إعلان القاهرة.. مسار سلام يربك أطماع أردوغان في ليبيا
الأمر المرعب بالنسبة لأردوغان هو جلوس أطراف النزاع في ليبيا إلى طاولة حوار لا تكون تحت رعايته
أكثر ما يرعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو جلوس أطراف النزاع في ليبيا إلى طاولة حوار لا تكون تحت رعايته من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة.
طرح يشكل كابوسا لمن صب الزيت على الحرب في ليبيا، وأجج الصراع طمعا في النصيب الأكبر من كعكة إعادة الإعمار ببلد ترسم أنقرة عبره خارطة أطماعها بالثروات النفطية شرقي البحر الأبيض المتوسط.
مآرب تفسر الصمت المريب لحكومة ما يسمى بـ"الوفاق" في العاصمة الليبية طرابلس حتى الآن بشأن إعلان القاهرة لمبادرة ليبية ليبية لإنهاء الأزمة والوصول إلى تسوية سلمية تتضمن وحدة وسلامة المؤسسات الوطنية وعودة ليبيا بقوة إلى المجتمع الدولي.
صمت يجزم مراقبون أن محادثات مكثفة تجري أثناءه بين ميليشيات طرابلس وأنقرة، لتحديد المسار المستقبلي للوضع الليبي في المنطقة الغربية بالأساس، وإن يبدو من الصعب التكهن بما سيكون عليه موقف الميليشيات من المبادرة المصرية، بالنظر لارتباط موقفها بحسابات الحكومة التركية.
ولكن، وبغض النظر عما سيكون عليه الرد، إلا أن المبادرة المصرية تحرج الطرفين المذكورين خصوصا أنها تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي حقنا للدماء، وتمهيدا لبناء دولة المؤسسات، ما يعني أن أي رفض لها سيكون إدانة وتأكيدا للتهم على أصحابها.
والأحد، اجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، إلى جانب رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، انبثق عنه "إعلان القاهرة" الذي يدعو لتشكيل مجلس رئاسي ليبي يضمن تمثيل الأقاليم الليبية الثلاثة وتفكيك الجماعات المتطرفة، وفق السيسي.
أردوغان والعقدة المصرية
المحلل السياسي الليبي الكيلاني سويد، رأى أن ما لا يروق لأردوغان في إعلان القاهرة هو راعي المبادرة، لأن الملف الليبي بالنسبة له ينبغي أن يظل وجوبا تحت المظلة التركية، ولإدراكه أن أي تدخل ناعم في الأزمة سيسلط الضوء بشكل أكبر على تدخله الخشن والتداعيات الكارثية لذلك.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال سويد إن التسويق الإعلامي لإحداثيات الوضع في ليبيا صدر الكثير من المغالطات و"الانتصارات" الوهمية لميليشيا طرابلس ومرتزقة أردوغان، مع أن ما حصل لا يعدو أن يكون سوى إعادة تمركز لقوات الجيش الوطني حقنا لدماء الليبيي، ومنعا لسيناريو التقسيم.
وأضاف أن حكومة فائز السراج الإخوانية مستنزفة بالكامل ودخولها لبعض المدن لم يكن لتحقيقها تقدما ميدانيا كما يروج البعض، وإنما جرى ذلك حين سنحت لها الفرصة بعودة الجيش الوطني إلى تمركزاته.
وبخصوص السيناريوهات المتوقعة حيال رد ميليشيات طرابلس على إعلان القاهرة، قال سويد إن أنقرة تخشى القوة الناعمة التي تمثلها مصر في ما يتعلق بالأزمة الليبية، وفي نفس الوقت، تدرك تركيا أن الحل العسكرى أصبح مستحيلا، وأن ليبيا تمزقت بما يكفي لتحمل حمام دم جديد.
وتابع موضحا أن تدخل أردوغان في ليبيا كلفه فاتورة باهظة سواء ماديا أو من ناحية الانتقادات والاستنكار الدولي، ولذلك يسعى بدوره لوقف الحرب في هذا التوقيت بالذات حتى يسوق للعالم كذبا أن تدخله في ليبيا مكن ميليشيات طرابلس من تحقيق النصر، ولذلك يريد مفاوضات على مقاس أطماعه، ومبادرة لا تخرج عن مظلته.
وخلص الخبير إلى أن الرئيس التركي يهدد ضمنيا بتكرار السيناريو السوري، وهي الورقة التي كبحت جماح تقدم الجيش الوطني، وجعلته يتنازل عن انتصاراته التي حققها على أبواب طرابلس منذ أكثر من عام.
الرعاية التركية لا معنى لها
يقول المحلل الليبي نصر عبد الحق، إن مفاوضات سياسية صعبة وشاقة تلوح في أفق الملف الليبي، مشيرا إلى أن أردوغان لن يقبل أبدا بترك الكعكة للقاهرة وهو الذي قطع شوطا كبيرا لتحقيق أطماعه واستغلال ميليشيات طرابلس لتحقيق أجندته بالبلد الغني بالنفط.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، أكد عبد الحق أنه "لا معنى لأن ترعى أنقرة أي مفاوضات للسلام في ليبيا طالما جعلت نفسها طرفا في الأزمة، كما أن المرحلة الراهنة لا تتطلب وجود جهة تخطط لأبعد من حل النزاع، بل تقتضي وجود شخصيات محنكة وذات مصداقية وتجيد فن الدبلوماسية".
ومضى يقول: "لا تلتفوا لما حدث ميدانيا فهناك كواليس وتفاصيل مفزعة، ولنبق عند الجانب الذي قد يقود نحو نهاية النفق.. الآن واشنطن تضغط باتجاه استئناف العملية السياسية ومحادثات جنيف للعسكريين، خصوصا بعد اتصال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بزعيم ميلشيات طرابلس فائز السراج".
وأوضح أن بومبيو وجه رسائل للسراج تؤكد رفض واشنطن استمرار تدفق المرتزقة والتحفظ على الوجود التركي في البلاد وتحجيم الدور الروسي.
لجنة 5+5
يتفق السويد وعبد الحق على أن حل الأزمة ينبغي أن يكون ليبيا ليبيا، وأن عنصر النشاز الذي يؤجج الأوضاع حاليا هو الوجود التركي، لكن تظل موافقة الجيش الوطني وميليشيات طرابلس على استئناف اللجنة العسكرية 5+5 خطوة قد تفتح المسار نحو السلام.
خطوة مفعمة بالآمال رغم أن أنقرة أصدرت أوامرها لميليشيات السراج بأن تكون قاعدة عودتها لاجتماعات اللجنة عودة قوات الجيش الوطني إلى تمركزاتها في ما قبل 4 أبريل نيسان 2019، تاريخ بدء عملية تحرير طرابلس.
سويد عاد ليؤكد أن ميليشيات طرابلس بحاجة إلى سلام سريع ينهي الحرب بأقل الخسائر بالنسبة لها، ومن هذا المنطلق قبلت بالعودة للجنة العسكرية، لكن ارتهانها للقرار التركي يجعلها مكبلة، لأنها مجبرة على الدفع لأنقرة مقابل دعمها لها، وهذا ما يشي بأن المفاوضات ستكون شاقة وغير هينة بالمرة.
أما بالنسبة لعبد الحق، فإن ما يهم ميليشيات طرابلس وأردوغان هو تصدير صورة المنتصر، وإن كانت كاذبة، بحثا عن صدى إعلامي يعوض الرئيس التركي عما تكبده من خسارات في سوريا وجعلته محل انتقادات داخلية وخارجية.
ففي ليبيا، وتحديدا في المنطقة الغربية، يقول سويد، يكمن الإشكال الذي يواجهه الجيش الوطني الليبي في عدم وجود طرف محدد يتفاوض معه، طالما أن ميليشيا طرابلس لا تمتلك قرارها، وفي وقت يريد فيه أردوغان أن لا يضيع على نفسه فرصة وضع اليد على جميع حيثيات المسار، مع أن التاريخ يشهد في كل مرة بأنه رجل غير موثوق به، وأن السلام العادل ليس أحد خياراته، وأفشل عدة مفاوضات وتفاهمات.
فلقاء السراج مع أردوغان، الخميس، لم يخرج عن إطار بحث وقف إطلاق النار، وفي نفس الوقت تقريبا، كان نائب الأول أحمد معيتيق، في العاصمة الروسية موسكو، يبحث مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استئناف المفاوضات ووقف إطلاق النار.
وقبلها بيومين، التقى معيتيق مع السفير الأمريكي في ليبيا ريتشار نورلاند، للتشاور بشأن العودة إلى العملية السياسية برعاية أممية.
نشاط مكثف يشي بأن أردوغان يدفع نحو عودة المفاوضات لكن بعيدا عن القاهرة، لإدراكه صعوبة تحقيق أي اختراق على الأرض، ولرغبته في ربح وقت يمكنه من استثمار اتفاق ترسيم الحدود البحرية، والاستيلاء على مشاريع إعادة الإعمار، وإن اقتضى الأمر عرقلة المفاوضات لاحقا بهدف تمديدها زمنيا وشرذمتها.