شكلت المصافحة التي جرت بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان،
على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في الدوحة، مفاجأة من العيار الثقيل في عالم السياسة والعلاقات بين الدول، وطرحت في الوقت نفسه سؤالا جوهريا، فيما إذا كانت هذه المصافحة عابرة فرضتها لحظة اللقاء أم أنها ستشكل بداية جديدة للدفع بالتطبيع بين البلدين إلى الأمام بعد أن أعلنت القاهرة قبل فترة عن وصول المساعي الجارية بهذا الخصوص إلى طريق مسدود.
الثابت أن المصافحة التي جرت بين الرئيسين كسرت الحاجز النفسي بينهما، بعد سنوات طويلة من الاتهامات التي ساقها الرئيس أردوغان ضد الرئيس السيسي، عقب وصول الأخير إلى السلطة، وسقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر قبل نحو عقد، لكن الثابت أيضا أن تطورات كثيرة جرت منذ ذلك الوقت، جعلت من السياسة التركية تغير من آليات تعاملها مع دول الخليج العربي ومصر وإسرائيل.
وما التطورات التي جرت وتجري على مسار العلاقات التركية مع هذه الدول إلا تجسيد لذلك، خاصة في ظل الخطوات التي تتخذها السلطات التركية في مواجهة نشاط تنظيم جماعات الإخوان المسلمين على أراضيها، في وقت بات التنظيم مكشوفا، ويشهد أزمات في كل الاتجاهات، وسط مؤشرات ومعطيات ووقائع توحي جميعها بنهايته.
الإشارات التي صدرت من القاهرة وأنقرة عقب مصافحة السيسي - أردوغان تشير إلى أن هذه المصافحة لم تكن عابرة وإنما لها ما بعدها، إذ أكدتا أن المصافحة تشكل بداية لتطوير العلاقات بين البلدين، وهو ما يوجه الأنظار إلى الخطوات المقبلة، وكذلك إلى العقبات التي حالت دون تحقيق المصالحة بينهما حتى الآن رغم العديد من اللقاءات التي جرت بين الجانبين.
وعليه يمكن القول إن هذه المصافحة وضعت البلدين أمام مسار جديد من اللقاءات على مستوى الأجهزة الأمنية والسياسية، وصولا إلى مستوى وزراء الخارجية، حيث من الواضح أن العقبة الأكبر لم تعد تتعلق بالإخوان المسلمين وإن كانت القاهرة بحاجة إلى إجابات واضحة من أنقرة بهذا الخصوص وضرورة عدم اكتفاء تركيا بخطوات تكتيكية، وإنما باتت العقبة تتعلق بالملف الليبي وشرقي المتوسط.
ولعل إشارة أردوغان عقب يوم من واقعة المصافحة إلى أن الطلب التركي الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط، تؤكد حقيقة هذا الخلاف بين الجانبين، وهو خلاف ينقسم إلى قسمين. الأول، له علاقة بالملف الليبي خاصة بعد الاتفاق الأخير الذي وقعته الحكومة التركية مع حكومة عبد الحميد الدبيبه في طرابلس الليبية، وهو ما قوبل بانتقاد ورفض من مصر التي تدعم برلمان طبرق والحكومات المنبثقة عنها.
والثاني يتعلق بالتحالفات الإقليمية التي تجري بخصوص الغاز في شرقي المتوسط، حيث تشهد العلاقات المصرية - اليونانية - القبرصية تطورا كبيرا في هذا المجال، وهو ما لا يلقى ترحيبا من قبل أنقرة التي ترى فيها تجاهلا لها ولمصالحها، خاصة بعدما وجدت نفسها خارج منتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس في القاهرة عام 2019، بهدف إنشاء سوق إقليمي للغاز في المنطقة.
وعليه يمكن القول إن المحادثات المقبلة بين الجانبين ستركز على هاتين النقطتين، وإذا كان في الملف الليبي ستأخذ المباحثات شكل التدقيق في المصالح والتنسيق في الخطوات، فإن من شأن ذلك ترك تداعيات إيجابية على الأزمة الليبية نفسها في الداخل، عبر دفع أطرافها إلى التوافق على الحل السياسي بعد أن تعثرت كل الجهود والمساعي حتى الآن لحلها سلميا.
فيما على صعيد شرق المتوسط من الواضح أن هذا الملف متشابك، وسيبقى حاضرا بقوة على طاولة علاقات مصر مع كل الدول المعنية، لاسيما اليونان وقبرص وإسرائيل في إطار الارتباطات والاتفاقيات التي نشأت بهذا الخصوص.
في جميع الأحوال، شكل لقاء المصافحة بين الرئيسين السيسي وأردوغان اختراقا كبيرا على الصعيد الشخصي قبل العلاقات بين البلدين، خاصة أنه جاء بعد أسابيع من إعلان القاهرة عن تعثر جهود المصالحة بينهما، وهو ما يعني انخراط الجانبين في عملية تفاوضية جديدة في ظل الاعتقاد بأن الأجواء باتت مهيئة لفتح صفحة جديدة بين البلدين رغم العقبات والملفات الصعبة والمتداخلة في شرقي المتوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة