مع إعلان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، يوم 18 يوليو/تموز يوم "عهد الاتحاد" تداعت لذاكرتي أيام طفولتي البعيدة حينما كنت في الصف الخامس الابتدائي.
إذ كنا ننتظر بشوق وحماس توزيع أعداد مجلة ماجد علينا في يوم الاتحاد، وأيضاً تلك الدفاتر المدرسية التي كانت تزينها صورة الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
كنّا أطفالاً صغاراً ولم نكن ندرك معنى الاتحاد ومراميه البعيدة بسبب حداثة سننا.
ولكن مع انتقالي للصف السادس كان لوالدي الشيخ حشر بن مانع رحمه الله الفضل الخالد في صياغة وصناعة شخصيتي المعرفية والتنموية والوطنية، نفخ والدي فيّ حب الوطن حتى تعشق حبه شغاف قلبي ولا يزال نابضاً به، وحضّني على المعرفة والقراءة والمواكبة، بل ومع صياغته لمصادر معرفتي وبيئة تكويني النفسي والعقلي والوجداني جعلني أرى بعيون عقلي وقلبي معنى الاتحاد منذ يفاعة سني ونعمته العظيمة في حياتنا.
ومرت الأيام وتتالت السنين وكبرت وكبرنا وكبر حب وطني فيّ وكبر فيّ تذوق معنى الاتحاد وفقه الاتحاد وجني ثماره الحلوة لنا جميعاً، بل وصرت يوماً بعد يوم أدرك هذه النعمة العظمى في وجودنا كإماراتيين، فالاتحاد جعلنا نملك زمام حاضرنا ونتحكم في تصور وصناعة مستقبلنا الأجمل، ليس لنا وحدنا فقط، بل لكل من حلّ وافداً عندنا وعاش بيننا وكأني بالاتحاد أحال وطننا إلى جنّة لنا ولمن حلّ بيننا.
فالله تعالى خلق البشر ليكونوا سعداء ولهذا كانت بدايتنا من الجنة وعودتنا للجنة، ولهذا فثقافة السعادة ووجود سابقة تاريخية في سجل البشرية بوجود وزارة للسعادة ليس نوعاً من الترف اللفظي بل هو نوع من تحدي صناعة البقاء الأجمل وتحدي جعل السعادة صناعة نفسية متكاملة من الطفولة حتى بلوغ أعلى المراتب الإدارية والقيادية.
"عهد الاتحاد" يا له من اسم بليغ يكتنز في حروفه عاطفة وطنية جيّاشة وعهد رجال الوطن .. رجال المستقبل.. عهد أجيال الإمارات وهي تحمل شعلة العهد من جيل إلى جيل، بكل مساراتها وقنواتها، أجيال القيادات العليا، وأجيال القيادات المجتمعية والعلمية والاقتصادية، لا فرق بين أحد، إلا بمقدار ما يقدم ويعطي ويهب ولهذا نجد أن البنيان الإماراتي الوطني مرصوصٌ ومتينٌ وجاذب للعلماء والمبدعين والمستثمرين وأصحاب الحرف المهنية والفنية وكل من لديه قدرة البناء.
ودولة الإمارات تقوم على ثقافة " الباب المفتوح" الذي أرسى دعائمه الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومعه نائبه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طيب الله ثراهما، تلك الثقافة التي لا تبني جدار عزل بين المسؤول والمواطن بل بالعكس تجعل المسؤول في خدمة المواطن وسعادته وتلك لمحة لطيفة أشار إليها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم حينما أوضح في إحدى المناسبات أن مهمة الجهات الحكومية تقديم أفضل الخدمات للناس والتفاني في ذلك.
ونجدها أيضاً في تأكيد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على قياس الإنجاز في الجهات الحكومية فليس المهم وجود إمكانات بل الأهم الاستثمار الأعلى لهذه الإمكانات وتحقيق أفضل مردود وأعلى نتائج، ولهذا نجد لدينا ترسيخ جوائز قياس الأداء الحكومي والوظيفي وجوائز أداء المؤسسات وما يسمى " الموظف السري" كل تلك المعطيات تجعل الجميع تحت رقابة العطاء والبناء وتمنح بعدل فرصة التقدير للجميع من أعلى موظف حتى أصغر موظف وللمواطنين والخليجيين والوافدين والأجانب.
ولهذا نجد الجميع في سباق تنافس إيجابي في الأداء والعطاء لأنهم يعلمون علم اليقين أنه لا شيء يضيع هنا والكل لهم فرصتهم وتقديرهم.
والشيء بالشيء يذكر ولعل هذا ما يجعل الإمارات قبلة الإبداع والاستثمار لأنه من يريد المشاركة في بناء المستقبل ومن يريد أن تتاح له فرصة استخراج إبداعاته وطاقاته الكامنة فهنا وطن الإبداع الإنساني والاستثمار في البشر قبل الحجر.
"عهد الاتحاد".. نعمتنا الكبرى التي نعلم جيداً قيمتها في حياتنا وحياة أبنائنا وأحفادنا، ولكنها مسؤولية كبرى وتحدٍّ عظيم يتطلب منا جميعاً التشاركية وهذا يذكرني بدعوة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله يوماً للتجار ليشاركوا في دعم الحكومة خدمة للمواطنين من خلال قيامهم بأدوار مجتمعية وتنموية وخيرية تؤكد انتماءهم لوطنهم ومجتمعهم وهذا إحسان جزاؤه إحسان وعدل في الميزان وترسيخ للبنيان، وعلى العهد الوطني نفسه يجدد رئيس الدولة والمجتمع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تأكيد التشاركية في المسؤولية المجتمعية وتأكيد الهوية على أساس الانتماء والولاء لتكون دولة "الإمارات" هي القبيلة والآل وهي تجسيد جنّة الاتحاد.
"عهد الاتحاد" .. لأنه نعمة عظمى ولأنه مسؤولية جماعية وطنية يتشارك الجميع عهد صونها والحفاظ عليها ولهذا فهو التحدي التحفيزي لنا .. تحدي أن نواكب ونتطور .. تحدي أن نتقن مهارات المستقبل وقيادة المستقبل ونحن كما نحن في حفاظنا على هويتنا الخالصة في اللباس والسلوك والقول والفعل والقيم..
تحدي أن نتقن كلٌّ في موقعه اختيار فريق عمله ومستشاريه وكوادره .. تحدي اختيار أهل العزم ورجال الغد، تحدي حفاظنا على ميزة عظيمة هنا وهي القيادة عبر المعرفة والمعلومات والاستقصاء.
ولهذا أجدني منساقة بالحب ذاته والشغف ذاته منذ كنت يوماً عضواً في هيئة تنمية المجتمع لأجدد توصيتي بأن تؤسس لدينا " مراصد" بحثية استقصائية علمية واقتصادية واجتماعية تعين أهل القيادة على ضبط بوصلة المسار المستقبلي ورسم السياسات والاستراتيجيات وعلى الإحاطة بكافة السيناريوهات والاستعداد لكل الاحتمالات، وضبط اتخاذ القرار وفق معطيات الرصد والتقييم والتحليل ومعايرة ذلك وفق هويتنا ومرامينا ومقاصد حكامنا شيوخ الإمارات .. فنحن نحيا في عالم تتسارع فيه المتغيرات والتبدلات في خارطة عالمية وجغرافيا تكنولوجية ومعلوماتية تجعل المهمة أصعب والتحدي أعظم، ولكنها مسؤوليتنا جميعاً لنحافظ على النعمة التي بين أيدينا اليوم وغداً، ولنجدد العهد الشامخ فينا بصوت هدّار واحد مع القادة .. لنحيا وتحيا أجيالنا القادمة في نعيم معنى الاتحاد وثماره الدانية القطوف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة