أردوغان.. ابن القبطان يدشن "اليوبيل الفضي"
ولاية جديدة لرجب طيب أردوغان، نجل القبطان البحري، تبقيه على سدة الحكم في تركيا لـ5 سنوات مقبلة، بعد نحو عقدين على راس الدولة ما بين رئيس وزراء إلى رئيس.
انتخابات هي الأصعب في تاريخ تركيا الحديث، وفق التحليلات الغربية، خاضها أردوغان سعيا وراء ولاية رئاسية جديدة، هي الأخيرة له بحسب الدستور.
وتنص المادة 101 (2) من الدستور على أنه "يحق للمواطن التركي الذي أكمل دراسته الجامعية وأتمّ عامه الأربعين من عمره وتتوفر فيه شروط الترشح للبرلمان، أن يترشح لرئاسة الجمهورية ويتم انتخابه مباشرة من قبل الشعب".
وأن "مدة ولاية رئيس الجمهورية 5 سنوات، ويسمح بانتخاب الشخص نفسه لولايتين على الأكثر".
وخلال العقدين اللذين قضاهما في السلطة احتفظ أردوغان بصورة الزعيم القوي الذي لا يقهر، وحافظ على هذه الصورة، رغم الرياح العاصفة التي هزت حظوظه بشدة خلال الحملة الانتخابية، وتوقعت رحيله من أول جولة، إلا أنه وبخلاف التوقعات حل في المركز الأول بنسبة 49.51%:
وصعد نجم أردوغان بعد بدايات متواضعة، ليحكم بلاده لعشرين عاما أعاد خلالها رسم سياستها الداخلية والاقتصادية والأمنية والخارجية، وأصبح منافسا للزعيم التاريخي مصطفى كمال أتاتورك، الذي أسس تركيا الحديثة قبل قرن من الزمان.
وواجه أردوغان رياحا سياسية معاكسة قبل الانتخابات الرئاسية، إذ كان يعاني من تحميله مسؤولية أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد جاء في أثرها الزلزال المدمر في فبراير/شباط، بالإضافة إلى اتهام حكومته بالاستجابة البطيئة والتراخي في تطبيق لوائح بناء كان من المحتمل أن تنقذ أرواحا.
لكن سلطة أردوغان كانت مستقرة على قواعد قوية، إذ تمكن خلال 20 عاما من جمع خيوط كافة السلطات في يده من خلال نظام الحكم الرئاسي التنفيذي، والسيطرة على وسائل الإعلام والقضاء والاقتصاد، وتكديس المؤسسات العامة بالموالين.
لذلك، تمكن أردوغان الذي قضى قبل عقود عقوبة في السجن لأنه ألقى قصيدة شعر ديني، ونجا من محاولة انقلاب عسكري في عام 2016، من الثبات في وجه عاصفة انتخابية عاتية وسباق متقارب على الرئاسة.
ولعل النتيجة التي حققها أردوغان في الجولة الأولى تعود بالأساس إلى التمرس والخبرة في الإدارة، إذ فاز رئيس بلدية إسطنبول السابق، في أكثر من 10 انتخابات خلال الـ٢٠ عاما الماضية، وهو ما ظهر في تركيزه على إبراز إنجازات صناعية في فترة الحملة الانتخابية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية.
كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود، ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجانا للمنازل خلال فترة الحملة الانتخابية، وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا.
وفي إطار مساعيه لتعبئة الناخبين المحافظين، أدلى أردوغان أيضا بتعليقات مناهضة للمثلية الجنسية، ووصف حقوق مجتمع الميم بأنها مفهوم "منحرف" سوف يحاربه.
الصعود إلى السلطة
ولد رجب طيب أردوغان في فبراير/شباط 1954، ونشأ ابنا لقبطان بحري على ساحل البحر الأسود في تركيا، وعندما كان في الثالثة عشرة من عمره قرر والده الانتقال إلى إسطنبول، على أمل أن يحصل أطفاله الخمسة على تنشئة أفضل.
وباع أردوغان الشاب عصير الليمون وكعك السمسم "السميط" لكسب أموال إضافية، قبل أن يلتحق بمدرسة إسلامية قبل حصوله على شهادة في الإدارة من جامعة مرمرة في إسطنبول، وممارسة كرة القدم بشكل احترافي.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان أردوغان ناشطا في الأوساط الإسلاموية، وانضم إلى حزب نجم الدين أربكان "الرفاة"، ومع ازدياد شعبية الحزب في التسعينيات انتُخب أردوغان كمرشح للحزب لمنصب عمدة إسطنبول في عام 1994، وأدار المدينة على مدى السنوات الأربع التالية.
لكن فترة حكمه انتهت عندما أدين بالتحريض على الكراهية العنصرية، لقراءته علنا قصيدة قومية تضمنت سطور "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا".
بعد أن قضى أربعة أشهر في السجن، عاد إلى السياسة، وأسس في أغسطس/آب 2001، حزبا إسلاميا جديدا مع حليفه عبدالله غول، هو "العدالة والتنمية"، وفاز بالانتخابات في عام 2002.
وفي العام التالي تم تعيين أردوغان رئيسا للوزراء، ليبدأ مسيرته في الحكم، التي يأمل في أن تستمر حتى عام ٢٠٢٧ إذا فاز بانتخابات اليوم الأحد.
ومنذ عام 2003، أمضى أردوغان 3 فترات كرئيس للوزراء، وتزعم فترة من النمو الاقتصادي المطرد وحاز على الثناء دوليا كمصلح، إذ توسعت الطبقة الوسطى وخرج الملايين من الفقر، وشهدت البلاد طفرة في البنية التحتية.
التحول والسيطرة
لكن كان هناك ملامح تحول إلى الانفراد بالسلطة، وفق منتقديه، وبحلول عام 2013 خرج المتظاهرون إلى الشوارع، ورجع ذلك جزئيا إلى خطط حكومته لإزالة حديقة محبوبة للغاية في وسط إسطنبول.
وشكلت احتجاجات حديقة جيزي نقطة تحول في حكمه، إذ يراه منتقدوه "يتصرف كسلطان من الإمبراطورية العثمانية أكثر من كونه ديمقراطيا"، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
في عام 2014 ترشح أردوغان للدور الشرفي إلى حد كبير كرئيس للبلاد في انتخابات مباشرة غير مسبوقة، وبدأ تطبيق خطته لتغيير النظام السياسي عبر دستور جديد يحول البلاد إلى النظام الرئاسي.
لكنه عانى عراقيل في العامين اللاحقين، أولهما فقد حزبه أغلبيته في البرلمان لعدة أشهر بعد انتخابات عام 2015، وتعرض البلاد لمحاولة انقلاب كانت قريبة من اعتقال أردوغان قبل أن تفشل، في عام 2016.
وفي 2017 مرر أردوغان، بفارق ضئيل، استفتاء منحه سلطات رئاسية كاسحة، بما في ذلك الحق في فرض حالة الطوارئ وتعيين كبار المسؤولين الحكوميين، وكذلك التدخل في النظام القانوني، مدشنا فترة سيطرته بالكامل على السلطة.
انتخابات الرئاسة 2023
واجه أردوغان في الجولة الأولى منافسا توحدت خلفه المعارضة التركية، هو كمال كليجدار أوغلو، ورغم أن استطلاعات الرأي كانت تميل لصالح الأخير قبل الجولة الأولى وتمنحه الأفضلية، بل ذهب بعضها إلى فوزه من الجولة الأولى، لكن أرودغان حل في المركز الأول بنسبة 49.51% وبفارق ضئيل عن نسبة الـ50 %+1 المطلوبة، مقابل 44.8% لكليجدار أوغلو، ليخوض الاثنان أول جولة إعادة رئاسية في تاريخ تركيا.
وخلال الأسبوعين الفاصلين بين الجولة الأولى وجولة الإعادة، كسب أردوغان تأييد المرشح الرئاسي الخاسر سنان أوغان، الذي حصل على 5.28% بالجولة الأولى، الأمر الذي منحه أفضلية وفرصا أكثر في الفوز في الانتخابات، بحسب محللين.
ووفق نتائج أولية أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في تركيا فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية بعد جولة الإعادة التي انتهت الأحد، وأقر في نهايتها منافسه كمال كليجدار أوغلو بهزيمته.
وقالت الهيئة إن أردوغان حصل على 52.14% من الأصوات مقابل 47.86% لكليجدار أوغلو بعد إحصاء جميع الأصوات تقريبا.