لم يبقَ لأردوغان من أسمائه إلا الأضداد، شأنه في ذلك شأن وعوده وخطاباته الرنانة للشعب التركي.
لكُلّ امرئٍ من اسمه نصيب، هي مقولة أنتجتها الحكمة والذهنية العربيّة بما يتمتع به العربيّ من فراسةٍ وحذق، ولكن بالذائقة نفسها وبالذهنية ذاتها وبالحكمة عينها، لم يغفل العربُ أن ينبّهوا إلى أنّ الشيءَ قد يُسمّى بضدّه لأسبابٍ ودلالات عديدةٍ، وضمن هذه المقاربة للذهنيّة العربيّة التي لا يفتأ الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" التهجُّم على أبنائها والنيلِ منهم، سواء بالتصريحات والخطابات أو بالحروب وتصدير الأزمات والتجارة بالدماء العربيّة المسلمة البريئة بحجة واهيةٍ لا تمتُّ للإسلامِ الذي حرّمَ دم المسلم وماله وعرضه بِصِلَةٍ.
فإذا ما تمعنّا بسلوك الرّجلِ تجدُ أنه هاوٍ وغاوٍ للأمثال والأقوال المأثورة التي يدبّجُ بها خطاباته بغير وجه حق، فعلى هذا المبدأ الذي اجترحه لنفسه، فإننا نقول لأردوغان باللغة التي يفهمها: لم تحملْ شيئاً من صفاتِ أسمائكَ وألقابِكَ الفضفاضة على كيانك الهزيل، فلستَ بالرجب الذي يُهابُ ولا بالطّيبِ الطاهر، فلو كنتَ مهاباً لما حوّلتْكَ "روسيا" و "أمريكا" والقوى الأخرى على الأرض السورية إلى تاجر دماء فاشلٍ ومتعهد صفقاتٍ على حساب أرض السوريين ودمائهم، صفقاتٌ لم تجنِ منها إلا التقهقر والانسحاب، ثمّ حولوك يا رجب إلى متعهّد حروبٍ يشحن الفقراءَ والمساكين الذين ضاقوا ذرعاً بأصناف الموت جوعاً وبرداً وتعباً؛ سواء من الذين شاء القدرُ أنْ يكونوا تحتَ وطأةِ ساطورك الجبان في داخل سوريا وخارجها لتزجّ بهم في معارك فاشلةٍ في ليبيا، وأنتَ المتخبّطُ الذي لا يعلمُ ما يريدُ ومن أينَ يبدأ، والحكمة تقولُ أنْ لا هيبةَ لمتقهقرٍ، ولكنّ التعامل مع الأحمق بحذرٍ هو عين الحكمةِ، أمّا عن الطيبة والعفّةِ فمن أينَ لكَ بما يغسلُ دماء الأبرياءِ ودموع الأطفال والأرامل والثكالى؟، فلا العفة ولا الطهر يليقان بمن يوغل بدماء العباد والسعي لخراب البلدان وهدمها.
أمّا عندما تتحدّثُ عن التاريخِ والحضارة، فأنت تحاول اللعبَ على حبالها خطابيّاً، أما واقعيّاً ومنطقيّاً ومن منظور الحقيقة المطلقة فإنّكَ بعيدٌ كلّ البعد عن الذي يلوكه لسانُك من حديثٍ، فإنّ مقولة "الأمم الحقّةُ هي التي تصنعُ التاريخ" تشتمل على الصّدقِ كُله، والأمثلةُ الحاضرة على واقع اليومِ أكثر منْ أنْ تُحصى، فلو كان الأمر على ما تصوّره لكان الأجدر بك – على سبيل المثال - أنْ تُلقي الاعتراف بدولة اسمها "الولايات المتحدة" بدلاً من أنْ تصرخ ليل نهارٍ بأنها تفرض عليك عقوبات جائرة! فالعبرَة ليست في السبْقِ وإنّما في اللحاقِ، ومن أراد الفخر – وله الحق في ذلك - بتاريخه فلا بد له أنْ يستلهم الإشراق منه لصنع المستقبل، أما أنْ يستلهم المرءُ سَوأةَ التاريخ ليعود بالمستقبل إلى زمن "الكرباج" وإعدام الأحرار لمجرد المطالبة بتنفس الهواء، وإلى أيّام "السفربرلك" والمذابح بحق القوميات والأقليّات كما حدث للأرمن على يد العثمانيين، فما هو إلا طالبٌ فاشلٌ في مدرسةِ التاريخ؛ لأنّه فوّت الدروس الأهمّ منه، ألا وهي الدروس التي سطرتها الشعوب بالدماء الطاهرة لتخطّ بها ملاحم العزّة في انتزاع الحياة من الموت والنور من الظلام.
فبعد كل هذا لم يبقَ لأردوغان من أسمائه إلا الأضداد، شأنه في ذلك شأن وعوده وخطاباته الرنانة للشعب التركي الذي ما إنْ ركب سكة الاستقرار والقوة الاقتصادية حتى أعاده "أردوغان لارجب ولاطيب" إلى الوراء ليهدم ما أنجزه الشعب من اجتياز لمراحل شاقة على طريق التقدّم، فمن وعوده أنْ يحوّل تركيا إلى "صفر أعداء"، والحقيقةُ أنه كان صادقا في الشق الأوّل من الشعار ببلوغ الصفر؛ إلا أنه الصفر المضاد وهو "صفر أصدقاء" فلم يبقَ لتركيا في محيطها سواء على الجانب العربي أو الأوروبي صديق واحدٌ يستحقّ الذكر، فبدلاً من أن يتعامل مع محيطه بحسن الجوار وتمتين العلاقات زج ببلاده في خمسة حروبٍ في آنٍ واحد وبزمنٍ قياسي، تتمثل بأربعة مشتعلة في سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان وخامسة قيد الإضرام مع اليونان، فهل هذه سياسة "الصفر أعداء"؟ بالطبع لا، إنما هي سياسة الصفر أصدقاء الحمقاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة