لا يزال الإعلام أخطر الأسلحة وأشدها تأثيرا، والأمثلة كثيرة على أهمية ذلك، واعتباره جزءا محوريا من ترسانة القوى الناعمة والفعالة
مهنة الإعلامي أو الصحفي في العالم العربي تمر بتحديات كبيرة ومحورية، هذه المهنة التي كانت مدخلا لأصحابها «لأكل العيش» أو «أكل العيش بحلاوة» أو «أكل العيش بالكافيار»، كل حسب ظروفه، نالها ما نالها بسبب ظروف ومتغيرات كبيرة طالت المنطقة العربية تحديداً وصناعة الإعلام عموماً.
منتدى الإعلام العربي في دبي يوفر مناخاً صحياً في أيام معدودات لالتقاط الأنفاس والتمعن في حال مهنة في حاجة لأن تتغير قبل أن تختفي، ونجاح المنتدى السنوي بشكل متواصل هو إضافة جديدة وليست غريبة على قائمة نجاحات الشيخ محمد بن راشد
تعرض عدد ليس بالقليل من الإعلاميين للتجريح والتشكيك في مواقفهم، بل تم تكفير وزندقة كثيرين منهم وتحميلهم ذنوبا وأوزار جميع العلل المجتمعية والاقتصادية والسياسية وغير ذلك، حتى بات الإعلامي الصادق أشبه بالممسك قلما من جمرات النار هذه الأيام، ولذلك كم هو مناسب ومهم الحدث السنوي الناجح الذي تقيمه دبي بعنوان «منتدى الإعلام العربي» الذي بتنظيمه الاستثنائي يمنح جرعة ثقة وحزمة من الأمل والضوء الساطع، وسط الإحباط المخيم على القطاع المهني.
فرصة للتواصل لا مثيل لها للإعلام العربي على صعيد الشرق الأوسط، مجموعة منتقاة من أهم الأسماء العاملة في المجال ومواضيع للنقاش مختارة بحرفية راقية ومهنية لا يمكن إنكارها، جميع ذلك؛ الغرض منه الترقي بالمهنة والعاملين فيها بعد أن «تأثرت» بالتجاذبات الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية، فحولت بعض الساحات الإعلامية إلى ساحات قتال ومعارك وحروب.
لا يزال الإعلام أخطر الأسلحة وأشدها تأثيراً، والأمثلة كثيرة جداً على أهمية ذلك واعتباره جزءاً محورياً من ترسانة القوى الناعمة والمؤثرة والفعالة، جل الإعلام العربي يبدو في حالة «ميوعة» وفقدان للبوصلة، والسبب الرئيسي في ذلك هو أنه في حيرة لمن يوجه خطابه الإعلامي؛ هل هو موجه للعرب أنفسهم في داخل أوطانهم أم أن الخطاب موجه لـ«الآخر» المتلقي؟ وعدم الإجابة القطعية عن هذا السؤال يتسبب في ارتباك المشهد للمتلقي ومن ثم حصول الازدواجية.
الخطاب الإعلامي مقدم على تغيير، ليس فقط في الوسائل والمنصات التي يبث من خلالها، ولكن حتى في المفردات والعبارات التي تستخدم، والتي تحولت إلى خطاب ينتمي إلى حقبة المسلسلات التاريخية بمبالغاتها وديباجاتها المملة والنمطية، الاهتمام بالتعرف على تحديات التقنية وعدم الإخلال بالتعرف على عقلية المتلقي الجديدة، والعودة إلى الموضوعية الكاملة بقدر الإمكان، والاستثمار في تحسين المحتوى والمضمون في أفضل الأشكال، كل هذه الأمور أثبتت جدواها في إنقاذ أكبر المؤسسات الإعلامية حول العالم في مواجهة «تسونامي» التغيرات الحادة التي كادت تقضي عليها.
نموذج الأعمال الذي بنيت عليه المنظومة الإعلامية في المؤسسات الصحفية في العالم العربي انقرض بلا رجعة، ولم يعد بالإمكان أن تبقى تلك المؤسسات مرآبا للمجاملات وتوظيف المحاسيب والأنصار بلا حدود، ولكن عليها أن تكون لينة ورشيقة واقتصادية.
منتدى الإعلام العربي في دبي يوفر مناخاً صحياً في أيام معدودات لالتقاط الأنفاس والتمعن في حال مهنة في حاجة إلى أن تتغير قبل أن تختفي، ونجاح المنتدى السنوي بشكل متواصل هو إضافة جديدة وليست غريبة على قائمة نجاحات الشيخ محمد بن راشد.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة