في ذكراه الخامسة.. أردوغان "الرابح الخاسر" من انقلاب 2016
في الساعات الأولى من ليل هادئ بإسطنبول قبل خمس سنوات، كان كل شيء يطبعه السكون، قبل أن يدبّ الهلع في المدينة، على وقع "انقلاب عسكري".
انقلاب 2016، انقشع ضوء صباح اليوم الموالي على فشله؛ لتبدأ مرحلة جديدة في تركيا، ملؤها حملة تطهير غير مسبوقة، أنشأ فيها الرئيس رجب طيب أردوغان مقصلة لمنهاضيه في الجيش والقضاء، وفي جميع دوائر الحكم بالبلاد.
إعدام وطرد وفصل من الوظائف، ومحاكمات، وملاحقات، واختطاف، عاشها الأتراك في بلادهم، وفي أنحاء العالم، على يد أردوغان وسلطاته، بذريعة المشاركة في الانقلاب المزعوم، وموالاة المتهم الأول رجل الدين المقيم بالولايات المتحدة فتح الله غولن.
ولم تكفِ 5 سنوات مرّت فيما يبدو لإشفاء غليل أردوغان، فحتى يوم الناس هذا يمعن النظام التركي في قمع معارضيه، بتهمة المشاركة في انقلاب أبعد عن الرئيس التركي أبرز معاونيه، ووضع أنقرة عالميا في عزلة، بسبب انتهاك حقوق الإنسان.
فاتورة باهظة
فاتورة الانقلاب المزعوم تحمل أرقاما صادمة، ففي صفوف الجيش يعترف وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، بطرد أكثر من 23 ألف جندي وعنصر من القوات المسلحة التركية منذ انقلاب 2016، وذلك لانتمائهم إلى حركة الداعية فتح الله جولن.
أما العزل والوقف التعسفي عن العمل، فشمل حوالي 170 ألفا من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة وغيرهم، بموجب مراسيم رئاسية كانت تصدر عن أردوغان مباشرة.
حملة “تطهير” أردوغان في القطاعات العامة أسفرت أيضا عن اعتقال نحو 80 ألف شخص في انتظار المحاكمة، بحسب إحصائيات صادمة.
وذكر تقرير حديث نشرته وسائل إعلام تركية في مايو الماضي، أن عدد المفصولين من القيادات العامة البرية والجوية والبحرية والدرك، وقيادة خفر السواحل بالجيش التركي وصل إلى 29 ألفا و444 عسكريا.
نفس التقرير أوضح أن عمليات الفصل هذه تأتي في إطار اتهامات بالانتماء لجماعة رجل الدين فتح الله جولن، وأن التحقيقات قائمة بحق أكثر من 10 آلاف آخرين منهم 5 آلاف و887 شخصا بالقوات البرية، و3 آلاف و644 عسكريا في القوات البحرية، و1147 جنديا في القوات الجوية.
وتضمنت الإجراءات أيضا فصل 16 ألفا و409 من طلاب المدارس العسكرية، كما تم إبعاد 3310 أشخاص عن مناصبهم بشكل مؤقت وتسريح 1632 آخرين.
النظام الرئاسي.. الهدف
نتائج حملة التطهير المستمرة أفرغت الشعب التركي من قوة التحمل، وأطلقت أيدي أردوغان لتحقيق طموحاته السياسية، بتركيز السلطة في يده، عبر إلغاء النظام البرلماني، واستبداله بالنظام الرئاسي، ليكون "رجل السلطة الأوحد" في السلطة التنفيذية.
فبعد أشهر على الانقلاب (إبريل2017) بلغ أردوغان مبتغاه بتصويت البرلمان على التحول إلى النظام الرئاسي، قبل أن يدخل حيز التنفيذ في الذكرى الثانية للانقلاب (يوليو 2018) إثر فوز الرجل وحزبه العدالة والتنمية، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ليكون الرئيس ورئيس الوزراء كما أراد.
أردوغان يخسر رجاله
ديكتاتورية أردوغان ونهمه للسلطة، أبعدت عنه أبرز رجال نظامه؛ وألمع منظريه في السنوات الماضية، مثل أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق، ونائب رئيس وزرائه الأسبق علي باباجان.
ولم يتحمّل الرجلان عبث أردوغان في السلطة والحزب، فتفرقا لتأسيس حزبيهما بعيدا عن العدالة والتنمية وفرض رأي أردوغان.
وأمس القريب بيّن باباجان كيف استغل أردوغان ليلة انقلاب يوليو/تموز وحول "فرصة ديمقراطية" تلك الليلة في الاتجاه المعاكس، وحول نظام الحكم إلى نظام غريب بعيد عن القانون والديمقراطية بمساعدة شريكه الأصغر رئيس حزب الحركة القومية دولت باهجه لي، والتعبير لباباجان.
باباجان تفطّن أيضا في حديثه المتزامن مع ذكرى الانقلاب الخامسة إلى نتيجة أخرى سلبية، متهما أردوغان بجعل البلاد وحيدة ومعزولة على الساحة الدولية، بسبب هيمنة أيديولوجية ضيقة على مجال السياسة الخارجية بالكامل.
وساق مثالا على ذلك، بعلاقة القاهرة وأنقرة، مخاطبًا أردوغان بالقول: "... الآن تلاحق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي عندما عرفت أنك وحيد؟ التكلفة باهظة على بلدنا".
هذا التحسر على سياسية أردوغان منذ الانقلاب، ظهر سابقا في تصريحات لأحمد داود أوغلو حين قال مخاطبا أردوغان: "سوف تحاصر كرامة الإنسان وحقوقه بممارساتك، لكنك ستشرح خطة عمل حتى نتمكن من جذب بعض الأموال وجذب بعض الاستثمار".
وبيّن في تصريحاته مارس/آذار الماضي أن "تنفيذ معظم الأشياء التي ذكرها أردوغان حول خطة حقوق الإنسان لا تستغرق عامين ولا ساعتين بل دقيقتين. لكن عليك أن تغير طريقة تفكيرك. يمكنك تطبيقه في دقيقتين، لا تحتاج لأي وقت".
ولم يسكت داود أوغلو على ممارسات أردوغان، حيث قال العام الماضي، إن "تركيا تشهد فسادًا وظلمًا واستبدادًا، ويعمل الحزب الحاكم على محو حرية التفكير، فالبلاد تشهد فترة استثنائية من سنّ القوانين التي تستهدف الحريات".
عزلة دولية
عزلة أردوغان الداخلية، لم تختلف عن وضع تركيا دوليا، فحوصرت أنقرة سياسيا من الاتحاد الأوروبي على وقع توتر استمر طوال السنوات الخمس التي تلت الانقلاب، بسبب الممارسات القمعية ضد الصحفيّين وناشطي حقوق الإنسان، والسياسيّين، والمحاكمات غير العادلة للمتهمين بالانتماء لحركة جولن، وأزمة اللاجئين.
وهروبا إلى الأمام اتخذت سياسية أردوغان أبعادا جديدة في قطيعة مع "تصفير المشاكل"، الذي أعلنت تركيا انتهاجه قبل انقلاب يوليو، بنصيحة من أحمد داود أوغلو؛ لتتدخل في دول إقليمية بدءا بسوريا والعراق المجاورتين، وصولا إلى ليبيا، ونبش الخلافات مع دول المتوسط كاليونان، وقبرص.
ودخلت "تركيا أردوغان" في خلاف عميق مع الولايات المتحدة، بسب صفقة اقتناء دفاعات "إس 400" من روسيا، لتخسر برنامج تدريب مقاتلات “إف 35" الأمريكية، وتلغي واشنطن الصفقة الاستراتيجية.
aXA6IDMuMTQ1LjE2OS4xMjIg
جزيرة ام اند امز