التاريخ لن يقف في صف أردوغان إذا استمر في أوهامه السلطانية وحلمه باستعادة الحلم العثماني
أغلبنا يعرف أن للرئيس التركي أردوغان طموحاته وهوسه باستعادة أمجاد الخلافة العثمانية التركية، وقد صرح، مؤخراً، بأن لأجداده إرثا في ليبيا مع أن الكل يدرك أن هذا الإرث سواء في ليبيا أو غيرها من الدول لم يكن سوى إرث دموي وعمليات نهب لثروات البلدان العربية التي تواجدوا فيها والتي يلخصها اليوم مسلسل "ممالك النار" الذي يعرض على قناة MBC.
كما أن معظمنا تابع مسرحية أردوغان السياسية لرسم صورة الخليفة والقائد المخلص لدول المنطقة وشعوبها من الأزمات التي تعاني منها، وذلك في منتدى "دافوس" الاقتصادي عام 2009 عندما انسحب من حوار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز بحضور أمين عام جامعة الدول العربية آنذاك عمرو موسى، حيث حاول من خلالها أن يمارس خدعة سياسية على الشعب العربي بأنه سيعيد لهم حقوقهم المسلوبة من خلال التأثير على العاطفة الإسلامية والعربية. كما يدرك الإنسان العربي أن أردوغان "توهم" خلال أيام الربيع العربي البائد بأن فرصته في تحقيق أوهامه السياسية باتت مواتية وأنها اقتربت من تحقيقها عندما بدأت "جماعة الإخوان المسلمين" بالوصول إلى السلطة في عدد من الدول العربية، خاصة مصر التي ثار شعبها ضدهم.
لقد فشل ذلك "الوهم العثماني" بشكل لم يتوقعه أردوغان نفسه لأنه لم يكن أكثر من خرافة سياسية مستوطنة فكره منذ كان مسؤولاً عن بلدية إسطنبول، وباتت تضلل عمله السياسي واستمر غير مقتنع بذلك الفشل إلى أن قادته، تلك الخرافة، إلى الوقوع في أخطاء أكبر وصلت ليكون على خصام في الداخل التركي مع جميع الأحزاب وأصحابه وكذلك مع المؤسسات السيادية فيها، وفي خلافات مع الخارج كله تقريباً ما عدا الدول والأنظمة التي على خلاف مع المجتمع الدولي مثل إيران والنظام القطري أو المليشيات الدينية دون أن يدرك أن بعض الأفكار حتى لو صدرت من "زعماء" أو قادة الدول ليست شرطاً أنها قابلة للتطبيق.
التاريخ لن يقف في صف أردوغان إذا استمر في أوهامه السلطانية وحلمه باستعادة الحلم العثماني، فالتاريخ لا يمكن أن يتكرر مرتين حتى لو اعتقد أن أجداده حكموا فيها، فقد انتهى زمن صناعة "ممالك النار" التي هزمت أمام قادة وطنيين بدءاً من داخل تركيا نفسها من كمال أتاتورك
انتقل أردوغان بأفكاره وأوهامه من ممارسة الابتزاز والانتهازية ضد الاتحاد الأوروبي وتهديده بأنه سوف يفتح الحدود بمقاتلي تنظيم "داعش" للعبور إلى دوله إذا لم يوفر له المال إلى البلطجة السياسية، وإلى التحرش بالدول الكبرى مثل روسيا في سوريا مجال نفوذها والولايات المتحدة من خلال التهديد بإغلاق قاعدة "إنجرليك" العسكرية، وصولاً إلى محاولة شق الصف العربي والإسلامي من خلال التوقيع على اتفاقيات مع حكومات تدعم الإرهاب مثل قطر أو حكومة فايز السراج في ليبيا، وعقد قمة إسلامية مصغرة في ماليزيا بعيداً عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
يعتقد أردوغان، مع الأسف، أن تعامله مع العالم الخارجي لبلاده هو أشبه بطريقة تعامل مدير بلدية إسطنبول التي كان يترأسها قبل وصوله للحكم مع سكانها، اختلفت المساحة الجغرافية فقط وأصبحت أوسع وأكبر وهذا أحد أنواع مرض العظمة. وإذا كان يعتقد أنه استطاع اختراق بعض الدول بالاستعانة بجماعة الإخوان المسلمين أو عن طريق الدبلوماسية الاقتصادية أو من خلال التوقيع على اتفاقيات استثمارية، فإن الأمر يختلف عندما يصل الأمر إلى نسيان حجمه الحقيقي، خاصة عندما يصطدم بحكومات تؤمن بسيادة الدولة الوطنية أو العلاقات الدولية لها أصولها واحترامها، وفيها قادة يعرفون كيف يضعون حدا وخطا أحمر لمن تعود على اتباع أهوائه السياسية، ولعل هذا هو السبب الحقيقي الذي يدفعه لأن يجعل من الدولة المصرية وقائدها عبدالفتاح السيسي عدواً له، ويشن حملة إعلامية على دولة الإمارات ويستشعر منها الخوف والقلق في أماكن وجوده في الدول العربية، ويعمل جاهدا على زعزعة الدور السعودي ومركزيته في العالم الإسلامي.
التاريخ لن يقف في صف أردوغان إذا استمر في أوهامه السلطانية وحلمه باستعادة الحلم العثماني، فالتاريخ لا يمكن أن يتكرر مرتين حتى لو اعتقد أن أجداده حكموا فيها، فقد انتهى زمن صناعة "ممالك النار" التي هزمت أمام قادة وطنيين بدءاً من داخل تركيا نفسها من كمال أتاتورك. والمطلوب من أردوغان أن يتحرر من أوهامه وأن يطهر فكره من خرافات سياسية لأنه لا مجال لها في هذا الزمان!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة