في عصرٍ تتدفق فيه الأخبار بسرعة الضوء وتتشابك فيه المنصات الرقمية بمختلف أشكالها، أصبحت مسألة ضبط المحتوى مسؤولية لا تقل أهمية عن ضبط الأمن في الشارع أو الرعاية الصحية في المستشفيات.
فالمجتمع الذي يُترك فريسة للفوضى الرقمية سيتعرض لأضرار نفسية واجتماعية قد تعصف بتماسكه. من هنا، برزت التجربة الإماراتية كنموذج متفرد في تحقيق ما يمكن تسميته بـ"الصحة الرقمية" للمجتمع، بفضل رؤية قيادية وحزم تشريعي وتنفيذي قاده عبدالله بن محمد آل حامد.
من تبليك بلا تعليق إلى المحاسبة القانونية
أولى الخطوات كانت مبادرات مجتمعية بسيطة وذكية مثل حملة «تبليك بلا تعليق»، التي شجعت مستخدمي المنصات على مواجهة الخطاب المسيء بالقطع الهادئ لا بالجدل العقيم. هذه المبادرات رسّخت سلوكًا وقائيًا عند الأفراد، يقوم على عزل الإساءة بدلًا من تضخيمها. لكن الإمارات لم تتوقف عند هذا المستوى التوعوي، بل انتقلت إلى مستوى مؤسسي أشمل، حين بدأت تحويل بعض المغرّدين المسيئين إلى النيابة العامة. هذه الخطوة الحاسمة وضعت قواعد جديدة للفضاء الرقمي: الحرية مصونة، لكنها مرتبطة بالمسؤولية، والكلمة لا تُترك بلا مساءلة.
بناء فضاء رقمي منضبط وآمن
نتيجة لهذه السياسات، أصبح المحتوى في دولة الإمارات يتمتع بدرجة عالية من الانضباط والاتزان. لا مكان للخطابات الهابطة أو حملات التشويه التي تُضعف ثقة المجتمع بنفسه، ولا مساحة للتحريض والكراهية التي تهدد السلم الأهلي. ما تحقق لم يكن مجرد ضبط قانوني، بل كان بناءً ثقافيًا أعاد تعريف حرية التعبير باعتبارها حقًا يصونه الاحترام والالتزام بالقيم.
الصحة الرقمية كأولوية مجتمعية
إن ما قامت به الإمارات يعكس إدراكًا عميقًا بأن المحتوى ليس مجرد نصوص عابرة، بل هو غذاء يومي للعقول والقلوب. فإذا كان الغذاء الفاسد يهدد صحة الجسد، فإن المحتوى السام يهدد الصحة النفسية والاجتماعية. لذلك فإن الحفاظ على بيئة رقمية نظيفة هو جزء أساسي من منظومة الصحة المجتمعية في زمن باتت فيه المنصات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
خلاصة
لقد أثبتت التجربة الإماراتية أن المسؤولية الإعلامية التزام حضاري وأخلاقي، وأن الكلمة قادرة إما على بناء الجسور أو هدمها. بفضل السياسات الحازمة التي قادها عبدالله بن محمد آل حامد، تحولت المنصات الرقمية في الإمارات إلى فضاء أكثر انضباطًا، يوازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع. إنها تجربة تؤكد أن الصحة الرقمية ليست رفاهية، بل شرطًا أساسيًا لنهضة الإنسان واستقرار الأوطان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة