دبلوماسية بناء الجسور.. مبادرات إماراتية لتصفير أزمات المنطقة
خطوات إماراتية متسارعة في اتجاهات عدة لتصفير الأزمات بالمنطقة ودعم أمنها واستقرارها.
أحدث تلك الخطوات، تمثل في زيارة وفد إماراتي برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني إلى إيران.
زيارة تأتي بعد نحو 10 أيام من الزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، إلى أنقرة 24 نوفمبر الماضي، وهي زيارة استبقها زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، إلى سوريا في 9 من الشهر نفسه.
واستبقت الزيارات الثلاث زيارة وفد إماراتي برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان للدوحة، 26 أغسطس/آب الماضي، في مبادرة إماراتية لطي صفحة الخلاف مع قطر.
خطوات متلاحقة في أكثر من اتجاه خلال وقت قصير تجسد دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، عبر مد جسور الصداقة والتعاون والتسامح بين الشعوب وبناء علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة كافة.
وتعد تلك الدبلوماسية تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي اعتمدها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، شهر أكتوبر الماضي، لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد للخمسين عاما القادمة.
كما تتناغم تلك الدبلوماسية الإماراتية الساعية لحلحلة أزمات المنطقة، عبر مبادرات استثنائية، مع سياسات الدول الكبرى في المنطقة وعلى رأسها السعودية ومصر.
تأتي تلك التحركات المكثفة في وقت تجني فيه الإمارات والمنطقة ثمار السلام، الذي انطلق بتوقيع الاتفاق الإبراهيمي بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، في ظل التزام إماراتي أبدي بدعم القضية الفلسطينية.
زيارة طهران
في أحدث مبادرات الإمارات لتعزيز التهدئة في المنطقة، زار وفد برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني إيران اليوم الإثنين، وسط احتفاء واسع من المسؤولين الإيرانيين.
واستقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي رئيس إيران الوفد الإماراتي، وبحث الجانبان العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها.
كما جرى خلال اللقاء تبادل وجهات النظر بشأن عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقبيل اللقاء، استقبل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
وأعرب عن أمله في أن تكون زيارة المسؤول الإماراتي لإيران بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، وتفسح المجال أمام توطيد العلاقات الثنائية.
وأكد أن الاستقرار والأمن الدائم لن يتحقق إلا من خلال الحوار والتعاون المستمر بين دول المنطقة.
وقال إن "العلاقات الودية مع الجيران وتبادل القدرات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية يندرج ضمن سلم أولولويات إيران في سياستها الخارجية".
بدوره، قال المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات الدكتور أنور بن محمد قرقاش، في تغريدة له اليوم على "تويتر"، إن "زيارة الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران تأتي استمراراً لجهود الإمارات الهادفة إلى تعزيز جسور التواصل والتعاون في المنطقة وبما يخدم المصلحة الوطنية".
وبين أن الإمارات "تسعى إلى تعزيز الاستقرار والازدهار الإقليمي عبر تطوير علاقات إيجابية من خلال الحوار والبناء على المشترك وإدارة الرؤى المتباينة".
رسائل متبادلة تعكس بشكل واضح رغبة البلدين في تسريع خطى التعاون بينهما على مختلف الأصعدة، والانطلاق نحو مرحلة جديدة.
وقبيل زيارة الشيخ طحنون إلى إيران، تلقى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي اتصالين هاتفيين من حسين أمير عبداللهيان وزير خارجية إيران يومي 30 و11 من الشهر الماضي.
جرى خلال الاتصالين بحث العلاقات الثنائية ومجالات التعاون المشترك وسبل تطويرها وتعزيزها بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين.
وتخلل الاتصالين زيارة علي باقري كني نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، إلى الإمارات 24 نوفمبر الماضي، ولقائه الدكتور أنور محمد قرقاش، وخليفة شاهين المرر وزير الدولة الإماراتي.
وتناول اللقاء بحث العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإيران، وتأكيد الجانبين على أهمية تعزيزها على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل في إطار المصالح المشتركة، والعمل على تحقيق المزيد من الاستقرار والازدهار في المنطقة، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الجارين.
مبادرات استثنائية
تأتي تلك الزيارة ضمن مبادرات استثنائية إماراتية عدة خلال الفترة الماضية ضمن دبلوماسية بناء الجسور وتبريد التوترات وتصفير الخلافات وتعزيز لغة الحوار ونشر أجواء الاستقرار والتسامح.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية زيارة مثمرة لتركيا، 24 نوفمبر الماضي، تخللها توقيع اتفاقيات استراتيجية بين البلدين.
تعاون يصب في صالح البلدين ويدعم أمن واستقرار المنطقة والإقليم، لثقل وأهمية البلدين الجيوسياسي والتاريخي، تكللت به الزيارة التي أسفرت عن توقيع 12 اتفاقية تعاون بين الإمارات وتركيا.
وأكد الجانبان خلال الزيارة أهمية تعزيز ركائز الأمن والسلام والاستقرار، والتي تشكل القاعدة الأساسية لانطلاق التنمية والبناء والمضي نحو المستقبل المزدهر الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة.
وفي تأكيد على نجاح الزيارة والدبلوماسية الإماراتية في تحقيق أهدافها، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات له اليوم الإثنين، أن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الأخيرة إلى أنقرة كانت خطوة مهمة لإعادة التواصل بين بلاده والإمارات.
وأضاف أردوغان خلال مؤتمر صحفي أن تركيا تحاول العودة للمسار الدبلوماسي مع دول الخليج، وإثبات مدى أهمية العلاقات مع أنقرة، مشددا على عزم بلاده على القيام بما يلزم، لتوطيد العلاقات مع هذه الدول.
وأشار إلى عزمه على إزالة سوء الفهم مع دول الخليج، واستمرار تضامن تركيا مع جميع دول المجلس، من خلال تقوية العلاقات المستقبلية.
واستبق تلك الزيارة، زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي إلى سوريا في 9 نوفمبر من الشهر نفسه، هي الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من 10 أعوام، تستهدف دعم عودة دمشق إلى حاضنتها العربية.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في تصريحات له اليوم الإثنين، إن زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي إلى دمشق "خطوة شجاعة".
ومهدت الزيارة الإماراتية لدمشق أجواء عودة سوريا المرتقبة إلى الحاضنة العربية.
كما أجرى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان زيارة إلى قطر 26 أغسطس/آب الماضي، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول إماراتي رفيع منذ بدء الأزمة مع قطر قبل 4 سنوات. كما أنها الأولى من نوعها بعد اتفاق العلا خلال القمة الخليجية الـ41 التي عقدت في محافظة العلا شمال غربي السعودية في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي تم بموجبه طي صفحة الخلاف مع قطر.
زيارت متتالية، أكدت خلالها الإمارات أنها تمد أيادي السلام والتسامح، لطي صفحة الخلافات، حرصا على إعادة العلاقات الأخوية إلى سابق عهدها من جانب، وتحقيق التضامن الإقليمي والخليجي، ونزع فتيل أية توترات بالمنطقة، والرغبة في التفرغ لمعركة البناء والتنمية، مع تعزيز التعاون والتكامل انطلاقا "من واقع أن المصير واحد والنجاح مشترك".
تناغم سعودي إماراتي مصري
وتتناغم تحركات الإمارات الدبلوماسية مع السياسات السعودية والمصرية في المنطقة، بعد طي صفحة الخلافات مع قطر، وبدء مرحلة جديدة في العلاقات مع تركيا، والرغبة المشتركة في تصويب إيران سياساتها.
وفي تصريحات له أبريل/نيسان الماضي، قدم الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رسائل إيجابية عديدة بشأن ملف العلاقات مع إيران، أقام من خلالها جسورا لتحقيق الاستقرار والسلام بالمنطقة، ورهن ذلك بتغيير إيران سلوكياتها السلبية.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن "إيران دولة جارة وكل ما نطمح إليه أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران، لا نريد وضع إيران أن يكون صعباً بالعكس".
وأضاف: "لدينا مصلحة في استقرار إيران، ولكن الإشكالية في التصرفات السلبية لطهران في برنامجها النووي، وبرنامج صواريخها الباليستية، ودعمها لمليشيات خارجية".
وبين أن المملكة "تعمل لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، وأن تكون العلاقة طيبة وقوية وفيها منفعة للجميع".
"مبادئ الخمسين"
وجسدت تلك التحركات الدبلوماسية تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي اعتمدها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، شهر أكتوبر الماضي، لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد للخمسين عاما القادمة، وهي تحتفل بذكرى تأسيس الاتحاد الخمسين.
وينص المبدأ الثالث من المبادئ العشرة على أن "السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد".
كما تجسد تلك الزيارات التي تأتي في إطار دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية، وبناء صفحات جديدة في العلاقات لتعزيز التعاون والتكامل المبدأ الخامس الذي ينص على أن "حسن الجوار أساس للاستقرار. المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها.
وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
وكذلك المبدأ الثامن الذي ينص على أن "منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح (....) وستبقى الدولة داعمةً عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية".
وأيضا المبدأ العاشر الذي ينص على "الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية".
ثقل دولي
وتجسد تلك المبادئ دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية، التي أسهمت في تعزيز ثقل ومكانة الإمارات الإقليمية والدولية وثقة العالم بها.
ثقة جسدها العالم بانتخابه دولة الإمارات عضوا في مجلس الأمن الدولي للفترة "2022-2023"، تقديرا لجهودها في دعم الأمن والاستقرار ونشر السلام.
وأكد هذه الثقة بانتخابها عضوا في مجلس حقوق الإنسان الأممي للفترة 2022-2024، في خطوة تعبر عن عمق الاحترام الدولي الذي تحظى به ودورها البارز في دعم حقوق الإنسان.
قبل أن تفوز باستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28" عام 2023، والذي يعد أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي، في خطوة جديدة تؤكد ريادة الإمارات، وتقدير العالم لجهودها في استدامة المناخ.