
في لحظة حاسمة من التحول العالمي، أكد قادة قطاعي الطاقة والتكنولوجيا في منتدى الطاقة العالمي ENACT 2025 الذي عُقد في العاصمة الأمريكية واشنطن، أن العالم يدخل فصلًا جديدًا من التقدم البشري.
وقال قادة قطاعي الطاقة والتكنولوجيا إن الذكاء الاصطناعي والطاقة يشكلان ركيزتين متلازمتين في مسيرة النمو الاقتصادي المستقبلي.
الحدث نظمه المجلس الأطلسي بالتعاون مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، وجمع المنتدى نخبة من صانعي القرار والخبراء من قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والتمويل والحكومات، بهدف رسم مسار تكاملي لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الناتج عن ثورة الذكاء الاصطناعي، وضمان أن يصبح الذكاء الاصطناعي عاملاً مسرعًا للتقدم البشري، لا عبئًا على الموارد.
الذكاء الاصطناعي قوة صاعدة
يشير التقرير الصادر عن المنتدى إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يعمل فقط على الأكواد، بل يعتمد على "الغيغـاواطات" من الطاقة. وبينما تتسارع وتيرة إنشاء مراكز البيانات حول العالم، فإن الطلب على الطاقة في الولايات المتحدة وحدها قد يقفز بنحو 150 غيغاواط بحلول عام 2030 – وهو ما يعادل استهلاك 30 مليون منزل إضافي.
وتوقّع التقرير أن يشكل الذكاء الاصطناعي ما يصل إلى 40% من الطلب الجديد على الطاقة بحلول نهاية العقد الحالي، مدفوعًا بزيادة استهلاك مراكز البيانات التي تعتمد على شبكات الكهرباء التقليدية والتي تعاني بالفعل من التقادم والتشبع.
حلول مبتكرة
رصد التقرير التحديات الآنية التي تواجه البنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، ومنها أن أكثر من نصف المحولات الكهربائية المستخدمة اليوم تجاوزت 25 عامًا من الخدمة. كما أشار إلى أن خطوط النقل ومرافق التوزيع بحاجة إلى استثمارات ضخمة لتجنب الأعطال وتحقيق الكفاءة.
وأوصى المنتدى بمجموعة من الحلول القصيرة الأمد، منها:
- زيادة الاستفادة من البنية التحتية الحالية عبر تقنيات إعادة تأهيل المحطات القديمة وتأخير إغلاقها.
- اعتماد تقنيات حديثة مثل أنظمة "تصنيف الخطوط الديناميكي" و"التوأمة الرقمية" لتحسين كفاءة الشبكة.
- تعزيز استخدام مصادر تخزين الطاقة بجوار مراكز الاستهلاك لتخفيف الضغط على الشبكة.
- تفعيل برامج إدارة الطلب من خلال ترحيل الأحمال غير العاجلة إلى فترات انخفاض الطلب.
كما دعا المنتدى إلى تبني نموذج "من يستفيد يدفع"، لتقاسم تكلفة تطوير الشبكات بطريقة أكثر عدلاً، وبما يحمي المستهلكين من ارتفاع الأسعار غير المبرر نتيجة الطفرات الصناعية الجديدة.
شبكة كهرباء لعصر الذكاء الاصطناعي
على المدى الطويل، أكد المشاركون أن الشبكة الكهربائية الحالية غير قادرة على استيعاب التحولات المتوقعة في نماذج الاستهلاك، خصوصًا مع تحول الاقتصاد نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي. واقترح التقرير الانتقال إلى شبكة ذكية قادرة على استيعاب مصادر طاقة متجددة مرنة، تتسم بالاستجابة للطلب في الوقت الحقيقي، ومرتبطة بأنظمة تخزين وتحليل متقدمة.
كما أشار إلى أهمية توجيه مراكز البيانات الجديدة إلى مواقع تتوفر فيها موارد الطاقة والمياه والأراضي والعمالة والبنية التحتية المناسبة، بدلًا من التركّز في المناطق المزدحمة ذات الشبكات المتقادمة.
- تحالف العقول.. شراكة بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي وجامعة السوربون أبوظبي
- شراكة استراتيجية بين «جي 42» و«ليكويد إيه آي».. لتسريع AI التوليدي
لم يكن دور الذكاء الاصطناعي في المنتدى مقتصرًا على كونه دافعًا للطلب، بل طُرح كأداة فعالة لمعالجة أزمة الطاقة نفسها. فبفضل قدراته في تحليل البيانات والنمذجة، يمكن للذكاء الاصطناعي:
- تسريع عمليات منح التصاريح للمشاريع الجديدة.
- تحسين إدارة أحمال الشبكة وتوزيع الطاقة.
- توقع الأعطال المحتملة وإجراء الصيانة الوقائية.
- تحسين كفاءة نظم التوليد والتوزيع من خلال "النماذج التنبؤية".
وفي هذا السياق، طُرحت فكرة إنشاء "مؤشر جهوزية مراكز البيانات"، وهو مقياس يُستخدم لتقييم جاهزية المواقع لاستقبال استثمارات في البنية التحتية لمراكز البيانات، استنادًا إلى معايير الطاقة والأرض والمياه والتشريعات والكوادر البشرية.
تمويل المستقبل
قدّر التقرير الحاجة إلى استثمارات تتجاوز 700 مليار دولار سنويًا لتحديث منظومة الكهرباء والبنية التحتية ذات الصلة في الولايات المتحدة وحدها، بالإضافة إلى ما يزيد على 450 مليار دولار لبناء وتشغيل مراكز البيانات.
ودعا المشاركون إلى تطوير نماذج مالية مرنة تتضمن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وآليات تمويل مبتكرة تستند إلى العوائد المستقبلية للمشاريع، مثل "الائتمان القائم على الأصول"، لتقليل تكلفة رأس المال وتحفيز الاستثمار طويل الأجل.
تحرك عالمي منسق
خلص المنتدى إلى أن الربط بين الذكاء الاصطناعي والطاقة ليس قضية مستقبلية، بل ضرورة حالية تتطلب تحركًا سريعًا ومدروسًا. وطالب بتعاون عالمي لبناء نظام طاقة أكثر ذكاءً ومرونة، يكون قادرًا على تلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي، دون المساس بالعدالة المناخية أو العدالة الاجتماعية.
وفي كلمته خلال المنتدى، قال الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات: "فصل جديد يُكتب الآن، يقوم على تكامل الذكاء الاصطناعي والطاقة. علينا أن نتحرك بسرعة، ونفكر بجرأة، ونستثمر بذكاء، لنصنع مستقبلًا يخدم البشرية كلها."
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA== جزيرة ام اند امز