كل فرع من فروع تنظيم القاعدة أصبح يمتلك مؤسسة أو مؤسسات إعلامية خاصة به تعمل بطريقة مستقلة، لكنها متوازية مع بقية الجماعات
إن الحديث عن تاريخ الدعاية الجهادية يقودنا حتماً إلى التطرق لتجربة تنظيم القاعدة المتواضعة. فقد مرت تجربة تنظيم القاعدة في الترويج لنفسها خلال عدة مراحل:
المرحلة الأولى: خلال عقد الألفينات، اقتصرت منشورات تنظيم القاعدة الدعائية على شبكة الإنترنت على نشر نصوص (دليل) تشرح كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية والخطب والمواعظ الداعية للكراهية والتي يكون جمهورها المستهدف هو المتطرفين من المسلمين، حيث تكون اللغة المستخدمة هي العربية. أما مكان النشر فيكون عادةً المنتديات (من 2005 إلى 2011) حيث يتم نشر تلك الوثائق أو تحميل الأشرطة الصوتية، أو قد يتم بطريقة أخرى عبر قناة الجزيرة القطرية التي كانت تبث رسائلهم.
منذ أواخر سنة 2018، يُلاحظ وجود اختفاء فوري لبعض قنوات القاعدة في تليجرام، بينما لا تزال قنوات داعش كما هي. وإذا بحثنا عن تفسيرٍ لذلك، فإن أول ما يتبادر للذهن هو أن داعش هو الذي يقوم بعمليات "التنظيف" بنفسه. وفرض ذلك على القاعدة البحث عن طرق أخرى للنشر تكون أقل إزعاجاً لهم
المرحلة الثانية: فكل فرع من فروع تنظيم القاعدة أصبح يمتلك مؤسسة أو مؤسسات إعلامية خاصة به تعمل بطريقة مستقلة، لكنها متوازية مع بقية الجماعات. وتبقى مؤسسة الفرقان الإعلامية هي الأبرز بين نظيراتها، إذ تأسست سنة 2006 في العراق لتتحول سنة 2013 إلى داعش، وأصبحت منذ ذلك الحين بمثابة الدليل لبقية المؤسسات. تم ذلك على يد خبير الدعاية وتأثيراتها المدعو الفرقان. ومع حلول سنة 2014 ووصول المقاتلين للعراق وسوريا، عَمِلَ الفرقان على تجنيد من يتمتعون بخبرات في مجالات الإشهار، الإنتاج السينمائي، التصوير، الترجمة وإخراج الدعاية المكتوبة. وبذلك نجحوا في تغيير الجمهور المستهدف من المتطرفين فقط إلى كل الدول بغرض زرع الرعب في بعضهم والسعي لتجنيد البعض الآخر.
في تلك الأثناء، كانت الدعاية عبارة عن نشر الجماعة خبرا ما ليتم توزيعه في وسائل التواصل الاجتماعي، في الغالب يكون عبر فيسبوك أو تويتر بطريقة تجعله يصل لمؤيديه وأعدائه معاً. ويقوم هؤلاء أحياناً بإعادة نشره وبذلك يحققون مضاعفة أعداد الجمهور المتلقي. وفي بعض الأحيان يلجؤون إلى نشر الرسالة مباشرة على وسيلة التواصل الاجتماعي. أما في بعض المرّات فإنهم يكتفون بنشر روابط تلك الوثائق المنشورة في مواقع أخرى.
ولم يشأ القاعدة أن يظل دائماً على الهامش وقام بإعادة هيكلة بعض مؤسساته الدعائية، لكنه كان دائماً متخلّفا عن داعش. الشيء اللافت في قرار القاعدة هو أنه اعتمد شعاره الخاص به -لم يسبق له أن استعمل شعاراً- والذي يُضاهي شعار داعش من حيث الجودة.
خلال سنتي 2015 و2016 ظهرت مجموعات سيبرانية تدّعي أنها تريد فعل ما عجز تويتر وفيسبوك عن فعله، أي غلق حسابات معينة تنشر رسائل الدعاية الجهادية.
المرحلة الثالثة: النتيجة التي حصلت عليها تلك المجموعات السيبرانية تمثلت في تغيير الجهاديين سنة 2016 لطريقتهم في نشر الدعاية. إذ هجروا وسائل التواصل: تليجرام، سيجنال، واتس آب، وايكر، سوريسبوت وتريما، كما اختفوا نهائياً في تويتر وفيسبوك.
ومع مرور الوقت بدأ نشر دعاية داعش والقاعدة يزداد في تليجرام باستعمال شبكات "أرشيف دوت أورج" توازياً بالنسبة لداعش، بينما القاعدة لجأ إلى "جاست باست" لنشر مقاطع الفيديو وملفات بي دي إف سنة 2016. ففي سنة 2019 بلغ عدد الإعدادات في تليجرام التي يستخدمونها لنشر مقاطع الفيديو أو الوثائق المكتوبة أكثر من 60 عددا.
المرحلة الرابعة: منذ أواخر سنة 2018، يُلاحظ وجود اختفاء فوري لبعض قنوات القاعدة في تليجرام، بينما لا تزال قنوات داعش كما هي. وإذا بحثنا عن تفسيرٍ لذلك، فإن أول ما يتبادر للذهن هو أن داعش هو الذي يقوم بعمليات "التنظيف" بنفسه. وفرض ذلك على القاعدة البحث عن طرق أخرى للنشر تكون أقل إزعاجاً لهم، بينما يلاحظ داعش السهولة التي تتم بها مضايقة العدو في تليجرام. ويُحضّر داعش نفسه منذ أشهر لاختفاءٍ محتمل من تليجرام إلى ديبويب.
منذ يناير/كانون الثاني الماضي وداعش يجري عدة تجارب بالتوازي في تليجرام تحضيراً ليوم الخروج. ويكون الاتصال مختلفاً بعد تغيير شبكة التواصل الاجتماعي لكنه متشابه في الرسالة وطريقة النشر.
هل يختفي إذاً داعش في تليجرام؟ لن يغادر داعش، فهو ينتظر حتى يتم طرده ليبدأ بتشغيل القنوات البديلة كي يحاول الرد على هذه الخسارة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة