ما يجري في إدلب السورية هذه الأيام كشف حقيقة هذه السياسة، ووضع أردوغان في مأزق هو الأصعب
يعتقد السلطان العثماني أردوغان أن لديه القدرة على استغلال التنافس الروسي - الأمريكي على موقع تركيا الاستراتيجي، في خدمة أجنداته إلى ما لا نهاية، وأن هذه السياسة ستوصله في النهاية إلى تحقيق أحلامه الإمبراطورية، فالرجل يعرف تماما أن احتلال عفرين السورية كان بالتفاهم مع بوتين، كما كان احتلال رأس العين - تل أبيض بحجة إقامة منطقة آمنة بالتفاهم مع ترامب، دون أن يدري أن ذلك كان بمثابة رشوة سياسية له، للقيام بأدوار ووظائف في إطار التنافس الروسي - الأمريكي على العديد من ملفات المنطقة.
ولعل بين المعادلتين يتذكر أردوغان قول ترامب له، عندما قال له لا تكن أحمق، رقصة البهلوان الأردوغانية بين روسيا وأمريكا باتت مكشوفة، وجعلت من تركيا مثل الفأر الذي يرقص بين أقدام الفيلة
ما يجري في إدلب السورية هذه الأيام كشف حقيقة هذه السياسة، ووضع أردوغان في مأزق هو الأصعب منذ بدء الأزمة السورية، بعد أن تبخرت أحلامه بالسيطرة على كامل سوريا، ووجد نفسه في مستنقع عميق برفقة جبهة النصرة الإرهابية، حيث يقابل الرئيس السوري بشار الأسد تهديداته وحشوده العسكرية برسالة صارمة، مفادها بأن الجيش السوري سيستمر في تقدمه حتى استعادة كل الأراضي السورية التي تحتلها تركيا، وهي في الحقيقة رسالة روسية قبل أن تكون سورية، وكانت موجهة بالدرجة الأولى إلى المطالبة التركية بتراجع القوات السورية عن المناطق التي استعادتها مؤخرا، وإلا فإن الجيش التركي سيطلق عملية عسكرية في إدلب مع نهاية المهلة التي حددها أردوغان بنهاية الشهر الجاري.
أردوغان الذي يعيش في مأزق عميق يدرك أن اللعب مع بوتين ليس مزحة بل سيكون مغامرة قد تأتي بنهايته، يهرع هذه الأيام إلى واشنطن وحلف الناتو، طالبا المساعدة منهما تحت شعارات إنسانية وأخلاقية، أردوغان هذا يعرف جيدا أنه أحرق مراكبه مع الغرب منذ أن رفض الاستجابة لطلبه بالتخلي عن صفقة إس - 400 مع روسيا، وذهب بعيدا مع بوتين في نسج شراكة في الطاقة والأمن والسلاح لا تريدها واشنطن لحليف عضو في الحلف الأطلسي، ومع أن الناتو نأى بنفسه عن دعم أردوغان عسكريا فإن المبعوث الأمريكي جيمس جيفري لا يتوانى عن إرسال رسائل غامضة له، في إطار استمرار اللعبة الأمريكية الهادفة إلى توريط أردوغان أكثر في علاقته الصعبة مع بوتين من خلال إعلان دعمه في إدلب، وهكذا ينكشف أردوغان وتهديداته الصوتية التي لم تعد تسمع خارج باحة قصره العثماني الأبيض.
يقف أردوغان مشدوها بين الذهاب إلى بوتين للتوقيع على تفاهمات جديدة، وضعها القيصر الروسي بعناية فائقة لإخراج التركي ولاحقا الإيراني من المشهد السوري، وبين انتظار مكالمة من ترامب يتلقى خلالها جرعة جديدة لإطلاق تهديداته الصوتية، فيما على الأرض يواصل الجيش السوري تقدمه، متطلعا إلى فرض سيطرته على معبر باب الهوى الحدودي، ريثما يستعيد باقي المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا و"جبهتها النصرة"، لحظة صعبة ربما يحس أردوغان معها بفقدان الوزن بعد أن اعتقد طوال السنوات الماضية أن إعادة دولته العثمانية باتت مسألة وقت لا أكثر.
يصعب على أردوغان تجرع كأس سم الفشل في سوريا، لأنه يعرف أن ارتداداته في الداخل التركي ستكون كبيرة عليه، وأن الجيش عندما يعود إلى ثكناته سيشكل الهاجس الأكبر لأردوغان الذي ما زال يخشى من انقلاب عسكري يضع نهاية لحكمه، وفي الوقت نفسه، بات يدرك أن أثمان البقاء على سياسته القديمة في سوريا كما في ليبيا ستكون مكلفة جدا، ولعل بين المعادلتين يتذكر أردوغان قول ترامب له، عندما قال له "لا تكن أحمق"، رقصة البهلوان الأردوغانية بين روسيا وأمريكا باتت مكشوفة، وجعلت من تركيا مثل الفأر الذي يرقص بين أقدام الفيلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة