الإمارات وفرنسا.. صفقة الرافال تتوج تعاونا عسكريا يتنامى
تعاون عسكري متنام ومتواصل بين دولة الإمارات وفرنسا لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
تم تتويج هذا التعاون بالتوقيع، اليوم الجمعة، على اتفاقية بين البلدين، تشتري بموجبها دولة الإمارات من فرنسا 80 طائرة رافال، إضافة إلى 12 طائرة هليكوبتر من طراز كاراكال، بحسب ما أعلن قصر الإليزيه.
يأتي الإعلان عن الاتفاقية بالتزامن مع وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دولة الإمارات اليوم الجمعة في مستهل جولة خليجية تقوده إلى قطر والسعودية.
كما تعد تلك الصفقات أحدث حلقة في مسيرة التعاون العسكري بين البلدين، والتي شهدت خلال الفترة الماضية مباحثات مكثفة ومناورات مشتركة.
أيضا اتفق البلدان على التعاون الوثيق بينهما في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الذي ستنضم إليه دولة الإمارات في يناير/كانون الثاني المقبل.
مباحثات هامة
واستقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، اليوم الجمعة، ماكرون الذي يقوم بزيارة عمل إلى الدولة في معرض "إكسبو 2020 دبي".
وبحث الجانبان علاقات الصداقة ومسارات التعاون المشترك وفرص تنميته في مختلف المجالات في إطار الشراكة الإستراتيجية المتميزة التي تجمع البلدين خاصة في الجوانب الاستثمارية والاقتصادية والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة والأمن الغذائي.. إضافة إلى المجالات الثقافية والتعليمية وغيرها بما يحقق مصالحهما المتبادلة.
كما استعرض الجانبان خلال اللقاء مجمل القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وتبادل وجهات النظر بشأن تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
وأكد الجانبان في هذا السياق حرصهما المشترك على تعزيز مختلف جوانب الشراكة الإستراتيجية بين دولة الإمارات وفرنسا، إضافة إلى توافق الرؤى بشأن أهمية دعم الحلول والمبادرات السلمية التي تهدف إلى ترسيخ أركان الأمن والاستقرار في المنطقة بما يحقق تطلعات شعوبها إلى السلام والتنمية.
وقال الإليزيه، في بيان استبق الزيارة، إن فرنسا "تجمعها شراكة طويلة الأمد" مع دولة الإمارات، مشيرا إلى أن الزيارة "ستسمح بتعزيزها سياسيا واستراتيجيا ودفاعيا وأيضا اقتصاديا وثقافيا".
وأعلن قصر الإليزيه، أن دولة الإمارات وقعت اتفاقية مع فرنسا لشراء 80 طائرة رافال.
وأشار إلى أن فرنسا وصندوق أبوظبي السيادي أعلنا عن عقد بأربعة مليارات يورو بين مبادلة وبي.بي.آي الفرنسية.
وذكرت رويترز أن فرنسا ودولة الإمارات تؤكدان توقيع صفقة لشراء 12 طائرة هليكوبتر من طراز كاراكال أيضا.
دلالات هامة
يأتي الإعلان عن تلك الصفقات في توقيت هام يحمل العديد من الدلالات التي تؤكد تعزيز التعاون بين البلدين لما فيه دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
أبرز تلك الدلالات أن الزيارة تأتي غداة احتفال دولة الإمارات بعيد الاتحاد الخمسين واليوبيل الذهبي لتأسيسها عام 1971، وهو توقيت يتزامن أيضا مع مضي خمسة عقود على العلاقات الثنائية الشاملة والمتميزة، التي جمعت دولة الإمارات وفرنسا، تطورت خلالها، وأثمرت نجاحاً كبيراً في العديد من المجالات، وعلى وجه الخصوص السياسية والاقتصادية والثقافية.
كما أن الزيارة تأتي بعد 3 شهور من القمة التي جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وماكرون في باريس منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وأكد خلالها الجانبان التزامهما القوي بالتغلب على التحديات الإقليمية، وتصميمهما المشترك على مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب وتعزيز تعاونهما في المجالات الأمنية والدفاعية.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وماكرون على تجديد الشراكة الوطيدة التي تجمع البلدين وأعربا عن ثقتهما الدائمة في قدرتهما على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
عضوية مجلس الأمن
أيضا فإن توقيع تلك الصفقات يأتي قبل نحو شهر من بدء عضوية دولة الإمارات في مجلس الأمن الدولي، وسط اتفاق البلدين على التعاون الوثيق بينهما في مجلس الأمن الدولي.
وتعد فرنسا عضوا دائما في مجلس الأمن، فيما تم انتخاب دولة الإمارات يونيو/حزيران الماضي، عضوا في مجلس الأمن الدولي للفترة "2022-2023"، في خطوة تعكس مكانة دبلوماسية دولة الإمارات القائمة على نشر السلام والمحبة بين جميع شعوب الأرض، والتقدير الدولي لها.
ويتوقع مراقبون أن يتزايد التعاون بين الدولتين في مجال مكافحة الإرهاب ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة، ويصل آفاقا أرحب خلال الفترة المقبلة، خصوصا بعد انتخاب الإمارات عضوا في مجلس الأمن.
وترى دولة الإمارات أنه "لا يمكن أن تنجح الجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب دون وحدة مجلس الأمن والمجتمع الدولي ككل".
وسبق أن شددت دولة الإمارات على أهمية أن تركز استراتيجية مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب على استباق التحديات وألا تقتصر فقط على الاستجابة للأحداث التي تقع، موضحةَ أن ذلك يتطلب النظر في كيفية استخدام الابتكار التكنولوجي لتحسين جهود مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى إجراء دراسات تحليلية حول تداعيات الإرهاب مع مراعاة الفوارق بين الجنسين.
وأكدت أنها "ستستمر في جهودها الرامية إلى القضاء على هذه الآفة العالمية، وستحافظ على نهجها في مكافحة الإرهاب خلال عضويتها في مجلس الأمن للفترة 2022 - 2023".
تعاون متواصل
أيضا تأتي زيارة ماكرون إلى دولة الإمارات، والإعلان عن تلك الصفقات العسكرية الضحمة، في وقت تشهد فيه العلاقات العسكرية بين البلدين تعاونا متناميا.وقبل أسبوعين، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في قصر الشاطئ في أبوظبي فلورنس بارلي وزيرة القوات المسلحة في الجمهورية الفرنسية 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والوزيرة الفرنسية، خلال اللقاء، علاقات الصداقة ومستوى التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين في الشؤون والجوانب العسكرية والدفاعية التي تسهم في تعزيز العمل المشترك بينهما وتطويره لما فيه مصلحة البلدين.. وتبادلا وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
تمرينات مشتركة
وجاء اللقاء في أعقاب ختام التمرين العسكري الإماراتي الفرنسي المشترك "ذئاب الجبل 2"، بين الوحدات الجبلية بالقوات البرية الإماراتية ووحدات من اللواء الجبلي 27 الفرنسي.
وتضمن التمرين عددا من الفعاليات والتمارين العسكرية الجبلية والتدريبات المشتركة في بيئة العمليات الجبلية، ضمن خطة التعاون بين البلدين التي بدأت في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وجاء أيضا ضمن التمارين العسكرية المشتركة متعددة الأطراف التي تجريها القوات المسلحة الإماراتية على مدار العام مع قوات الدول الشقيقة والصديقة، بهدف رفع الكفاءة القتالية واكتساب المزيد من الخبرات الميدانية، والعمل على توحيد المفاهيم والمصطلحات العسكرية بين الأطراف المشاركة في التمرين.
ويهدف التمرين إلى تعزيز أواصر التعاون والعمل المشترك، وتبادل الخبرات في المجالات العسكرية، ما يسهم في رفع القدرة العسكرية القتالية، وزيادة التنسيق بين القوات المسلحة الإماراتية والقوات المسلحة الفرنسية، انطلاقاً من حرص وزارة الدفاع بدولة الإمارات الدائم على رفع مستوى الأداء والكفاءة وفق استراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى الارتقاء بالمستوى العام والجاهزية القتالية لقواتنا المسلحة.
شراكة متنامية
مباحثات وتمرينات وصفقات تعزز شراكة إماراتية فرنسية اجتمعت على مدار سنوات لمواجهة التحديات ومكافحة الإرهاب ودعم الدول الصديقة بما يسهم في دعم أمن واستقرار العالم.
وسبق أن أكد ولي عهد أبوظبي أن دولتي الإمارات وفرنسا شريكتان في الحرب على التطرف والإرهاب ودعم قيم التسامح وتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية والعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية في 25 أبريل/نيسان الماضي، بدء تسيير رحلات الدعم اللوجستي لجهود المجتمع الدولي بقيادة فرنسا في مكافحة الإرهاب في منطقة دول الساحل الأفريقي الهادفة لتحقيق الأمن والاستقرار.
وسبق أن أعلنت دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2017 عن تقديم مساهمة بقيمة 30 مليون يورو لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي لمحاربة ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة.
جاء ذلك خلال مشاركة وفد إماراتي في المؤتمر الدولي لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الخمس "مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا" في العاصمة باريس، بحضور ماكرون ورؤساء دول الساحل الأفريقي.
مبادرات دولية
الجهود الإماراتية الفرنسية لمكافحة الإرهاب، أخذت بعدا مؤسساتيا دوليا عبر مبادرات نوعية.
وأنشأت دولة الإمارات عبر تعاونها مع فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع "ألف".
ويهدف التحالف إلى منع الجماعات الإرهابية من تدمير الممتلكات الثقافية والاتجار بها بشكل غير قانوني.
ويعتبر "ألف" الذي يتخذ من جنيف مقرا له وتقوده دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا هو المنظمة الدولية الوحيدة المكرسة لإنشاء صندوق دعم مالي لحماية التراث في مناطق النزاع المسلح.
ويسعى في إطار تنفيذ أهدافه إلى تمويل الإجراءات الوقائية، والتدخلات الطارئة والمشاريع التأهيلية الملموسة بعد انتهاء الصراعات، في مختلف أنحاء العالم إلى جانب تعزيز الصلح وبناء السلام والتنمية المحلية والتنوع الثقافي واستعادة التلاحم الاجتماعي من خلال جهودها لحماية التراث.
وانطلقت فكرة إنشاء التحالف خلال المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر الذي عقد بأبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وأصبحت المؤسسة حقيقة واقعة في شهر مارس/ آذار 2017، بمبادرة من فرنسا ودولة الإمارات، وتضم اليوم عددا من الدول، إلى جانب عدد من المؤسسات الهامة في المجتمع المدني، وشخصيات بارزة في مجال العمل الإنساني.
من أبوظبي أيضا، تأسس "التحالف الأمني الدولي" عام 2017 وتستضيف وزارة الداخلية الإماراتية أمانته العامة ويعد مجموعة عمل دولية لمواجهة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والقارات وجرائم التطرف من خلال مشاريع تعاونية وعبر تبادل الخبرات في الممارسات المطبقة في هذه الدول.
ويضم التحالف كلا من دولة الإمارات العربية المتحدة، وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسلوفاكيا والسنغال وسنغافورة ومملكة البحرين والمملكة المغربية إلى جانب إسرائيل التي انضمت نهاية العام الماضي رسميا لهذا التحالف الدولي.
واستضافت أبوظبي أحدث اجتماعاته الذي عقد عن بعد في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بحضور الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
وبين الشيخ سيف بن زايد آل نهيان أن التحالف يحمل على عاتقه مسؤوليات دولية وإنسانية، لاتخاذ ما هو مناسب من قرارات وإجراءات ضمن اختصاص عمل التحالف تعود بالفائدة والخير ليس على دول التحالف فقط، وإنما لتعم العالم أجمع.