض ضريبة الطاقة المتجددة على فواتير استهلاك الكهرباء لدعم جهود إزالة الكربون عن التدفئة المنزلية وتشجيع النقل الكهربائي والبنية التحتية للشحن الكهربائي.
ردود أفعال مجتمع الأعمال على القرار الدستوري
قال إيمانويل ريختر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة آر دبليو تي إتش آخن لإذاعة فينيكس العامة: "قرار المحكمة الفيدرالية الدستورية زلزال متوسط الحجم بالنسبة للتحالف الحاكم، ويتعين عليهم الآن السيطرة على الأضرار".
وقال المحلل سالومون فيدلر، من بنك بيرينبيرغ في مقال نشرته محطة الأخبار إن تي في: "الموارد المحتملة لجزء من التمويل يمكن أن تكون متاحة من بنك التنمية المملوك للدولة KfW".
وأشار الاقتصادي سيباستيان دوليان من جامعة العلوم التطبيقية في برلين، إن الحكم "سيء للغاية" للاقتصاد الألماني. "هناك الآن فجوة قدرها 60 مليار يورو للمهام المخططة لتمويل مشاريع المناخ، إذا قامت الحكومة ببساطة بتخفيض النفقات في أماكن أخرى من الميزانية، فإنها تخاطر بتعميق الركود الحالي".
وقالت جمعية المرافق المحلية VKU إن حكم المحكمة الدستورية يضغط على تمويل سياسة المناخ والميزانية الفيدرالية بشكل عام.
وقالت رئيسة الرابطة إنجبرت ليبينغ: "تقع على عاتق الحكومة الآن مسؤولية تحديد أولويات جديدة"، مشددة على أنه لا ينبغي المساس بتدابير العمل المناخي "المطلوبة بشكل عاجل". "إذا أردنا تحقيق الأهداف الطموحة التي تم اعتمادها مؤخرًا في التشريعات الانتقالية لتدفئة المساكن، فيجب أن يكون هناك تمويل ودعم كافيان".
وعلقت سابين نالينجر، رئيسة المنظمة غير الحكومية الاقتصاد المناخي، أن حكومة برلين أصبحت الآن: "ملزمة بتمويل التحول المناخي بطرق أخرى"، ولديها مسؤولية تجاه كل من الأجيال القادمة والشركات التي تكافح من أجل التكيف مع أهداف إزالة الكربون على المدى الطويل.
وشددت نالينجر على أن الحكم السابق للمحكمة بشأن الإجراءات المناخية الضرورية أظهر بالفعل أن "ألمانيا لاتزال لا تفعل ما يكفي لتحقيق أهدافها المناخية".
جدير بالذكر ان الحكم الصادر من المحكمة الفيدرالية الدستورية في عام 2021 دفع الحكومة في عهد المستشارة أنجيلا ميركل آنذاك إلى تبكير العام المستهدف للحياد المناخي في ألمانيا بمقدار خمس سنوات ليكون عام 2045.
وقالت منظمة السلام الأخضر غير الحكومية إن الحكم كشف الأسلوب الذي تتبعه الحكومة لتمويل سياسات المناخ من خلال "حيل الصالونات" في الميزانية.
وقال مارتن كايزر، رئيس منظمة السلام الأخضر في ألمانيا، إن "الحكم يوجه ضربة قاسية لحماية المناخ".
وأضاف كايزر: "يجب ألا يكون الاقتراض والضرائب الجديدة وخفض الإعانات الضارة بالمناخ من المحرمات" مضيفًا أن السياسة المالية بشكل عام تحتاج إلى "أدوات توازن اجتماعية وبيئية جديدة".