الإمارات وفرنسا.. قمم وزيارات لتعزيز العلاقات
قمة إماراتية فرنسية تعتبر الثانية خلال 3 أشهر تتوج شراكة استراتيجية تستهدف تعزيز التعاون الثنائي ودعم الاستقرار الإقليمي.
قمة عقدت، الجمعة، خلال زيارة يجريها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإمارات، في مستهل جولة خليجية من المنتظر أن تقوده أيضا إلى قطر والسعودية.
وتأتي قمة اليوم عقب سابقة عقدت خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية إلى باريس منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
وتخلل القمتان زيارات متبادلة لمسؤولين رفيعي المستوى من البلدين لتعزيز التعاون الثنائي وبحث حلول سياسية لأزمات المنطقة، بما يساهم في خدمة القضايا العربية ودعم الأمن والاستقرار.
قمم وزيارات متبادلة خلال وقت قصير، تعكس متانة العلاقات بين البلدين، وحرصهما المتواصل على التنسيق وتعزيز التعاون بما يصب في صالح شعبيهما والمنطقة.
توقيت هام
القمة تأتي أيضا في وقت تستضيف فيها الإمارات "إكسبو 2020 دبي" الذي يعد أول معرض دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم، ويشهد مشاركة فرنسية بارزة.
كذلك تأتي القمة غداة احتفال الإمارات بعيد الاتحاد الخمسين واليوبيل الذهبي لتأسيسها عام 1971، وهو توقيت يتزامن أيضا مع مضي خمسة عقود على العلاقات الثنائية الشاملة والمتميزة التي جمعت الإمارات وفرنسا، في رسالة تؤكد تعزيز التعاون بينهما في مستهل أول أيام الخمسين عاما القادمة في الإمارات.
الزيارة تأتي أيضا على وقع تطورات متسارعة ومتشابكة تشهدها المنطقة والعالم، والتي تلقي بظلالها على الجميع، وتفرض التشاور مع القوى الكبرى حول كيفية التعامل الفاعل معها.
وتشهد المنطقة أزمة دبلوماسية بين لبنان ودول خليجية، وسط توقعات بأن يتطرق ماكرون لتلك الأزمة خلال جولته الخليجية.
والثلاثاء الماضي، أكد الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنه في مواجهة الأزمات الإقليمية فإن "البلدان مثل فرنسا لديها دور للقيام به"، موضحا أن "مواقفنا متقاربة جدا" حول القضايا الاستراتيجية.
قمتان في 3 أشهر
استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، اليوم الجمعة، الرئيس الفرنسي الذي يقوم بزيارة عمل إلى الدولة في معرض "إكسبو 2020 دبي".
ورحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة الرئيس الفرنسي إلى الإمارات، معربا عن سعادته بتجدد اللقاء في دولة الإمارات، والذي يؤكد الحرص المشترك على استمرار التشاور والتنسيق المستمرين بين البلدين الصديقين.
وهنأ الرئيس الفرنسي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودولة الإمارات حكومةً وشعباً بمناسبة احتفالات الدولة بيوبيلها الذهبي "عيد اتحاد الـ50"، متمنيا للدولة دوام التقدم والازدهار ومعربا عن تطلع بلاده إلى آفاق جديدة وواعدة من التعاون والعمل المشترك الذي يخدم مصالح البلدين ويدعم مساعي السلام في المنطقة.
وبحث الجانبان علاقات الصداقة ومسارات التعاون المشترك وفرص تنميته بمختلف المجالات في إطار الشراكة الاستراتيجية المتميزة التي تجمع البلدين خاصة في الجوانب الاستثمارية والاقتصادية والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة والأمن الغذائي، إضافة إلى المجالات الثقافية والتعليمية وغيرها بما يحقق مصالحهما المتبادلة.
كما استعرض الجانبان، خلال اللقاء، مجمل القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وتبادل وجهات النظر بشأن تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد الطرفان في هذا السياق حرصهما المشترك على تعزيز مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وفرنسا، إضافة إلى توافق الرؤى بشأن أهمية دعم الحلول والمبادرات السلمية التي تهدف إلى ترسيخ أركان الأمن والاستقرار في المنطقة بما يحقق تطلعات شعوبها إلى السلام والتنمية.
وبالتزامن مع الزيارة، أعلن قصر الإليزيه أن الإمارات وقعت اتفاقية مع فرنسا لشراء 80 طائرة رافال، موضحا أن باريس وصندوق أبوظبي السيادي أعلنا عقدا بأربعة مليارات يورو بين مبادلة وبي.بي.آي الفرنسية.
وذكرت رويترز أن فرنسا والإمارات تؤكدان توقيع صفقة لشراء 12 طائرة هليكوبتر من طراز كاراكال أيضا.
اتفاقيات تعكس متانة العلاقات المتنامية بين البلدين، ورغبتهما في تعزيز التعاون الدفاعي بما يصب في صالح رؤيتهما المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار وصون السلام.
وتأتي القمة بعد أقل من 3 شهور من سابقة جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وماكرون في باريس، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وصدر في أعقابها بيان مشترك عن البلدين، أشادا فيه بالعلاقات الثنائية القوية والتاريخية منذ تأسيس دولة الإمارات عام 1971.
ونوها بالشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، والتي يتم من خلالها التعاون في جميع المجالات، من أجل مواجهة التحديات العالمية والإقليمية المشتركة، واستكشاف الفرص الممكنة لتعزيز السلام والازدهار.
وأكد الجانبان التزامهما القوي بالتغلب على التحديات الإقليمية، وتصميمهما المشترك على مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب وتعزيز تعاونهما في المجالات الأمنية والدفاعية، مشددين على أهمية الاتفاق الإبراهيمي للسلام في تعزيز التسامح والتعايش في المنطقة.
زيارات متبادلة
تخللت القمتان زيارات متبادلة لمسؤولين رفيعي المستوى من البلدين لتعزيز التعاون الثنائي، فقبل نحو أسبوعين استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقصر الشاطئ في أبوظبي، فلورنس بارلي وزيرة القوات المسلحة الفرنسية.
وبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والوزيرة الفرنسية، خلال اللقاء، علاقات الصداقة ومستوى التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين في الشؤون والجوانب العسكرية والدفاعية التي تسهم في تعزيز العمل المشترك بينهما وتطويره لما فيه مصلحة البلدين.
كما تبادلا وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وقبل نحو أسبوع، استقبل الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، في مبنى القادة بمقر إكسبو 2020 دبي.
وتناول اللقاء تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، في ضوء الشراكة الاستراتيجية القائمة بين دولة الإمارات وفرنسا، وسبل تطوير هذه الشراكة على مختلف المستويات وفي شتى المجالات بما يعود بالنفع على الشعبين الصديقين.
وأثنى الوزير الفرنسي بما حققته دولة الإمارات من إنجازات ضمن مختلف القطاعات بما يعزز مكانتها إقليمياً ودولياً، مشيداً بالنجاح الكبير الذي حققته دبي في استضافة معرض إكسبو 2020 دبي، والجهود الكبيرة التي بذلت لتقديم نسخة استثنائية من الحدث العالمي الذي يجمع أفكار ورؤى العالم نحو مستقبل أفضل للجميع.
وفي 11 من الشهر نفسه، التقى ماكرون في باريس، نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية، وذلك خلال أعمال الدورة الرابعة لمنتدى باريس السنوي للسلام، الذي شارك فيه نحو 30 رئيس دولة وحكومة.
وقالت الكعبي -على هامش حضورها منتدى باريس للسلام- إن مشاركة دولة الإمارات في منتدى باريس للسلام تمثل فرصة لمناقشة التحديات العالمية التي تواجه المجتمعات وسبل توحيد الجهود لمواجهتها بما يفتح آفاقا أوسع أمام التنمية والازدهار.
كما التقى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي 2 أكتوبر الماضي جان إيف لودريان وزير خارجية فرنسا، وذلك خلال زيارته إلى مقر الجناح الفرنسي في معرض إكسبو 2020 دبي.
وأعرب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن ترحيبه بالمشاركة الفرنسية المتميزة في الحدث العالمي الكبير على أرض الإمارات وفي رحاب مدينة دبي، مع أول انعقاد له في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.
وتجاذب أطراف الحديث مع وزير الخارجية الفرنسي خلال الزيارة حول آفاق تعزيز التعاون المشترك في ضوء الروابط التاريخية الوثيقة بين البلدين، والشراكة الاستراتيجية التي شهدت دفعة قوية نحو آفاق أرحب من التعاون البناء في مختلف المجالات.
وكانت أول زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الشرق الأوسط بعد انتخابه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا يومي 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بمناسبة افتتاح متحف اللوفر أبوظبي.
وشهدت زيارة ماكرون للإمارات إطلاق عدد من المشاريع وتوقيع العديد من الاتفاقيات تعزيزا لعلاقات التعاون والشراكة بين البلدين في مختلف المجالات وبما يخدم مصالح الشعبين الصديقين.
زيارة ماكرون جاءت بعد نحو 5 شهور من الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لباريس في يونيو/حزيران من العام نفسه.
كما أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة لفرنسا في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، صدر في ختامها بيان مشترك جددت فيه دولة الإمارات وفرنسا التزامهما بتعزيز شراكتهما الاستراتيجية ورغبتهما في خلق مناخ مزدهر ومستقر ومواصلة المشاورات بينهما.
وخلال الزيارة، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن الإمارات وفرنسا شريكتان في الحرب على التطرف والإرهاب ودعم قيم التسامح وتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية، والعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
خارطة طريق
تأتي زيارة ماكرون اليوم بعد نحو 5 شهور من عقد لجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الفرنسي اجتماعها الثالث عشر في 29 يونيو/حزيران الماضي عبر الاتصال المرئي.
وعُقد الاجتماع انسجامًا مع المبادئ التوجيهية التي وضعها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وشهد الاجتماع نقاشات حول قطاعات رئيسة في التعاون الثنائي كالاقتصاد والتجارة والاستثمار والنفط والغاز والهيدروجين والطاقة النووية والطاقة المتجددة والتعليم والثقافة والصحة والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والتكنولوجيا المالية وحقوق الملكية الفكرية ومكافحة غسيل الأموال وسياسات مكافحة تمويل الإرهاب والفضاء والأمن.
وانطلاقا من الإنجازات الكبرى التي حققتها الدولتان معًا خلال السنوات العشر الماضية –منها افتتاح متحف اللوفر أبوظبي وجامعة السوربون أبوظبي واتفاقية الدفاع المشترك عام 2009- أعربت فرنسا والإمارات عن عزمهما تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتحقيق المزيد من التطوير المتبادل عبر تحديد أهداف ومبادرات مشتركة جديدة.
ويعتبر ما تم الاتفاق عليه امتدادا لخارطة الطريق الطموحة للسنوات العشر القادمة بين البلدين للشراكة الاستراتيجية الإماراتية الفرنسية 2020-2030، والتي اعتُمدت في يونيو/حزيران 2020.
وخلال الاجتماع الثاني عشر للجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي-الفرنسي، تم إقرار خطة عمل ثنائية طموحة للعقد المقبل؛ لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية للأعوام (2020–2030).
وانطلق الحوار الاستراتيجي عام 2007؛ بهدف تعزيز فرص التعاون المشتركة في أكثر من 13 مجالاً أبرزها الاقتصاد والنفط والغاز والطاقة المتجددة والصحة والفضاء، فيما تُعقد اجتماعات الحوار الاستراتيجي الإماراتي-الفرنسي سنويًا بهدف تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وبحث فرص التعاون والتنسيق ومواصلة التعاون البنّاء في عدد من المشاريع والمبادرات.
علاقات شاملة
تتميز العلاقات بين الإمارات وفرنسا منذ تأسيسها عام 1971 بأنها شاملة لا تتوقف عند حد التنسيق السياسي والدبلوماسي فقط، وإنما تمتد إلى المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية والحضارية، وهو ما يعبر عن نفسه في الكثير من المظاهر مثل جامعة السوربون-أبوظبي ومتحف اللوفر-أبوظبي، والتعاون بين البلدين من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات.
ويعزز الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وفرنسا توافر الإرادة المشتركة لدى قيادتي الدولتين للمضي قدما بالعلاقات نحو آفاق جديدة، إضافة إلى وجود قناعة مشتركة وإدراك متبادل لأهمية هذه العلاقات، وهو ما يظهر في حرص البلدين على المشاورات والحوارات المستمرة حول القضايا الإقليمية والعالمية، نظرا للمواقف المتوازنة والمعتدلة التي تتبناها الدولتان إزاء قضايا الشرق الأوسط والتي تجعل منهما أطرافا مهمة في تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
أيضا يعزز تلك العلاقات توافق الرؤى بين البلدين في العديد من الملفات، أبرزها مواجهة الإرهاب والتصدي للفكر المتطرف الذي يقف وراءه، من منطلق إدراكهما خطورة الإرهاب على أمن واستقرار المنطقة والعالم.