اليوم مع هذه الغمامة التي لم يحن لها أن تنقشع وسط تفاقم أرقام الإصابات عالمياً بفيروس كورونا المستجد تتأثر الصناعات الثقافية والإبداعية
هل لك أن تتخيل عالما خاليا من الكتب التي تثير فينا الفضول والتساؤلات.. أو تأملا ورقصا بلا موسيقى.. وعطلة نهاية أسبوع بلا سينما؟!
هذا ما يمكن أن يحدث عندما يعتري جسد الإبداع الضعف ليرديه صريع البؤس، حينما لا يكون هناك منقذ له ولرواده.. فمهما كانت المعاناة التي تولد إبداعاً تطحن عصارة فكر المبدع لا بد وللرحى أن تتوقف يوماً إن لم يكن فيها شعير يُدق..!!
واليوم مع هذه الغمامة التي لم يحن لها أن تنقشع وسط تفاقم أرقام الإصابات عالمياً بفيروس كورونا المستجد تتأثر الصناعات الثقافية والإبداعية في مجالات النشر والموسيقى والسينما والمهن الحرفية والتصميم كغيرها من القطاعات، لتعيق النمو المتعاظم لهذه الصناعات التي تلعب دورا حاسما في مستقبل الثقافة وحتى الاقتصاد بعدما وفرته من تنوع إبداعي وحرية تعبير وتنمية.
تصريح اليونسكو يعكس شكلا من أشكال التضرر، إذ أنه في ظل الإغلاق التام أو الجزئي لنحو 89% من جميع مواقع التراث العالمي حول العالم، بات الوضع الصحي يهدد سبل العيش على نحو خطير وتتكبد المؤسسات الثقافية خسارات مالية فادحة تضطر معها إلى تسريح موظفيها.
وعند الحديث عن أهمية دعم المثقفين والصناعات الإبداعية تظهر بعض الأصوات المشككة التي ترى ذلك ترفيهاً زائداً في هذا الوقت الذي يستدعي دعم الاقتصاد الرئيسي، غير مدركة أن الصناعات الثقافية والإبداعية من أسرع الصناعات نمواً في العالم وهي ركيزة أسياسية في أي اقتصاد مع كونها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري.
دولة الإمارات العربية المتحدة أدركت مبكراً مع بداية أزمة كورونا أن هذا القطاع في خطر ولابد له من خطة لإنقاذه وتعزيز مناعته .
دولة الإمارات العربية المتحدة أدركت مبكراً مع بداية أزمة كورونا أن هذا القطاع في خطر ولا بد له من خطة لإنقاذه وتعزيز مناعته تسير بموازاة خطط إنقاذ كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى، فسارعت ممثلة بوزارة الثقافة وتنمية المعرفة لعقد اجتماعات تبحث في مشاكل هذا القطاع وأشكال تضرر رواده بعد أن ضربت الأزمة الصحية في الخاصرة وتركتهم في حيرة أمام تغطية نفقاتهم.
وأتبعت ذلك بعمل مسح وطني شامل لفهم التحديات التي تواجه الفنانين والشركات العاملة في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية بهدف جمع المعطيات والبيانات التي تسهم في اتخاذ القرارات المناسبة وتصميم برنامج دعم يتلاءم مع احتياجاتهم، لتتوج ذلك بإطلاق البرنامج الوطني لدعم المبدعين العاملين بقطاع الصناعات الثقافية والإبداعية في مواجهة التحديات التي فرضها كوفيد- 19، ويستهدف تقديم منح مالية للأفراد المستقلين الذين يعتبرون الأكثر تضرراً وقد حازوا على نسبة أربعين بالمئة من إجمالي المتضررين، فضلاً عن الشركات الناشئة، ورواد الأعمال لمساعدتهم على الصمود، لتكون الإمارات هي الأولى في المنطقة التي تطلق برنامجاً كهذا في الوقت الراهن.
الأزمة وكما أعادت ترتيب الأولويات لدى صناع القرار والسياسات لا بد وأن تتغير معها النظرة إلى مكانة الثقافة ومدى أهمية دعم الفنانين والقطاع الإبداعي في سلم الأولويات بعد أن كانت دوماً الأخيرة فيها، كما ولا بد من ضمان مستوى أعلى من الحماية والمرونة للوظائف في القطاعات الإبداعية التي تعتبر من بين الأكثر هشاشة.
وسيكون من الجيد أن يتم عمل سجل وطني موحد يضم بيانات حول كافة المبدعين تحت مظلة حكومية موحدة ليسهل احتوائهم ودعمهم، وتخصيص إعانات تحت مسمى "الإعانات الإبداعية" تصرف لهم بشكل دائم خاصة لأولئك الذين يعتمدون عن إبداعهم كمصدر دخل رئيسي لهم على غرار الإعانات الاجتماعية التي تصرف لفئات معينة في المجتمع، والأهم من ذلك هو إعادة النظر في عملية فرص الرسوم والضرائب على الصناعات الإبداعية وبالأخص في الوقت الحالي لضمان تعافي هذا المجال بشكل سريع.. ففي نهاية المطاف الثقافة هي هويتنا وأدواتها هي ضمان استدامتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة