تُعدّ القوانين الناظمة لحياةِ المجتمع من أهم مؤشرات حضارته ونهوضه، كونها لا تتعلق بمواكبة الحياة البشرية وحسب، بل تدفعها نحو غدٍ أكثر استقرارا.
وهذا غير ممكن دون تشريعات تتسم بالمرونة والقوة معاً، كي تؤدي القوانين وظيفتها على أكمل وجهٍ، بما يضمن الحقوق والانضباط التام والمرونة الفعالة التي تسهم في دفع عجلة التطور.
وضمن هذه الأسس، التي تنبني بمقتضاها القوانين الحضارية والثقافية الفاعلة والقادرة على المضي بالبلاد نحو القمم ثابتة الرواسي، تأتي رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي اتّخذَ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بخصوصها قرار اعتماد أضخم مشروعٍ لتطوير التشريعات والقوانين الاتحادية للدولة.. وهو القرار التاريخي الذي سيشمل أكثر من أربعين قانوناً في مفاصل إدارة الدولة، بما يضمن تطورها واستقرارها وتعزيز اتحادها على جميع الأصعدة، والذي بات ضرورةً مُلحةً لها، كما يتبين في الآتي:
أولاً على الصعيد الاقتصادي: في ظل التطور المتسارع لاقتصاد دولة الإمارات، المواكب لتطور الحياة البشرية عموماً في العصر التقني الحديث الذي تعيشه المعمورة، وتطلُّع دولة الإمارات لمزيد من التقدم واستدامة المنافسة حتى بلوغ القمة العالمية في هذا المجال، يقف التطور القانوني والتشريعي ضرورةً في هذه المرحلة الآنية لضمان الاستمرارية التنافسية واستدامتها من جهة، ولتنظيم هذه التنافسية وتسهيل الطريق أمامها بما يضمن أمنها واستقرارها من جهة ثانية، فعماد الاقتصاد الطموح الجاذب للكفاءات ورؤوس الأموال المتطلعة للبناء والنهوض والريادة العالمية إنما هو القانون الراسخ الضابط والناظم للحياة الاقتصادية والمتسم بالمرونة والكفاءة العالية في آنٍ.
ثانياً على الصعيد العلمي: يعيش العالم اليوم عصر الثورة التكنولوجية والعلمية المتسارعة، التي لا تعترف بحدود للإبداع والابتكار، الأمر الذي يفرض واقعاً عملياً جديداً، تتطور أدواته باستمرار، متطلبةً قوانين وتشريعات تدعمه من ناحيةٍ وتضبطه من ناحيةٍ أخرى، فيصبح التطور القانوني والتشريعي ضرورةً حتميةً تسهم في دفع العجلة العلمية إلى الأمام لمواكبة النهضة وارتقاء سلم الحضارة، بالإضافةِ إلى تنظيم تلك الإمكانات وتوجيهها بما يخدم المجتمع والحياة عموماً.
ثالثاً على الصعيد الاجتماعي: الانفتاح العالمي هو العنوان العريض لهذه الحقبة من حياة البشر، فالاقتصاد، الذي يطمح للعالمية والنهوض المستدام، يحتاج إلى تطور استثنائيٍّ في الموارد البشرية من الكفاءات المتنوعة عِمالةً واستثماراً، وهو ما يفرض واقعاً أكثر تنوعاً على الصعيد الاجتماعي المستقبِلِ لهذه الكفاءات الوافدة، التي تحتاج البلاد معها إلى قوانين وتشريعات متطورة تضمن الاستثمار الأمثل لتلك الكفاءات والاستفادة من خبراتها وتوجيه طاقاتها إلى المجال المناسب لها من جهة، والحفاظ على الهوية الأصيلة للبلاد وضمان التكامل بين الوافدين والمواطنين من جهة أخرى، بما يعزز رفعة البلاد وهويتها وأمنها واستقرارها.
في الحقيقة إنّ مشروع تطوير القوانين والتشريعات الاتحادية لا يقتصر على هذه الجوانب، وإنما يشمل كل ما من شأنه الإسهام في النهوض والتحول بالبلاد إلى أيقونةٍ عالميّةٍ في الاقتصاد والعلم والحضارة والثقافة، من خلال مواكبة التطور البشري عموما، والوصول إلى تطورٍ مستدامٍ يستند إلى أرضٍ صُلبةٍ، الأمر الذي يجعل من المشروع ليس مجرد تطوير للقوانين، بل هو حكمة وبصيرة ثاقبة من قيادة رشيدةٍ تجعل من التطور قانوناً ثابتاً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة